مصر وحقبة الغاز الطبيعى

بقلم:إكرام لمعي

مرت مصر فى المائة عام الأخيرة بعدة حقب تاريخية شكلت سياستها واقتصادها وكان لقراراتها التأثير المباشر على شعبها. كانت الحقبة الأولى بعد الاستقلال من المحتل الاستعمارى وكان الاتجاه فى ذلك الوقت هو نحو الليبرالية السياسية والتى تتكون من ديمقراطية دستورية مشابهة إلى حد كبير لليبرالية الأوروبية وقد سميت هذه الحقبة افتتان العبد المتحرر حديثا بسياسات وتوجهات سيده القديم. فى ذلك الحين كانت الثقافة والأفلام والصحف والأدبيات كلها تصب وتنَظر فى اتجاه الديمقراطية والرأسمالية وكان الشعب يؤيد هذا التوجه بقوة وكانت نجوم هذه الحقبة الوفد وسعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد…إلخ إلا أن صعود الثورات العسكرية فى نهاية هذه الحقبة بداية من الخمسينيات من القرن الماضى والتى صعد فيها نجم الدول العربية القومية الشعبوية بشعاراتها القوية اليسارية والثورية وظهر تعبير القومية العربية، وصاحب هذه الحقبة تأميم قناة السويس والمغامرات العسكرية فى اليمن والجزائر وإفريقيا.. إلخ. وهكذا كان التيار الوطنى القومى كاسحا وصار المثقفون يعلنون بوضوح التزامهم بقضايا أمتهم وأصبح الجيش والشعب والدولة والحكومة يدا واحدة وتوجها واحدا وكل من يعارض هذا التوجه مصيره السجون والاعتقالات والموت.. إلخ. وانتهت هذه الحقبة بحرب سنة 1967 حيث انهزمت الدولة القومية وتراجع ارتباط الشعوب بحكامهم وحكوماتهم وبموت عبدالناصر انتهت هذه الحقبة وجاء السادات وتبنى الرأسمالية الليبرالية فى الاقتصاد الرأسمالى العولمى المتوحش والمنفلت من الالتزامات الاجتماعية هنا صار المثقفون العرب مصدر إزعاج للدول خاصة بعد الاتجاه لعقد اتفاقات مع إسرائيل عقب حرب 1973 وهكذا تحكمت الأقلية الغنية والرأسمالية الفاسدة فى الشعوب وأصبح الارتباط النفعى بالخارج على حساب الاستقلال الوطنى القومى. فى تلك الفترة أطلق العنان للإخوان المسلمين أن يكونوا أعضاء فى مجلس الشعب خاصة بعد عودة المغتربين فى بلدان النفط، وازدادت الفتنة الطائفية عمقا فى جدار الدولة المصرية القومية وكانت الاحتجاجات مسموحا بها مهما كان صوتها عاليا طالما لا تؤدى إلى تغيير حقيقى على الأرض. وجاء الربيع العربى بانتصاراته وهزائمه لندخل فى حقبة رابعة بالغة التعقيد حيث كانت فترة غامضة تدخلت فيها الولايات المتحدة لتقسيم البلدان العربية وتمويل الجماعات الإرهابية بهدف إبقائها فى بلدانها الأصلية وعدم إزعاج أوروبا وانهارت العراق وسوريا واليمن وليبيا وأنقذت تونس ومصر، فى هذه الحقبة توالت المفاجآت حيث تدخلت روسيا فى الشرق الأوسط بطريقة غير مسبوقة تذكرنا بحقبة الستينيات التى كانت دول الشرق الأوسط فيها تعتمد عليها فى مواجهة إسرائيل لكن فى النهاية خذلت روسيا حلفاءها العرب.

Print Friendly, PDF & Email