النفط الصخري يصيب صناعة التكرير بعسر الهضم

بحلول نهاية هذا العام ستضخ صناعة النفط الأمريكية 11 مليون برميل يومياً من الزيت الخام، وهو أعلى مستوى في تاريخها وأكثر مما تنتجه روسيا أو السعودية.
هذه البراميل التي عززتها ثورة النفط الصخري ويتم تصديرها على نحو متزايد، يُنظر إليها على أنها حاسمة في الحفاظ على إمدادات السوق في حالة جيدة، في الوقت الذي يزيد فيه الاقتصاد العالمي، سريع النمو، الطلب على الديزل ووقود الطائرات والبتروكيماويات. لكن الجدل ـ أو القلق، كما يقول بعضهم ـ يتنامى في أوساط الصناعة حول مدى ملاءمة النفط الصخري الآتي من الولايات المتحدة لتلبية هذا الطلب المتزايد.
يقول المنتقدون إن القضية هي أن النفط الصخري الأمريكي أخف كثيرا – استخراجه يتم من خلال التصدعات الضيقة في الصخور باستخدام التكسير الهيدروليكي – من الخامات الثقيلة التي تشتمل على القطران والتي يفكر فيها معظم الناس عندما يتصورون برميل النفط.
وهذا ينطوي على آثار ضخمة لأن شركات التكرير التي تحوِّل الخام إلى منتجات قابلة للاستخدام، أمضت عقودًا في الاستثمار في مصانع قادرة على معالجة أنواع النفط الأثقل كثيرا التي كان متوقعا في الماضي أن تهيمن على العرض. ويقول بعضهم إن براميل النفط الصخري الأخف ليست جيدة بالقدر نفسه لاستخلاص المنتجات – خاصة وقود الديزل ووقود الطائرات وغيرها من نواتج التقطير المتوسطة – التي يحتاج إليها العالم بشكل متزايد.
ويحذر هؤلاء من أزمة محتملة في السنوات المقبلة، ليس بسبب نقص مباشر في الخام، وإنما بسبب أن شركات التكرير ستتدافع للحصول على مزيد من البراميل التقليدية، في الوقت الذي يُعتبَر فيه النفط الصخري الأمريكي غير واف بالغرض.
يقول بيل بارنز، من “بيسجا بارتنرز”، وهي شركة استشارية لتطوير مشاريع الطاقة: “السر القذر للنفط الصخري الأمريكي هو أنه ليس مرغوبا من كثير من الناس. من الخطأ القول إن الولايات المتحدة يمكنها إضافة أكثر من مليون برميل في اليوم من الطاقة الإنتاجية سنويًا، وإن نفطها سيجد على الفور مكانا له في نظام التكرير في العالم”.
وفي حين يعتقد بعضهم أن وجهة النظر هذه تبالغ في تصوير المخاطر ـ ومن هؤلاء وكالة الطاقة الدولية التي تجادل بأن نظام التكرير العالمي الذي يستوعب 100 مليون برميل يوميا يتمتع بالمرونة الكافية للتكيف ـ إلا أن هناك أدلة على أن النفط الصخري الأمريكي لا يتم تبنيه بشكل موحد.
“مورجان ستانلي” وصف الوضع في الشهر الماضي بأنه “مشكلة معقدة يُحيطُ بها عدد من عوامل اللبس”، لكن المصرف توقع أن منتجي للنفط الصخري في الولايات المتحدة، على الأقل، سيحتاجون إلى قبول أسعار أقل من أجل تحفيز شركات التكرير لاستخدامه في الوقت الذي تزداد فيه الإمدادات.
في الولايات المتحدة نفسها، بقي الوزن المحدد للخام من “معهد البترول الأمريكي”، أو قياس مدى ثقل وكثافة البراميل، ثابتا نسبيًا من حيث ما تعالجه المصافي الأمريكية حتى في الوقت الذي أصبح فيه البرميل العادي الذي يتم إنتاجه أخف من غيره من الأنواع الأخرى. هذا يشير إلى أن المعامل الأمريكية لا تزال تفضل البراميل الثقيلة، أو مزج الزيت الصخري.
وفي حين ارتفعت الصادرات الأمريكية منذ رفع القيود المفروضة على الصادرات قبل عامين، فإن كثيرا من النفط الذي يتم شحنه إلى الخارج هو من النوع التقليدي وأثقل من غيره من الأنواع الأخرى، وليس النعمة الجديدة المسماة النفط الصخري.
يقول فرانكو مانياني، رئيس قسم التداول في “إيني”، شركة النفط الإيطالية الكبيرة التي تشغل 550 ألف برميل يومياً من طاقة التكرير، إنهم لا يسارعون إلى تأمين صفقات التوريد مع منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة.
ويضيف: “يمكن أن تكون عملية تعويض النقص في حالات معينة، لكنها ليست في الواقع وجبة أساسية (بالنسبة لمصافي إيني)”، مشيرا إلى أن الشركة، مثل شركات أخرى كثيرة، استثمرت في وحدات تكرير coking units مصممة لاستخراج أكبر قدر ممكن من الديزل من النفط الثقيل.
ويتابع مانياني أن النفط الصخري خفيف جدًا، بحيث يجب أن تكون لديك مصفاة مخصصة لهذا النوع من النفط، لكن حتى في هذه الحالة ربما يكون النفط خفيفًا فوق الحد.
ومع أن وجهة نظره تتردد أصداؤها لدى مصاف أوروبية أخرى تحدثت إليها “فاينانشيال تايمز”، إلا أن المملكة المتحدة برزت بوصفها أكبر مشتر للنفط الأمريكي الخفيف في المنطقة.
في السنة الماضية استوردت بريطانيا 90 ألف برميل يوميا من الخام الأمريكي الخفيف، ما يعادل 7 في المائة من طاقة التكرير في البلاد، وهذا علامة على معامل معتادة على وجبات من خام بحر الشمال الذي يغلب عليه أن يكون خفيفا نسبيا.
شركة وود ماكينزي لاستشارات الطاقة تقول إن فكرتها الأساسية هي أنه إذا تم تسعير الخام الصخري بالشكل الصحيح، فإن معامل التكرير ستتكيف – لكن هذه الفكرة محمولة على نظرة محافظة لنمو الناتج الأمريكي، الذي يتوقع أن يصل إلى حالة من الاستقرار بحدود عام 2020.
يقول ألان جيلدر، رئيس قسم أبحاث التكرير في وود ماكينزي: “إذا كان نظام التكرير العالمي الذي تبلغ طاقته 100 مليون برميل يوميا بحاجة إلى استيعاب مليوني برميل تدريجيا من الخام الخفيف، فهذا في الواقع ليس مشكلة”.
ويستطرد: “لكن من الممكن أن تبدأ المشكلات في الظهور إذا استمر نمو النفط الصخري الأمريكي بمعدل مليون برميل يوميا بعد عام 2020. عندما يحدث ذلك سنحتاج إلى مزيد من الديزل في حين أن الطلب على البنزين يمكن أن يبدأ بالتضرر، إذا حدث مزيد من استخدام السيارات الكهربائية”.
الديزل ونواتج التقطير الأخرى هي من بين الأجزاء التي تشهد أسرع نمو في الطلب، وفي عام 2020 فإن قواعد المنظمة البحرية الدولية تعني أن أسطول الشحن العالمي سيتحول من استخدام زيت الوقود الثقيل وغير النظيف إلى الديزل. وهذا يمكن أن يضيف كمية أخرى مقدارها مليونا برميل يوميا، أو أكثر من الطلب على الديزل خلال فترة زمنية قصيرة.
أمريتا سن، من “إنيرجي آسبِكْتس”، يرى أن التسعير سيكون عاملا أساسا في الوقت الذي يتصاعد فيه إنتاج النفط الصخري الأمريكي، لكنه سيجد مشترين إضافيين في آسيا، بسبب قواعد المنظمة البحرية الدولية، نظرا لمحتواه المتدني من الكبريت. والأحجام الأكبر من المنتجات الخفيفة التي ستنشأ عن ذلك جيدة أيضا بالنسبة لنظام البتروكيماويات المتنامي في آسيا.
ويقول: “لو لم تكن هناك قواعد المنظمة لعام 2020 كنتُ سأوافق على أنه يجدر بنا أن نتوخى الحذر نوعا ما بشأن الطريقة التي يستوعب بها نظام التكرير العالمي كل هذه البراميل”.
ويتابع: “هناك مشكلات على الجانبين. معامل التكرير التي استثمرت في معالجة الخام الثقيل يمكن أن تواجه مشكلات في مرحلة لاحقة – إذا كان مصدر 80 في المائة من النمو هو الأنواع الخفيفة من النفط، فإن الأنواع الأثقل من النفط يمكن أن تصبح أكثر تكلفة”.
لكن يبقى بعضهم مصرا على أن الذين يرون أن نظام التكرير سيتكيف مع الوضع إنما يتسمون بالتساهل. ويجادل هؤلاء بأن طاقة التكرير المتاحة للأنواع الخفيفة من الخام أدنى بكثير من 100 مليون برميل يوميا حين يُحذف من المعادلة نظام التكرير الأمريكي القريب من مرحلة الإشباع والبلدان التي من قبيل روسيا، التي لن تشتري ذلك النفط. ويرون أن السوق المفتوحة للأنواع الخفيفة من النفط أقرب إلى أن تكون 15 مليون برميل يوميا.
يقول بارنز: “سيجد النظام العالمي طريقة للتعامل مع الوضع في نهاية الأمر. لكن على المدى القصير إلى المتوسط نستطيع أن نراه وهو يعاني”.