جتمع صانعو السيارات الألمان وكبار المسؤولين في الحكومة أمس، لمناقشة مصير السيارات العاملة بالديزل التي تمر بأزمة وجودية في قطاع فقد مصداقيته إثر فضائح تلاعب بالانبعاثات الملوثة.
وبحسب “الفرنسية”، فإن الهدف المعلن عنه لهذا الاجتماع هو تقديم حلول ملموسة بغية التخفيض من مستويات الغازات الملوثة وتفادي الحظر المحدق بهذا النوع من المركبات في بعض المدن الكبيرة.
فهذه الفرضية سيكون لها – إن تحققت – وقع الكارثة على أصحاب هذا النوع من السيارات المقدر عددهم بنحو 15 مليونا في ألمانيا وعلى صانعي هذه المركبات أيضا. فأسطول المركبات في البلاد مؤلف في ثلثه من سيارات عاملة بالديزل.
وقال وزير النقل ألكسندر دوبرينت العضو في حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا المتحالف مع الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة ميركل “إن قطاع صناعة السيارات في وضع سيئ حقا وبات يتوجب عليه استعادة الثقة”.
وأكد خلال مقابلة الاثنين الماضي، على التلفزيون العام “إيه آر دي” أن لا مجال للمجاملة، في إشارة إلى الانتقادات التي ما تنفك تتعرض لها السلطات على تساهلها مع هذا القطاع.
وشارك في هذا “المنتدى الوطني” الذي عقد برعاية الحكومة بعد سنتين على انكشاف فضيحة الديزل في “فولكسفاجن” كل صانعي السيارات الألمان، من قبيل “أودي” و”بورشه” و”دايملر” (“مرسيدس-بنز”) و”أوبل”، فضلا عن الأمريكي “فورد”.
وكانت المجموعة الأولى عالميا في صناعة السيارات قد أقرت بأنها زودت 11 مليون مركبة عاملة بالديزل ببرمجية تطلق آلية داخلية للحد من الغازات الملوثة خلال الاختبارات التي تخضع لها السيارات.
وتوسع نطاق هذه الشبهات التي باتت تحوم حول القطاع برمته، حيث فتحت عدة تحقيقات قضائية.
وازدادت الأمور سوءا عند الكشف عن تكتل احتكاري مشبوه بين صانعي السيارات الألمان الذين اتفقوا على أسس عملية التلاعب هذه بالانبعاثات الملوثة، بحسب “در شبيجل”.
ويجدر بالحكومة الألمانية أن تتعامل بصرامة مع صانعي السيارات، لكن ينبغي لها أيضا أن تدعم قطاعا يوفر لها نحو خمس صادراتها و800 ألف فرصة عمل.
وقال أولريك ديمر الناطق باسم المستشارة الألمانية “لا بد من أن تكون الانتقادات في محلها، لكن علينا ألا ننسى أنه قطاع يكتسي أهمية استراتيجية في ألمانيا”.
وخلال السنوات الأخيرة، استثمرت المجموعات الألمانية مبالغ طائلة في محركات الديزل إذ إنها تصدر كمية أقل من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بتلك العاملة بالبنزين، ولهذا السبب بالتحديد دعت أنجيلا ميركل إلى عدم “شيطنة الديزل” بمعنى اعتباره سبباً لكل الشرور.
غير أن هذه التقنية تصدر مزيدا من أكسيد النيتروجين، ما يتسبب في تشكل الضباب الدخاني في المدن الذي يؤدي إلى أمراض تنفسية وقلبية.
ومع اقتراب الانتخابات التشريعية المقررة في 24 أيلول (سبتمبر) المقبل، باتت هذه المسألة موضوع تجاذب بين الاشتراكيين الديمقراطيين والمحافظين.
واعتبر مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتز غياب المستشارة الألمانية التي هي حاليا في إجازة، عن اجتماع أمس، “غير مقبول”.
غير أن شتيفان بارتسل المختص في قطاع السيارات ومدير مركز “سنتر أوف أوتوموتيف ماناجمنت” أكد أن مسؤولية هذه الأزمة تقع على عاتق الأطراف كلها.
ولا شك في أن الصناع أوقعوا أنفسهم في مأزق من خلال التلاعب بالانبعاثات لكن هذا الغش حصل “بموافقة صامتة من الهيئات السياسية” بكل أطيافها. لذا لا بد من “إعادة تحديد” العلاقات بالكامل بين قطاع السيارات والسلطات العامة.
وأكد شتيفان فايل رئيس حكومة ساكسونيا السفلى المساهم في “فولكسفاجن” أنه ينبغي تفادي التوصل إلى حظر الديزل في المدن الكبرى، أقله على المدى المتوسط.
وقال في تصريحات أمس، لصحيفة “بيلد”، “إننا بحاجة إلى مفهوم شامل لنوعية هواء أفضل وسيارات نظيفة مصنوعة في ألمانيا”.
ويعول الصناع الألمان على محركات الديزل الحديثة “الخالية من التلوث” لاحترام التشريعات الأوروبية الخاصة بتخفيض الانبعاثات.
وهم أدخلوا تحديثات على نماذجهم وخفضوا الأسعار، غير أن باربرا هندريكس وزيرة البيئة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي التي شاركت في رئاسة هذه القمة أكدت أن كل هذه التدابير ليست بالكافية.
وقد أظهرت دراسة لمنظمة “جرينبيس” أن 57 في المائة، من الألمان يؤيدون فكرة حظر هذه السيارات في المدن الأكثر تلوثا، غير أن المركبات العاملة بالديزل تلقى رواجا كبيرا في البلد حيث بلغت مبيعاتها في تموز (يوليو) المنصرم 45 في المائة من إجمالي المبيعات الجديدة.
وطوق نشطاء في المنظمة مبنى وزارة النقل صباح أمس، مع بدء وصول المشاركين في القمة، مرحبين بهم على طريقتهم.
وبحسب “الألمانية”، فقد أعلن اتحاد صناعة السيارات الألماني أنه من المقرر تزويد أكثر من خمسة ملايين سيارة ديزل في ألمانيا ببرامج جديدة لتقليل العوادم المنبعثة من تلك السيارات.
وذكر الاتحاد أن من بين هذه السيارات 2.5 مليون سيارة تابعة لشركة “فولكسفاجن” تم إلزام الشركة من قبل بتحديث برامج اختبارات العوادم، موضحا أن هذا أحد نتائج قمة الديزل أمس في برلين.
وبحسب البيانات، سيشمل التحديث سيارات الديزل المصنف معايير انبعاثاتها بـ “يورو5″ و”يورو6” جزئيا.
وذكر الاتحاد أن الهدف هو خفض متوسط انبعاثات أكاسيد النيتروجين من السيارات التي سيجرى تحديث برامجها من 25 إلى 30 في المائة، حيث أظهرت الدراسات أنه يمكن خفض التلوث الناجم عن تلك السيارات بنفس القدر الذي كانت سينخفض معه حال تم حظر سيرها في الشوارع.
وعرضت شركات “بي إم دابليو” و”دايملر” و”أوبل” و”فولكسفاجن” إجراء هذا التحديث لسيارات الديزل، ولن يتحمل مُلاك هذه السيارات أي تكاليف مادية، ولن يكون لها أي تأثير في كفاءة المحرك أو استهلاك السيارة أو عمرها الافتراضي، بحسب بيانات الاتحاد.
تجدر الإشارة إلى أن فضيحة تورط شركات صناعة السيارات الألمانية في التلاعب في نتائج اختبارات عوادم السيارات صارت قضية انتخابية، ما أجبر الحكومة الألمانية على دعوة رؤساء شركات صناعة السيارات إلى قمة طارئة أمس، بهدف استعادة الثقة في صناعة السيارات الألمانية قبل الانتخابات العامة المقررة الشهر المقبل.
وضمت القمة مسؤولين حكوميين ونقابيين ورؤساء شركات السيارات لبحث مستقبل السيارات التي تعمل بمحركات الديزل “سولار” في أعقاب فضيحة استخدام برامج كمبيوتر معقدة لتقليل كميات العوادم المنبعثة من محركات الديزل أثناء الاختبارات مقارنة بالكميات الحقيقية المنبعثة أثناء السير في ظروف التشغيل العادية، إلى جانب فضيحة تشكيل شركات السيارات الألمانية تكتلا سريا منذ التسعينيات.
كما يأتي اجتماع برلين في الوقت الذي تواجه فيه حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هجوما بسبب احتفاظها بعلاقة وثيقة للغاية مع شركات صناعة السيارات الكبرى وبسبب طريقة تعاملها مع أزمة التلاعب في نتائج اختبارات العوادم.
وكانت الفضيحة قد تفجرت عندما اعترفت مجموعة “فولكسفاجن”، أكبر منتج سيارات في العالم، في أيلول (سبتمبر) 2015 باستخدام برنامج كمبيوتر معقد للتلاعب في نتائج اختبارات العوادم في نجو 11 مليون سيارة تعمل بمحركات الديزل في مختلف أنحاء العالم.
وأعلنت شركة بي إم دبليو الألمانية للسيارات، أمس، اعتزامها تحديث تجهيزات 225 ألف سيارة ديزل بدون مقابل، وذلك من أجل تخلص أفضل من عوادم هذه السيارات التي تعمل وفقا لمعايير الانبعاثات الأوروبية يورو5.
وبحسب “الألمانية” فإن إعلان الشركة جاء في أعقاب اجتماع “قمة الديزل”.
وتعتزم “بي إم دبليو” صرف مكافآت شراء للعملاء من أصحاب سيارات الديزل التي تعمل وفقا لمعايير الانبعاثات يورو4 أو الأقدم منها، لتحفيز هؤلاء العملاء على التخلي عن هذه السيارات و شراء سيارات أحدث.
وفي إطار هذا البرنامج، ستقدم “بي إم دبليو” لهؤلاء العملاء، خصما يصل إلى 2000 يورو، في حال تقدموا في الفترة المقبلة، حتى نهاية العام، لتبديل سياراتهم القديمة والحصول على سيارات ديزل تعمل وفقا لمعايير يورو6 أو سيارة كهربائية “بي إم دبليو” أو “ميني”.
من جانبه، طالب هارالد كروجر بالعودة إلى نقاش موضوعي حول الديزل، مشيرا إلى أن موضوع مكافحة التغير المناخي يعد من بين إجراءات حماية البيئة.
وأضاف أن “السيارة الديزل الحديثة تصدر انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون أقل من السيارة التي تعمل بالبنزين، كما أنها في مثل جودة هذه السيارات أو أفضل منها فيما يتعلق بانبعاثات الجسيمات الصغيرة والهيدروكربونات وأول أكسيد الكربون”.
ونفى كروجر بقوة الشبهات التي أثيرت حول تلاعب “بي إم دبليو” في انبعاثات سيارات الديزل. وقال “إن تقنية “بي إم دبليو” تختلف بصورة ملحوظة عن شركات أخرى في السوق، وشدد على أن تحقيقات السلطات على المستويين المحلي والدولي أكدت أنه لم يتم التلاعب في قيم عوادم سيارات مجموعة “بي إم دبليو”.
الرئيسية تكنولوجيا