بقلم:أسامة سرايا
بثبات، هذه المرة، تنتقل مصر، بكل مكوناتها الاقتصادية والسياسية، إلى أقوى عنصر فى العصر الجديد بأكمله، وأستطيع أن أسميه عصر الغاز، ليس باعتبارها منتجا كبيرا فقط ولكن باعتبارها من أكثر الدول المؤهلة فى المنطقة لموقعها الجغرافى وتوسطها بين معظم الأسواق، وقدرتها على بناء البنية الأساسية. فلديها مصانع تسييل الغاز بـ (دمياط وأدكو)، وشبكة لنقل هذا الغاز، وكانت تحمله إلى آسيا ومنها إلى أوروبا، ثم وقعت تحت سطوة الإرهابيين فى سيناء، وتخصصوا فى تدميرها بذريعة أنها تنقل الغاز إلى إسرائيل!. وكانوا لا يضربون إسرائيل بل يرفعون الشعارات الكاذبة والأوهام الخادعة عن قضية فلسطين، فى وقت يضرون فيه باقتصاد الشعب المصرى، ولا تزال أهدافهم هى إخراج مصر من سوق الغاز، والقطريون هم أبرز المنافسين فى هذا المجال. واسمحوا لى بأن أسمى الأشياء بأسمائها، فنحن فى حالة حرب غير مشروعة، حتى يعرف الشارع المصرى من يعمل لمصلحته، ومن يحاربه بالشعارات والأوهام والأكاذيب والافتراء!
إن معركة الغاز أهم من معركة تأميم قناة السويس، فالقناة فى الأرض المصرية، وقد تضيع سنوات ثم تعود، ولكن حقبة الغاز قد لا تتجاوز فى عمر الزمان عقدا أو عقدين، ثم ينتقل الاقتصاد العالمى إلى طاقة أخرى، بأسعار أقل تجعل تأثير الغاز بلا فاعلية فى مستقبل الطاقة. ونحن نرى المتغيرات السريعة فى تكنولوجيا الطاقة، وخلال سنوات قليلة سنجد تحولات كبرى، قد تكون فى الطاقة الشمسية أو الرياح أو المياه، وهى أرخص وأفضل. ولكن فى السنوات العشر القادمة سيسود فيها الغاز، ومن دخل هذا العصر كسب الرهان، ومن تخلف ضاع.
ونحيى الدولة المصرية، وهى تدخل العصر الجديد وقد وقفت لكل من حاول إخراجها من هذه السوق الحيوية للأجيال الحالية والقادمة، فقد كان مخططا من الأعداء أو الأشرار المجرمين الذين لا يملكون ذرة من الكرامة، أو تحدى المنافسة بروح وثابة، أن يخرجوا مصر من تلك السوق، وذلك المستقبل الواعد لأبنائها الأكثر من مائة مليون من البشر، والذين عاشوا سنوات طويلة بعد سقوط عرش القطن، ودخول عصر البوليستر ومشتقات أخرى، على المياه والأرز، لكى يوفروا الحياة لأبنائهم، وانتشروا فى ربوع المنطقة العربية يعملون لدى، وعند أصحاب النفط، طاقة العصر، مما أفرغ مدارسهم ومستشفياتهم ومعاهدهم العلمية، وجعل أبناءهم البارعين يهربون من مصر إلى الأسواق العربية الأكثر ثراء. وبالرغم من إسهامات أبنائنا من المدرسين والأطباء والمهندسين والعمال فى بناء الاقتصاديات العربية فى عصر البترول، فقد وجدناهم يواجهون الإقلال من شأنهم، أما مستشفياتنا وجامعاتنا ومدارسنا، فواجهت النقص الحاد فى الموارد البشرية المبدعة والمجتهدة، وقد هاجرت وراء الدخل الأفضل فى الأسواق النفطية، ومع ذلك وصفوهم بأنهم دون المستوى، وذلك لأن الموارد النفطية الضخمة لديهم وصلت إلى حد استيراد واستقدام الأوروبيين والأمريكيين! وفى هذا العصر الصعب، لم أستطع، وأنا المحب لوطنى وجنسيتي، أن أقف أمام أبناء أو أصدقاء، كانوا يبحثون عن جنسيات أوروبية وأمريكية، لأنهم وجدوا بعض الأسواق الخليجية تعامل الأجنبي والأوروبي معاملة مختلفة عن معاملة المصري فى عصر النفط، حتى قبل ظهور عصر الغاز فى قطر وغيرها.
وعندما لاحت إمكانية دخول الاقتصاد المصري عصر الغاز كانت القوة المتربصة هى القوى الإقليمية، وليس القوى الخارجية الاستعمارية، فرصدوا الملايين والمليارات فى حرب إعلامية لإشاعة الفوضى والاضطرابات، وضربوا فى الشمال الإفريقي، بدأوا بتونس، ثم ليبيا، وكانوا فى طريقهم بسرعة الصاروخ إلى مصر، ثم وقفت المعركة على حدودنا عندما تنبه المصريون لما يحاك لهم تحت شعارات جوفاء، فأوقفوا مد الفوضى، والوقوع فريسة لحكم تابع لتركيا وقطر، وممثليهم من الإخوان المسلمين، ثم انتقلوا إلى تخطيط الحدود وترسيمها فى البحرين الأبيض والأحمر. فاشتدت الحملات على مصر، فقد جرت سريعا حتى تلحق بالعصر، حتى لا يفوتها عصر الطاقة، كما فاتها فى السنوات الماضية، بسبب حروب الستينيات والسبعينيات، ثم اشغالنا فى معركة استعادة الأرض، وإعادة بناء الاقتصاد. وكأن فرصة لاحت للأعداء حتى يخرجوا مصر من عصر الغاز. ولكن كانت لدينا حكومة وقيادة عرفت وقرأت الخطر فأعادت البلاد إلى الخط السليم، فطار صوابهم وواصلوا حملاتهم بنفس الذرائع المرضية القديمة، وقالوا: الحقوا الدولة تطبع مع إسرائيل، وتشترى منها الغاز، وكانت معركة خاطفة، عرف فيها المصريون من معهم ومن ضدهم وكشفوا المتآمرين، فهم لم يستطيعوا إخفاء أنفسهم هذه المرة وهم يعبرون عن كراهيتهم للشعب المصرى. فهناك من باع نفسه لصالح الآخرين، وتم توظيفه ببلاغة وقوة، وجاءت معركة الغاز الأخيرة كاشفة لمن مع المصريين ومن ضدهم ومن يعمل لصالحهم ومن باع نفسه للشيطان، ومن تآمر على أهله ووطنه، ومن يدافع عنهم.
إن مصر دخلت طاقة العصر الجديد بقوة، وأصبحت باعتراف العالم كله منتجا عملاقا، وستعود لتصدير الغاز بعد أن فرض عليها عصر الفوضى والاضطرابات أن تعود مستوردة، ومواردنا من هذا المنتج ستعيد إليها المكانة التى كانت لها فى عصر القطن وضاعت فى عصر النفط.
ونحن لن نكتفى بدخول هذا العصر فقط ، بل سنمسك بالفرصة لندخل العصر القادم بكل قدراته الاقتصادية، ولن نخرج من هذا العصر مرة أخرى، ولن يجرنا أحد إلى حروب عبثية، فالغنى هو من يملك اقتصادا قوياً وجيشاً حديثاً، فيستطيع به أن يوقف الطامع والمجرم والمستعمر، وقوتنا الداخلية تغنينا عن صراعات وهمية وحروب طواحين الهواء وضجيج الشعارات وأوهامها؟