الطاقة الشمسية تضيء مستقبل غزة

بدأت الأزمة في يونيو عام 2006 عندما أغارت طائرات حربية إسرائيلية على محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة وأصابتها بأضرار بالغة في محولاتها، ومنذ ذلك الوقت يعاني قطاع غزة من أزمة نقص حادة في التيار الكهربائي، فبحسب بيان صادر عن شركة توزيع كهرباء غزة بتاريخ 7/1/2017، فإن تمنع المولد الثاني في محطة التوليد رفع نسبة العجز في إنتاج الطاقة، ووصل إلى 438 ميغاوات، أي ما نسبته (73%)، وأن ما يتوفر فقط من جميع المصادر 147 ميغاوات، أي (27%) من حاجة القطاع والبالغة 550 ميغاوات، يذكر أن قطاع غزة يتغذى على ثلاثة مصادر أساسية في الكهرباء، هي: المصدر الإسرائيلي، من خلال عشرة خطوط تمتد من فوق السياج الفاصل باتجاه الأراضي المحتلة، والمصدر المصري، من خلال خطين، بالإضافة إلى محطة التوليد في القطاع التي تُنتج ما يُقارب من 60 ميغاوات في حال تم تزويدها بـ(400) ألف لتر من الوقود، وبقيت المولدات الكهربائية لفترة طويلة البديل الوحيد المتاح لسكان قطاع غزة عن الانقطاع اليومي في التيار الكهربائي الذي يمكن أن يدوم أكثر من 16 ساعة في اليوم، غير أن هذه المولدات سجلت عشرات الحوادث في القطاع وقع على أثرها أعداد من الضحايا، إلى جانب صعوبة استمرار الاعتماد عليها في ظل نقص كميات الوقود التي يعانيها القطاع.

وفي الأثناء، تنقل دراسة للبنك الدولي عن الشركات الخاصة في قطاع غزة أن نقص الكهرباء يعد من العقبات الرئيسة أمام الاستثمار والنمو، حيث يصل معدل البطالة في القطاع إلى 43%، وهو الأعلى في العالم؛ مما تسبب في انحدار معدلات الفقر، والفقر المدقع، لتتجاوز 65%؛ أما أعداد الأشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من الأونروا والمؤسسات الإغاثية الدولية؛ فوصل إلى أكثر من مليون شخص بنسبة تصل إلى 60% من سكان قطاع غزة، وتجاوزت نسبة اختفاء الأمن الغذائي 72% لدي الأسر في قطاع غزة.

فضلًا عن ذلك فإن قطاع غزة يواجه أزمةً في تشغيل محطات معالجة مياه الصرف الصحي نتيجة استمرار أزمة الكهرباء؛ مما يضطر بلديات القطاع لضخ هذه المياه في البحر، وهو ما سبب تلوثًا للبيئة البحرية، انتقل تأثيره إلى الثروة السمكية وآبار المياه الجوفية، حيث أظهرت إحصائية حديثة صادرة عن سلطة جودة البيئة الفلسطينية أن نسبة تلوث شاطئ القطاع قد وصلت إلى حوالي 73% من طول الشاطئ، وكانت نسبة التلوث في شاطئ محافظة غزة هي الأعلى والتي بلغت 90%، ويستقبل بحر القطاع نحو 35 مليون متر مكعب من المياه العادمة غير المعالجة أو المعالجة جزئيًا سنويًا، إضافة إلى تسرب 12 مليون متر مكعب من تلك المياه للخزان الجوفي، وفق الإحصاءات، ويرجع ضخ تلك الكميات إلى انقطاع التيار الكهربائي فترات طويلة خلال اليوم، وصعوبة تشغيل محطات المعالجة على مولدات بديلة طوال فترة الانقطاع.

كما تزداد معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة جراء تفاقم أزمة الطاقة، خصوصًا في ظل الحصار الإسرائيلي المطبق الذي يمنع إدخال المعدات والأجهزة اللازمة لمعالجة مياه الصرف الصحي، الأمر الذي أدى إلى تلوث المياه الجوفية بصورة لم يسبق لها مثيل، إضافة إلى استنزاف المخزون ذاته من قبل الاحتلال قبل انسحابه من القطاع.

وصرحت مصلحة مياه بلديات الساحل بغزة أن 97% من مصادر المياه الجوفية في القطاع ملوثة بنسب من النترات والكلوريد بأعلى من معدلات منظمة الصحة العالمية، الأمر الذي يشكل مخاطر على السكان والبيئة، حيث تبين أن معدل الكلوريد يصل في بعض الآبار الجوفية القريبة من الساحل إلى 1500 ملجم في اللتر، في حين يجب ألا يتجاوز 250 ملجم في اللتر، أما معدل النترات فيزيد خمسة أضعاف على المعايير الدولية.

إن مياه الخزان الجوفي – المصدر الوحيد للمياه بغزة – مهددة لأن تصبح غير صالحة للاستخدام بشكل كلي، وهو ما دفع المصلحة للاتجاه لتحلية مياه البحر كمصدر بديل، ولكن سيكون من الصعب جدًا أن ترى جميع مشروعات تحلية مياه البحر الجارية بالقطاع النور في ظل الأوضاع السياسية الراهنة وانقطاع التيار الكهربائي فترات طويلة.

لم تعد معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة تقتصر على الظروف الاقتصادية والإنسانية القاسية، بل إن كارثة بيئية خطيرة أصبحت تهدد حيواتهم حيث يعاني قطاع غزة نتيجة لهذا التلوث من تفشي أمراض خطيرة، وزيادات في عدد مرضى الفشل الكلوي الناتجة عن تلوث المياه خاصة في ظل ظروف الحصار الحالي، ويواصل سكان غزة شراء المياه من القطاع الخاص، لكن الكثير من المنازل الفقيرة غير قادرة على تحمل نفقة مواصلة شراء هذه المياه حيث يملك 10% فقط من سكان غزة إمكانية الوصول إلى مياه آمنة.

ووصفت صحيفة جيروساليم بوست الإسرائيلية أزمة معالجة مياه الصرف الصحي بغزة بأنها قنبلة موقوتة قد تنفجر على شكل مجموعة من الأمراض بالمنطقة، إذا لم يتم إنهاء المشكلة عبر زيادة حجم الكهرباء الموردة إلى قطاع غزة لتمكين محطة معاجلة المياه العادمة من العمل على مدار الساعة.

الطاقة الشمسية في غزة

لحسن الحظ فإن غزة من أغنى بلدان العالم بالطاقة الشمسية، فالقطاع يقع ضمن دول ما يعرف بالحزام الشمسي (المنطقة المحصورة بين خطي عرض 40 درجة شمالًا و40 درجة جنوبًا)؛ مما جعله يتمتع بما يزيد عن 320 يوم مشمس في السنة بمتوسط 8 ساعات سطوع يومي، تزداد صيفًا وتقل شتاءً، الأمر الذي مكّنها لتكون من أفضل المناطق لاستغلال الطاقة الشمسية، وإمكانية الاستثمار بها؛ مما يجعلها حلًا بديلًا وجذابًا للطاقة، فقد لاقت الطاقة الشمسية  اهتمامًا متميزًا من قبل المختصين والمسؤولين في غزة  للاعتماد عليها كمصدر بديل لمصادر الطاقة التقليدية، واستخدام الطاقة الشمسية ليس جديدا على غزة فاستخدام سخانات المياه الشمسية أمر شائع جدًا فيها، فمعظم السكان يثبتون ألواحًا زجاجية تحتوي على خلايا فوق أسطح منازلهم لتسخين المياه.

ودفع انقطاع التيار الكهربائي عن قطاع غزة لأكثر من 80 ساعة أسبوعيًا بمؤسسات هامة، مثل مستشفى النصر ومستشفى الشفاء إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء لاستخدامها في تشغيل وحدات أساسية، حيث تعتبر هذه الألواح مصدرًا يعتمد عليه لتوفير الطاقة لغرف الطوارئ ووحدات العناية المركزة وغرف العمليات على مدار 24 ساعة يوميًا.

وأكد د. نبيل البرقوني مدير مستشفى النصر للأطفال أنهم مضطرون لاستخدام الألواح الشمسية للحفاظ على حياة الأطفال، حيث إن انقطاع التيار الكهربائي لعدة دقائق قد يتسبب بمضاعفات خطيرة للأطفال أو حتى يهدد حياتهم، ويشير البرقوني إلى أن الألواح الشمسية توفر حاليٍا للمستشفى تيارٍا كهربائيٍا متواصلًا، وهو ما يمكنهم من التغلب على انقطاع التيار دون الحاجة إلى وقود ومولدات كهربائية.

ومنذ أن تم تركيب الألواح الشمسية في مستشفى الشفاء في خريف عام 2014 بمساعدة يابانية، لم يعد هناك انقطاع للتيار الكهربائي في وحدة العناية المركزة أبدًا، والتي تضم 14 سريرًاً مرتبطة بشاشات وأجهزة تهوية ومعدات مختبر، وفي هذا الصدد يقول مدير مستشفى الشفاء د. مدحت عباس: لقد حمينا المرضى من مشاكل الكهرباء التي تحدث في بقية المستشفى بسبب نقص الوقود والاعتماد على مولدات الكهرباء التي تستهلك وقودا تصل كلفته إلى عشرة آلاف دولار يوميًا.

كما تعددت المشاريع الخاصة بتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في غزة: ابتداءً من مشروع إنارة وادي غزة بالطاقة الشمسية بقدرة 6 كيلو وات، ثم تلاحقت المشاريع تباعًا، وصولًا إلى مشروع حضانة مستشفى النصر للأطفال بالطاقة الشمسية بقدرة 20 كيلو وات، ومشروع وحدة العناية المركزية بمستشفى الشفاء بقدرة 4 كيلو وات، ومشروع إنارة مدرسة إحسان الأغا بمدينة خان يونس بقدرة 20 كيلو وات، أي أن التمكن التشغيلية لجميع هذه المشاريع تصل لـ 50 كيلو وات، وبتكلفة مالية إجمالية تقدّر بـ290 ألف دولار أمريكي. كما أن هناك ثمانية مشاريع أخرى مازالت في مرحلة التنفيذ تساهم فيها سلطة الطاقة بالإشراف الفني، سبعة من هذه المشاريع لتغطية احتياجات 4 مدارس وعيادتين وبئر مياه بالطاقة الشمسية، بالإضافة إلى مشروع بقدرة تشغيلية 30 كيلو وات شمسي لتغطية احتياجات قسم الولادة في مستشفى الشفاء بغزة.

وتعتمد فكرة الخلايا الشمسية على تركيب ألواح زجاجية فوق أسطح المنازل، لتتولى تغذيتها بالتيار الكهربائي عن طريق بطاريات شحن يعاد شحنها من الخلايا الشمسية، وتعمل على تحويل أشعة الشمس إلى إلكترونات كهربائية، يتم نقلها بواسطة أسلاك لبطاريات شحن تقوم بحفظ الطاقة الكهربائية الناتجة عن الشمس، وبعد ذلك يتم نقل الطاقة المخزنة في البطاريات إلى المحولات الكهربائية، التي توزع التيار الكهربائي على المنزل أثناء ساعات انقطاع التيار الكهربائي، كما أن تغطية احتياج منزل متوسط الاستهلاك في غزة يحتاج نظاماً قدرته تتراوح بين 2 -3 كيلو وات لإنتاج قدرة كهربائية تتراوح بين 7 -10 كيلوواط ساعة، أي تغطية استهلاك احتياجات المنزل كاملة بما فيها الأجهزة الكهربائية (عدا تلك المرتبطة بأنظمة التسخين، كالسخان الكهربائي والمكواة والمدفأة).

إن تطبيق هذا النظام يتيح للمواطن استرداد مبلغ تركيب الخلايا الشمسية في مدة تقل عن خمس سنوات وفقاً لنوعية النظام وقدرته الإنتاجية من الطاقة ومدة استمراره، إذًا فإن مشاريع الاستفادة من الطاقة الشمسية ستساعد المواطن على تقليص قيمة فاتورته الشهرية حيث يقوم بتخزين الطاقة واستخدام حاجته منها، وما يفيض يعمل على ضخه على الشبكة المفتوحة ليتم احتسابها من فاتورته الأساسية بالسالب، حيث يمكن أن تصل بعض فواتير الاستهلاك إلى الصفر؛ مما يقلل من تكاليفها على المدى البعيد لصالح تحقيق عوائد إيجابية للمشاريع التي تعتمد عليها، كما يُقلل من حاجة السكان في القطاع للكهرباء المنتجة من محطة التوليد والمستوردة من الخارج، بالإضافة إلى أن هذا الإجراء من المحتمل أن يُوفر قرابة 50% من الطاقة التي يحتاجها القطاع.

في المقابل فإن حجم إنفاق المواطن الغزي على بدائل الطاقة الكهربائية يتزايد بشكل مطرد في ظل استمرار أزمة الكهرباء، حيث بلغ إجمالي نفقات المواطنين على الطاقة البديلة عن الكهرباء منذ عام 2006-2016، مليار دولار ونصف، نذكر أن إحدى العمارات السكنية في غزة دفعت ثمن سولار لتوليد الكهرباء خلال سنوات الأزمة ما يزيد عن ربع مليون دولار، كما أنفق برج سكني خلال عام 2016 المنصرم 29 ألف دولار لنفس السبب، وهذا يعتبر استنزافًا خطيرًا لدخل المواطنين.

إن المبالغ الطائلة التي دُفعت في حلول مؤقتة، محدودة الأثر، كان يمكن استثمارها للوصول إلى حلول جذرية، حيث عانى المواطنون في قطاع غزة من أزمة انقطاع التيار الكهربائي وتحملوا نفقات إضافية باهظة الثمن لتعويض نقص وصل الكهرباء، علماً بأن فاتورة الكهرباء عبر تلك السنوات لم تنخفض، بالرغم من تقليص ساعات وصلها لمنازلهم.

إن المبلغ الذي صُرف على الطاقة البديلة بإمكانه أن يكفي لإنشاء أكثر من 6 محطات توليد طاقة شمسية تنتج  ما يزيد عن 1000 ميجا وات، لأن كل ميغا وات طاقة شمسية تُكلف نحو مليون ومائتي ألف دولار، هذا المبلغ الكبير الذي دُفع على الطاقة البديلة المستهلكة، لو تم استثماره منذ بداية الأزمة بإنشاء طاقة شمسية، لكان لقطاع غزة اكتفاء ذاتي للكهرباء على الأمد البعيد، وتمت معالجة أزمة الكهرباء التي لازال يعاني منها أهالي قطاع غزة منذ أكثر من 10 سنوات.