كان دائما الازدهار المتحقق في حفريات الغاز الصخري على مدى العقد الماضي في الولايات المتحدة الأميركية سببا رئيسيا في تحولها من مستورد إلى مُصدر للطاقة، وأحرز للبلاد قفزة عملاقة نحو هدف استقلال الطاقة الذي أعلنه جملة من الرؤساء خلال الخمسين عاما الماضية.
بينما انتقلت الاضطرابات التي يشهدها قطاع الطاقة من الصعيد المحلي إلى الصعيد العالمي. وتنهال كميات الغاز الطبيعي المسال المنتجة في تكساس ولويزيانا على الأسواق العالمية بغزارة، الأمر الذي يؤدي إلى وفرة موسعة في الإنتاج وانخفاض أسعار الطاقة عالميا؛ وكان من المفترض للولايات المتحدة أن تكون أكبر دولة مصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم، وليست مجرد دولة مصدرة من الطراز العالمي. بيد أن حمى الحفر في حقول الغاز الصخري في كافة أرجاء البلاد قد غيرت من هذا المفهوم على مدى العقد الماضي، ما أسفر عن وفرة في الإنتاج أكبر بكثير من مستويات الاستهلاك المحلية. والشركات التي أنفقت بلايين الدولارات لإنشاء منصات الاستيراد وجدت نفسها في مواجهة المرافق التي لا جدوى منها حتى أنفقت المليارات الأخرى لإعادة تحويل تلك المرافق لخدمة أغراض التصدير.
ومن ثم أعادة تشكيل أسواق الغاز الطبيعي العالمية لعقود مقبلة. ويتوقع خبراء الطاقة أن التحول الأميركي سوف يقلل من الهيمنة الروسية على أسواق الطاقة الأوروبية، ويساعد في تنقية الهواء في المدن الصينية والهندية من خلال استبدال الغاز الطبيعي بحرق الفحم النظيف وتوفير الوقود الأقل تكلفة والأكثر صداقة للبيئة في القرى الأفريقية النائية.
ومن الصعب في الوقت الراهن التنبؤ بالأبعاد الكاملة للموجة الجديدة عبر السنوات الأربع أو الخمس المقبلة، بما في ذلك تأثيرها على البيئة وعلى التغيرات المناخية، ويرجع ذلك جزئيا إلى اعتمادها على السياسات المتبناة حكوميا لدى الكثير من الدول. ولكن مع ظهور مرافق التصدير الأميركية الحديثة التي تبلغ قيمتها بلايين الدولارات، فإن هناك القليل من الشكوك بشأن تأثير المزيد من الغاز الطبيعي، باعتباره أنظف أنواع الوقود الأحفوري الموجودة، واعتماده كمصدر الطاقة الرئيسي لدى البلدان القوية والفقيرة على حد سواء.
يشير الخبراء إلى المكسيك باعتبارها مثالا على الوسيلة التي يمكن التعبير من خلالها عن الغاز الطبيعي التحويلي في غضون بضع سنوات فقط. فمع تسارع ازدهار الطفرة الصخرية الأميركية، وإنتاج المزيد من الغاز بأكثر من مستويات الاستهلاك لدى جارتها الشمالية، قررت المكسيك استيراد أكبر كمية ممكنة من الغاز الطبيعي الرخيص. ولقد استبدلت المكسيك الفحم الحجري المحترق والمنتجات النفطية سيئة الجودة، وأصبح الآن أكثر من ربع إنتاج البلاد من الكهرباء مدعوما بالغاز الطبيعي الأميركي.
ومن المقرر استكمال إنشاء أربعة خطوط جديدة للأنابيب عبر الحدود الأميركية المكسيكية خلال العامين المقبلين، وهناك الكثير من تلك المشاريع العابرة للحدود قيد الدراسة والتخطيط. ولقد حسّنت واردات الغاز الطبيعي من نوعية الهواء، وساعدت المكسيك على تحقيق أهدافها بتخفيض انبعاثات الكربون لديها امتثالا لشروط اتفاق باريس المناخي، وتحرير رؤوس الأموال بُغية استثمارها في المزيد من مشاريع استكشاف وإنتاج النفط، المنتج الأكثر قيمة في أسواق الطاقة العالمية.
ولقد تم بالفعل بناء نحو 60 في المائة من قدرات تصدير الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، والتي بدأت في جهود تصدير الإمدادات الهائلة من الغاز في العام الماضي فقط، مما منح واشنطن أداة جديدة ضمن أدواتها الخاصة بالسياسة الخارجية، ورفع البلاد إلى مصاف الطبقة العليا من المصدرين الدوليين، والتي تتضمن قطر، وأستراليا، وروسيا.