مصادر الطاقة تنوعت.. والأسعار تنافسية أكثر

كتب : محمد العوضي

المتابع لشؤون النفط في الآونة الأخيرة، يلاحظ عدم تفاعل أسعاره كما كان يحدث في الماضي، مع الكوارث الطبيعية التي حلت بولايتي تكساس وفلوريدا، من خلال اكبر اعصارين متتاليين أصابا أميركا خلال 50 سنة، هارفي وارما، فأسعار النفط ظلت ثابتة تقريبا، وارتفعت أسعار البنزين بصورة مؤقتة بالرغم من عصف اعصار هارفي بولاية تكساس معقل النفط الصخري والتقليدي في الولايات المتحدة الأميركية وتعطيل %15 من انتاج النفط في خليج المكسيك. ولو رجعنا إلى صيف عام 2005 وراجعنا الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن خلال اعصار كارترينا، الذي أصاب ولاية لويزيانا وبالتحديد مدينة نيو أولينز، لوجدنا تفاعل اسعار النفط مع ذلك الحدث كان جلياً، حيث تجاوزت أسعار النفط آنذاك مستوى 66 دولارا إلى أكثر من 70 دولاراً، ورافق ذلك زيادة اسعار البنزين إلى ما يقارب من 6 دولارات للجالون، وكان الطلب العالمي النفطي يقارب 74 مليون يرميل يوميا، الأمر الذي استدعى الرئيس بوش إلى ضخ 30 مليون جالون من المخزون الإستراتيجي الأميركي للنفط لكبح الارتفاع في أسعار النفط نتيجة تلك الكارثة الطبيعية. هذه الأحداث تؤكد أن قيمة النفط كسلعة استراتيجية ومصدر حيوي للطاقة انخفضت عما كان سابقاً.

أعتقد أن حساسية العالم الغربي من منتج النفط بعد أن اكتشفوا طرق انتاجه وتصنيعه وتسويقه بدأت بعد حرب اكتوبر عام 1973، عندما اتخذت الدول العربية المصدرة للنفط قراراً بقطع النفط عن أي دولة تساعد اسرائيل في الحرب، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر النفط من دولارين للبرميل الواحد إلى 14 دولاراً، أي بنسبة %700، وارتفع سعر البنزين بعد الحظر من 30 سنتاً إلى دولار للجالون في أميركا، والذي ينسب إليه كثير من الاقتصاديين الغربيين التضخم الذي وصل إلى مستوى %13 في أميركا إبان حقبة حكم الرئيس جيمي كارتر ونسبة بطالة تعدت %10، واصبحت الصورة الفوتوغرافية لمواطنين أميركيين ينتظرون دورهم للحصول على البنزين في محطة بنزين تعلن عن نفاده، احدى الصور المشهورة التي تعكس حقبة السبعينات من القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت اعتبر ساسة أميركا، أن اعتماد الولايات المتحدة الأميركية على النفط الأجنبي أمراً مهدداً للأمن القومي. أتذكر خلال زيارتي لمكتبة الرئيس كارتر في مدينة اتلانا بولاية جورجيا، مشاهدتي لبوسترات توضح التشريعات والإجراءات الاقتصادية التي اتخذها الرئيس كارتر بعد الحظر النفطي، وخاصة تلك المتعلقة بزيادة كفاءة السيارات في استهلاك البنزين، والتي اعتبرت من أهم الإنجازات الاقتصادية في عهده. استثمرت السيارات اليابانية في مطلع الثمانينات في زيادة كفاءة السيارات في استخدام الطاقة، وكانت السباقة في هذا المجال، وتبعتها بعد ذلك مصانع السيارات الأوروبية والأميركية. الصدمة النفطية الثانية عند الغرب كانت بين عامي1979 و1980 بسبب أحداث الثورة

الإيرانية واشتعال الحرب العراقية الإيرانية، التي من خلالها تجاوزت أسعار النفط سعر الأربعين دولاراً، وتسببت هذه الصدمة بدخول نفط بحر الشمال (بريطانيا والنرويج) وكذلك المكسيك إلى سوق النفط كمنتجين رئيسيين، فقد أصبح الإنتاج عند هذه الاسعار لهذه الدول مجدياً من الناحية الاقتصادية، وانهيار الأسعار في منتصف الثمانينات إلى مستوى 8 دولارات نتيجة زيادة المعروض من النفط، لم توقف حقول بحر الشمال وحقول المكسيك عن الانتاج. غزو العراق للكويت وحرق الجيش العراقي لآبار النفط الكويتية أثار انتباه العالم للآثار البيئية التي ممكن أن تتخلَّف عن النفط، ومن قبل ذلك حادثة اكسون فالديز في مارس من عام 1989 التي من خلالها تم تسرب 240 ألف برميل من النفط على شواطئ ولاية ألاسكا الأميركية متسببة في أكبر عملية تلوث بحري في حينه، ولفت نشطاء بيئيون مثل آل غور نائب الرئيس الأميركي في عهد الرئيس كلينتون والحائز على جائزة نوبل للسلام في مجال البيئة، على تأثير النفط أو الوقود الأحفوري على المشاكل البيئية المتمثلة في التلوث الجوي وانبعاث الغازات الدفيئة المتسببة في إضعاف طبقة الأوزون في الغلاف الجوي، وكذلك ظهور ظاهرة الأمطار الحمضية وأيضا التأثيرات البيئية المباشرة التي يسببها النفط في أماكن إنتاجه، الأمر الذي توجهت فيه التشريعات والاتفاقيات الدولية كاتفاقية ريو عام 1992 التي وقعتها 154 دولة اتفقوا بموجبها على اجراء خفوضات كبيرة في تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، الأمر الذي أدى إلى وضع قيود على المنتجات النفطية وضرورة توافقها مع المواصفات البيئية، فظهر ما يسمى بالوقود البيئي. وأوعز كثير من خبراء الطاقة إلى ضرورة البحث عن مصادر جديدة للطاقة لأن الانتاج النفطي العالمي قد يتناقص بسبب استنزاف الحقول النفطية، وصعوبة اكتشاف حقول نفطية عملاقة كحقل الغوار في السعودية أو حقل برقان في الكويت أو حقل بروفيدانس في ألاسكا.
أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 أدت إلى مراجعة الولايات المتحدة لسياستها الخاصة بالطاقة وخاصة تلك المتعلقة باعتمادها على البترول المستورد من منطقة الشرق الأوسط، الحد الذي من خلاله أدلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن بالتصريح المشهور : «أميركا أصبحت مدمنة على النفط وهذا شيء غير جيد». وبعد الطفرة النفطية الهائلة في أسعار النفط في العشرية الأولى من القرن الحالي نتيجة النمو الاقتصادي العالمي المطرد بقيادة الصين، اتخذت الحكومية الأميركية في عام 2005، القرار بالسماح باستخراج النفط الصخري بتكنولوجيا التكسير الهيدروليكي لتوفير الكميات المطلوبة من النفط، وفي نفس الوقت لتقليل اعتمادها على النفط الأجنبي المستورد وتحقيق الاكتفاء الذاتي عام 2025، وكذلك لكبح جماح التصاعد المطرد في أسعار النفط، خاصة أن كثيراً من الخبراء أعلنوا أن الاقتصاد الأميركي لن يتحمل أسعاراً تصل إلى 200 دولار للبرميل. وقد أعلن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما خلال حملته الانتخابية عام 2008 الحرب على الاعتماد الكلي على النفط، وبخاصة في مجال تشغيل السيارات، وقال في تصريح بهذا الشأن: «يجب علينا التخلص من ارتباطنا القاتل بمخلفات القرن التاسع عشر المكلفة التي ندفع مقابلها للموردين أموالاً ضخمة، على الرغم من أن العديد منهم لا يكن لنا إلا العداء السافر».