استثمارات “الذكاء الاصطناعي” قد تصل إلى 15 تريليون دولار

يعد مصطلح الذكاء الاصطناعي من المصطلحات الحديثة نسبيا في مجال المعرفة الإنسانية، وتزداد حداثة المصطلح عندما نتطرق إلى استخدامه في علم الاقتصاد، ومع هذا فالمفهوم بات يتمتع بانتشار واسع، فقد درج استخدامه بكثافة في عديد من وسائل الإعلام.

وإذا كان مصطلح الذكاء الاصطناعي صيغ لأول مرة عام 1956، على يد العالم الأمريكي جون مكارثي أحد الآباء المؤسسين لهذا الفرع من المعرفة الإنسانية باعتباره فرعا من فروع علم الكمبيوتر أو العقل الإلكتروني، الهادف إلى إيجاد آلات ذكية تعمل وتتفاعل كالبشر، فإن عالم الرياضيات البريطاني الشهير آلان تورينج اقترح في حينها أن يكون المؤشر الحقيقي لقياس ذكاء الكمبيوتر هو عدم قدرتنا على التمييز بين إجابته وإجابة الإنسان للسؤال ذاته.

واليوم وبعد مرور 60 عاما تقريبا من بروز مصطلح الذكاء الاصطناعي، اتسع نطاقه ليتضمن التطبيقات المستخدمة في الكمبيوتر، والألعاب التي يتنافس فيها الكمبيوتر مع الإنسان، وفهم لغات البشر، إضافة بالطبع إلى الروبوتات التي تمتلك القدرة على السماع والرؤية وردود الأفعال على المحفزات الحسية.

يعرف الدكتور نايجل شادبولت أستاذ أنظمة المعلومات لـ “الاقتصادية” الذكاء الاصطناعي بأنه أجهزة ونظم كمبيوتر مصممة للعمل بطريقة يمكن اعتبارها ذكية، ويتضمن الأنماط التكنولوجية التي تحاكي الأداء البشري من خلال التعلم والتوصل إلى استنتاجاتها الخاصة، عبر فهم المحتويات المعقدة، والانخراط في حوارات مع الإنسان، وتعزيز الأداء المعرفي البشري، بل استبدال البشر في تنفيذ المهام الروتينية وغير الروتينية على حد سواء.

وبطبيعة الحال لا يعد هذا هو التعريف الوحيد للذكاء الاصطناعي، ولكنه المفهوم الأكثر انتشارا وقبولا بين المتخصصين في هذا المجال، بما فيهم الاقتصاديين المعنيين بالبحث في تداعيات هذا الفرع من المعرفة الإنسانية على الاقتصاد ومعدلات النمو والتوظيف وغيرها من الجوانب الاقتصادية المختلفة.

ولفهم سريع وعميق لمدى تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد، فإن لغة الأرقام لربما تكون مؤشرا ملموسا على عمق التحولات التي ستنتاب الاقتصاد الدولي من جراء الدمج المتزايد لمفاهيم الذكاء الاصطناعي في الآليات العمل الاقتصادي.

ويشير لـ “الاقتصادية”، البروفيسور فرانك توماس أستاذ الاقتصاد الحديث في جامعة أكسفورد، إلى أن بعض الدراسات توقعت في بداية العقد الثاني من القرن الحالي أن تبلغ مساهمة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي خلال هذا العقد ما يراوح بين 359.6 إلى 773 مليار دولار، وفي عام 2014 أشارت دراسة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى أن الذكاء الاصطناعي بعد توسيع نطاق استخدامه سيؤدي إلى زيادة الاقتصاد الدولي بما يراوح بين 1.49 و2.95 تريليون دولار.

وأضاف توماس أن بعض التقديرات الحديثة الآن تشير إلى أرقام أكبر من ذلك بكثير، فالتقرير الصادر عن أكاديمية “برايس ووتر هاوس كوبرز” في منتصف هذا العام عن مساهمة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الدولي تصل بتلك المساهمة إلى 15.7 تريليون دولار من الآن وحتى عام 2030، أي ما يفوق الناتج المحلي الإجمالي للصين والهند معا، مع الأخذ في الاعتبار أن قيمة الاقتصاد الكوني حاليا 74 تريليون دولار وسيزيد بنحو 14 في المائة بحلول عام 2030.

وفيما تؤكد “برايس ووتر هاوس كوبرز” إن الذكاء الاصطناعي أكبر فرصة تجارية في عالم اليوم سريع الإيقاع، تبدو تلك الزيادات بالنسبة للاقتصاديين الكلاسيكيين الذين يعتبرون أن أرقاما من قبل 100 و200 مليار دولار هى أرقاما فلكية وزيادات بعيدة المنال، لكنها مع ذلك تتفق تماما مع رؤية جيل جديد من القادة والاقتصاديين الذين ينظرون إلى المستقبل بناء على رؤية نوعية، ترمي إلى إحداث تغيير شامل في منحى الحياة الإنسانية.

ويقول الدكتور أرون نولان أستاذ فلسفة علم الاقتصاد: “بالطبع إضافة 15 تريليون دولار للاقتصاد الكوني خلال أقل من عقدين مبلغ شديد الضخامة، ولكن ذلك ينبع من أن الفلسفة الاقتصادية الراهنة تعتمد على مفهوم العلاقة العدائية بين البشر والآلة، فمزيد من الروبوتات يعني للمدرسة الاقتصادية التقليدية، فرص عمل أقل للبشر، بينما مفهوم المدافعين عن دمج الذكاء الاصطناعي في الآلة الاقتصادية يعتمد على التكاملية بين الإنسان والآلة، بما يعنيه ذلك من تعزيز مفهوم الكفاءة، ابتداء من استخلاص الموارد والوصول بمعدل الهدر إلى قرب الصفر، مرورا بعملية التصنيع، وتفادي الأخطاء التصنيعية، انتهاء باستخدام المستهلك للمنتج بأفضل صورة ممكنة.

وهذا التكامل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي يعني فرص عمل أعلى، لكن شريطة أن تكون النوعية التعليمية ذات جودة ومعرفة قادرة على التعامل مع الظروف الاقتصادية الجديدة في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع”.

ويضيف نولان:” لذلك فإن نجاح التجربة يرتهن في معظم الحالات بإحداث تغيير شامل في المناهج التعليمية، وجعلها أكثر حداثة بالتركيز على أفرع المعرفة الإنسانية التي تصب في خدمة الاقتصاد الحديث ودمجه للذكاء الاصطناعي في العملية الإنتاجية”.

وبطبيعة الحال يمكن القول بثقة شديدة أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في مرحلة مبكرة جدا من التنمية بشكل عام، وهناك فرص واعدة للغاية لاستخدامه خاصة في الاقتصادات الناشئة أكثر منها في الاقتصادات المتطورة، وفي القطاعات الاقتصادية المبتدئة أكثر منها في القطاعات الاقتصادية الأكثر تطورا.