3 عوامل تحفز أسعار النفط

أكدت وكالة الطاقة الدولية أن عملية تخفيض الإنتاج التي تقودها منظمة “أوبك” وروسيا ودول منتجة مستقلة أخرى أظهرت كثيرا من علامات النجاح وتمثل ذلك بشكل رئيس في تراجع مستوى المخزونات العالمية في الربع الثاني من العام الحالي ما جعل المخزونات تتحرك بشكل جيد نحو بلوغ متوسط السنوات الخمس.
وقالت بيانات للوكالة – التي تقدم المشورة لمعظم الاقتصادات الرئيسة في العالم بشأن سياسة الطاقة – إن التخفيضات المؤثرة التي قام بها المنتجون على إمدادات النفط الفورية أدت بالفعل إلى تقليص المعروض وتضييق المعروض النفطي في الأسواق.
وأوضحت الوكالة أن “أوبك” تواجه تحديات كبيرة قد تستمر على مدى عدة سنوات وهو ما يتطلب أقصى درجات الانضباط بين الدول الأعضاء لعلاج أى قصور في الأداء خاصة بعدما شهدنا في (يوليو) الماضي انخفاضا نسبيا في الالتزام بالتخفيضات المتفق عليها إلى 75 في المائة وهو أدنى مستوى منذ بدء تطبيق الاتفاق.
ونقل التقرير عن جبار اللعيبي وزير النفط العراقي تأكيده مرارا أن بلاده تعمل على توسيع الطاقة الإنتاجية بشكل كبير، مشيرا إلى أن تطلعات العراق إلى رفع مستوى الإنتاج ستجعل توقعات السوق لعام 2019 “صعبة” وستزيد الضغوط على اتفاق خفض الإنتاج في حالة استمرار العمل به.
إلى ذلك، تنطلق اليوم الإثنين في العاصمة النمساوية فيينا أعمال الاجتماع الفني والتقني المرتقب والمشترك بين خبراء في منظمة الدولة المصدرة للنفط “أوبك” ودول منتجة من خارج “أوبك” وفي مقدمتهم الخبراء الروس.
ويركز الاجتماع الجديد – الذى يجيء في إطار عدد من الاجتماعات المكثفة والمتلاحقة – على استكمال المشاورات الأخيرة التي جرت سواء في سان بطرسبورج أو أبوظبي فيما يخص بحث سبل تعزيز الامتثال لاتفاق فيينا المطبق منذ مطلع العام الحالي ويقضي بخفض الإنتاج العالمي بنحو 1.8 مليون برميل يوميا حتى (مارس) المقبل.
وفي هذا الإطار، أوضح لـ “الاقتصادية”، فينسيزو أروتا مدير شركة “تيميكس أوليو” الإيطالية للطاقة، إن تضافر وجود ثلاثة عوامل مؤثرة معا يفتح آفاق الثقة والتفاؤل في قدرة أسعار النفط على تحقيق المزيد من المكاسب في الأسبوع الحالي والأسابيع المقبلة.
وأشار أروتا إلى أن العوامل الثلاثة هي تراجع الحفارات النفطية الأمريكية وانكماش مستويات المخزونات وسرعة وتيرة السحب منها إضافة إلى تراجع الدولار أمام بقية العملات الرئيسة ما أسهم بشكل كبير في انتعاش أسعار النفط الذي أدى بالتالي إلى اختتام الأسبوع الماضي على مكاسب تجاوزت 3 في المائة.
وأضاف أروتا أن عملية إعادة التوازن إلى السوق ليست مهمة سهلة وهناك كثير من العوامل التي تعرقل تحقيق هذا الهدف حتى إن بعض التقديرات لوكالة الطاقة الدولية رجحت أن يستمر الفائض في المخزونات ربما حتى نهاية العام المقبل 2018.
من جانبها، تقول لـ “الاقتصادية”، شيكاكو أشيجورو عضو الفريق البحثي في شركة “أوساكا” للغاز، إن أسعار النفط فقدت نحو 10 في المائة منذ بداية العام الحالي وذلك على الرغم من الجهود المكثفة التي تبذلها منظمة أوبك بالتعاون مع روسيا وبقية المنتجين المستقلين لتقييد الإنتاج وعلاج حالة التخمة المزمنة في الأسواق التي تفاقمت في صيف 2014 وما زالت تداعياتها مستمرة حتى المرحلة الراهنة.
وأشارت أشيجورو إلى أن اجتماع المنتجين الموسع على مستوى الوزراء سواء في “أوبك” أو المستقلين في فيينا نوفمبر المقبل سيكون اجتماعا مفصليا ومحوريا في تطورات السوق وسيتم خلاله تقييم ما تم في عملية خفض الإنتاج الجماعي ومن ثم تقدير الموقف والتوافق حول ما إذا كان السوق يحتاج إلى إجراءات اضافية بعد انتهاء مدة اتفاق خفض الإنتاج في آذار (مارس) 2018 وهو الاحتمال الأكثر ترجيحا.
وأضافت أشيجورو أن السوق يتطلع إلى مد العمل بتخفيضات الإنتاج مع تشجيع ومساندة تعميق هذه التخفيضات من أجل القضاء التام على الوفرة في الأسواق ودفع السوق إلى الاستقرار والتوازن والنمو المستدام.
من ناحيته، يقول لـ “الاقتصادية”، ماثيو جونسون المحلل بمجموعة “أوكسيرا” للاستشارات المالية، إن منظمة أوبك وعلى الرغم من أنها تقود جهود خفض الإنتاج إلا أنها سجلت في يوليو الماضي أعلى مستويات الإنتاج خلال هذا العام وهو 3.82 مليون برميل يوميا وذلك بسبب الطفرات الإنتاجية التي قادتها نيجيريا وليبيا المعفيين من اتفاق خفض الإنتاج إلى جانب حدوث تراجع نسبي في مستويات الامتثال في بعض الدول الأعضاء في الاتفاقية.
وأوضح جونسون أن منظمة أوبك يجب أن تعمل بجهود أكثر كثافة على احتواء الزيادات في الإنتاج خاصة أن الزيادات مرشحة للنمو في الفترة المقبلة خاصة في ضوء وجود عوامل أخرى ضاغطة في مقدمتها نجاح منتجي النفط الصخري الزيتي الأمريكي في الحفاظ على الاستمرار في الحفر على الرغم من انخفاض الأسعار، مشيرا إلى تأكيدات الحكومة الأمريكية أن إنتاج النفط الصخري سيصل إلى مستوى قياسي الشهر المقبل.
وأضاف جونسون أنه على الرغم من صعوبات السوق الراهنة وتقلبات الأسعار إلا أن الطلب مرشح للنمو بقوة خاصة على مدى السنوات الخمس المقبلة حيث سينمو استهلاك النفط بشكل رئيسي وسيتركز الطلب الأقوى الجديد في المنتجات البتروكيماوية التي ستكون المحرك الرئيس للسوق مستقبلا.
في سياق متصل، توقع مختصون نفطيون أن تواصل أسعار النفط مكاسبها السعرية خلال الأسبوع الحالي بعد أن اختتمت الأسبوع الماضي على قفزة سعرية بنحو 3 في المائة جاءت مدعومة من تقلص عدد الحفارات الأمريكية واستمرار تراجع مستويات المخزونات النفطية إلى جانب وجود مؤشرات عن تنام تدريجي في مستويات الطلب إضافة إلى تراجع الدولار الأمريكي أمام بقية العملات الرئيسة وهو الذي يرتبط بعلاقة عكسية مع أسعار الخام.
وكانت أسعار النفط قد سجلت ارتفاعا كبيرا في ختام الأسبوع الماضي مع انخفاض الدولار وتقليص الشركات الأمريكية عدد منصات الحفر النفطية، ما عزز موجة صعود دفعت خام برنت إلى تحقيق مكاسب أسبوعية بينما استقر الخام الأمريكي دون تغير يذكر على مدى الأسبوع.
وبدأت مؤشرات على تقلص المعروض في الظهور في الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم، ورغم ارتفاع الإنتاج الأمريكي 13 في المائة منذ منتصف 2016 إلى 9.5 مليون برميل يوميا، انخفضت مخزونات النفط التجارية في البلاد 13 في المائة من مستواها القياسي الذي سجلته في (مارس) إلى ما دون مستويات 2016.
وأظهرت البيانات أن شركات الطاقة الأمريكية خفضت عدد الحفارات النفطية للأسبوع الثاني في ثلاثة أسابيع، في الوقت الذي تقلص فيه الشركات خطط الإنفاق مع انخفاض أسعار الخام.
وقالت “بيكر هيوز لخدمات الطاقة” في تقرير “إن الشركات قلصت عدد منصات الحفر النفطية بواقع خمسة حفارات في الأسبوع المنتهي في 18 (أغسطس) ليصل العدد الإجمالي إلى 763 منصة”.
ويقابل هذا العدد 406 منصات حفر نفطية كانت عاملة في الأسبوع المقابل قبل عام، وزادت الشركات عدد الحفارات في 56 أسبوعا من 64 أسبوعا منذ بداية (يونيو) 2016.
وعدد الحفارات مؤشر مبكر على الإنتاج في المستقبل، ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج النفط الأمريكي إلى 9.4 مليون برميل يوميا في 2017 وإلى 9.9 مليون برميل يوميا في 2018 من 8.9 مليون برميل يوميا في 2016 بحسب توقعات اتحادية.
وضغطت تلك الزيادة في الإنتاج على أسعار الخام في الأشهر الماضية، ووضع عدد من شركات الاستكشاف والإنتاج برامج إنفاق طموحة لعام 2017 عندما كانت تتوقع ارتفاع أسعار الخام الأمريكي عن مستوياتها الحالية البالغة نحو 48.50 دولار للبرميل.
ورغم تخفيضات الإنفاق التي جرى الإعلان عنها في الآونة الأخيرة فإن شركات الاستكشاف والإنتاج ما زالت تعتزم إنفاق أموال أكثر مما أنفقتها في العام الماضي.
وقال تاماس فارجا كبير محللي السوق لدى “بي. في. إم أويل أسوسيتس” للسمسرة في لندن “بيانات إدارة معلومات الطاقة تنبئ بأن سوق النفط الأمريكية تزداد توازنا مع تراجع مخزونات الخام. التركيز انصب على القفزة الكبيرة في الإنتاج”.
وتقوض زيادة الإنتاج الأمريكي جهود منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” وبعض المنتجين غير الأعضاء في المنظمة مثل روسيا لتصريف تخمة المعروض العالمي من الخام.
وتعهدت تلك الدول بخفض الإنتاج 1.8 مليون برميل يوميا بين (يناير) و (مارس) 2018، وقال وليام أولولين المحلل لدى “ريفكين” للأوراق المالية “إنه إذا استمر تراجع المخزونات بالوتيرة الحالية فستنزل المخزونات الأمريكية عن متوسط خمس سنوات في غضون شهرين”.
وأضاف أولولين أن “وتيرة التراجعات تنبئ بأن تخفيضات إنتاج “أوبك” تحدث أثرا لكن أسعار النفط الحالية تشير إلى أن السوق متشككة في فرص استعادة التوازن في سوق النفط في المدى الطويل، وأسعار “برنت” منخفضة نحو 12 في المائة منذ بدأت “أوبك” والمستقلون خفض الإنتاج في (يناير)”.
وكان معهد البترول الأمريكي قد أشار في بياناته الأسبوعية بشأن المخزون، إلى تراجع مخزون الخام بمقدار 9.2 مليون برميل خلال أسبوع إلى 469.2 مليون برميل، مقارنة بتوقعات المحللين انخفاضا قدره 3.1 مليون برميل، وهو أكبر تراجع أسبوعي منذ (سبتمبر) 2016.
وأكد تقرير “ريج زون” الدولي المتخصص في المنصات النفطية أن المنتجين الأمريكيين أبقوا على أنشطة الحفر متسارعة للحصول على مزيد من النفط الخام في ظل أسعار ملائمة نسبيا لهم، حيث وصل عدد منصات الحفر النشطة إلى أعلى مستوى لها منذ (أبريل) 2015، مشيرا إلى توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بوصول الإنتاج من النفط الزيتي الأمريكي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق وهو 6.15 مليون برميل يوميا في (سبتمبر) المقبل.