ضرب المركز النفطي لجنيف بفعل العقوبات الأمريكية

يتهيأ القطاع التجاري السويسري لمواجهة تعقيدات ومشكلات يتوقع مواجهتها بعد العقوبات الاقتصادية الجديدة التي قررتها واشنطن ضد موسكو، خاصة وقد كان للجولة الأولى من العقوبات، في 2014-2015، آثار غير سارة.
وتقول الأوساط الاقتصادية السويسرية على الصعيد غير الرسمي، على أقل تقدير، “إن جميع النفط الخام الروسي، تقريباً، المبيع في الأسواق الدولية يتم تسويقه من مدينة جنيف، وإنه ينبغي للتجار السويسريين الذين يتعاملون مع النفط الروسي أن يتوقعوا تعقيدات جديدة بسبب العقوبات التي أقرها مجلس الشيوخ الأمريكي هذا الأسبوع بأغلبية ساحقة”.
وابتداءً من سنوات الثمانينات، ولتفادي إفادة المركز التجاري البريطاني في بيع المواد الخام تم إنشاء مئات من الشركات في قوس بحيرة جنيف لبيع ثروات الاتحاد السوفياتي السابق في السوق الدولية، وهكذا حقق النفط، والحبوب، والمعادن، وغيرها من مصادر الثروة الروسية كثيرا من الغنى للتجار السويسريين.
وحسب ندوات عقدها مختصون من قطاع تجارة النفط في مدينة كالفن، فإن الأثر المباشر للعقوبات سيمس تمويل عقود النفط، خاصة أن العقوبات الجديدة تُقلِّص إلى 30 أو 14 يوماً حسب فئات النفط، مدة التمويل التي يمكن منحها للشركات أو الشخصيات الروسية المستهدفة إذا تم تنفيذ هذه العقود بالدولارات، ونتيجة لذلك، فإنه سيكون من الضروري في بعض الأحيان التخلي عن خطابات الاعتماد المصرفية لمصلحة الدفع المسبق، وهو أكثر خطورة، حسبما يشرح مصرفي متخصص في السوق الروسية، لم يرغب في ذكر اسمه.
ولتوضيح هذه النقطة، يؤكد المختص النفطي لـ “الاقتصادية” أن خطاب الاعتماد المصرفي يضمن بطريقة شبه مؤكدة دفع المصرف مبلغا معينا للطرف المقابل، في حين إن الدفع المسبق، في حال النزاع، تجب تسويته أمام محكمه تحكيم، مع نتيجة غير مؤكدة. وفي ندوة متخصصة عقدها المعهد النفطي السويسري، تقول المحامية سارة هانت، من مكتب، هولمان فينويك ويلان، للمحاماة، “هناك إزعاج محتمل آخر: التاجر السويسري الذي يرى نظراءه الروس قد وضعتهم واشنطن تحت العقوبات، وأن دفع المبلغ يتم بالدولارات، فإنه يدرك مقدماً بشكل أكيد أن هذه الأموال التي منعتها السلطات الأمريكية سيتم حجزها على الفور من دون شك”.
لكن في رأي آخرين، فإن القضية تبقى حتى هذه اللحظة مجرد نظرية، لأن واشنطن لم تنشر بعد قائمة الشركات والأفراد المشمولين بالعقوبات الجديدة، وتضيف هانت أن “أهم أثر للعقوبات هو الوقت، والطاقة التي يجب أن يُكرِّسها التجار والمصرفيون السويسريون لتأمين معاملاتهم مع روسيا”، وتقول “إننا بحاجة إلى استثمار مزيد من الجهد والوقت والمال لتطبيق أنظمة “كي واي سي – نو يور كليانت”، “إعرف عميلكَ” والتأكد من أننا لا نتعامل مع كيان خاضع للعقوبات”، مشيرة إلى أن هذه العملية قد تستغرق عدة أسابيع، ولا يستطيع أحد أن يُخمِّن كيف ستكون الصفقة المُنتظرة رابحة أم خاسرة مع تقلبات أسعار النفط.
من جانبه أوضح سيرجي لاكاوتين، وهو محام روسي في جنيف أن الجولة الأولى من العقوبات الأمريكية ضد روسيا في 2014-2015، كانت لها آثار غير سارة في تجار النفط في جنيف، ولا يوجد حتى الآن ما يؤشر أن الجولة المقبلة من العقوبات لن تكون أقسى، ما زلنا ننتظر التفاصيل”.
وأشار المحامي الروسي إلى أن “الأمر أصبح صعباً للغاية منذ الجولة الأولى من العقوبات، مع مزيد من الإذعان للعقوبات، وأنظمتها، وتعديلاتها، وشروحها، وإجراءات التحقق، والتفتيش، والالتزام بالانفصال عن بعض العملاء”.
ويقول، موظف سابق في شركة النفط الروسية، ليتاسكو “فرع من شركة لوك أويل الروسية العملاقة”، التي تبيع نفطها في جنيف “إن الموجة الأولى من العقوبات ألحقت ضرراً بعديد من التجار والوسطاء، وكان لا بد من تأمين العقود، واستعيض عن خطابات الاعتماد في بعض الحالات بمبالغ مدفوعة مسبقا”.
وأضاف أن “البعض من التجار السويسريين تضرر من تلك العقوبات، لذا ليس من السهل أن يخوض هؤلاء التجار تجربة مماثلة أخرى، وعليه فالأمر هذه المرة سيكون أكثر صعوبةً”.
وفي 2015، استهدف الفرع السويسري لـ “روسنفت”، وهي شركة نفطية اعتُبِرت قريبة جداً من الكرملين، بالعقوبات الأمريكية، وقد اضطرت شركة أخرى في جنيف “آي بي بي”، مملوكة جزئياً للملياردير الروسي، جينادي تيشينكو، إلى إغلاق أبوابها وفصل الموظفين، حسبما يشرح مختص نفطي مشارك في الندوة.
وحسبما كشفته الندوة، فإن جينادي تيشينكو المستهدف شخصياً من العقوبات الأمريكية في 2014، لم يعد يترك روسيا إطلاقاً، ولم يعد إلى مقر إقامته في جنيف، والأمر غير معروف حتى الآن مَن سيكون تيشينكو المقبل؟
ولم تمنع هذه المضايقات النفط الروسي من الاستمرار في التدفق في الأسواق الدولية، ويتمتع التجار السويسريون الرئيسيون بمركز مهيمن في تسويقه، وأشار المحلل النفطي في جنيف، مُحب كامل، إلى أن “الجميع وجدوا أن موكب العقوبات المقبلة يُمكن أن يمضي في شكل دفعات مسبقة”.
ووقَّعت “روسنفت” عدة اتفاقيات للدفع المسبق بمليارات الدولارات مع عمالقة القطاع السويسري، مثل: ترافيكورا، وكلينكور، وفيتول، حسبما أشار إلى ذلك ديدييه كاسميرو، نائب رئيس هذه الشركة العملاقة في بداية العام في مقال كتبه في صحيفة، لو تون، السويسرية الناطقة بالفرنسية، متوقعا استمرار النمو في الشركة التابعة له في جنيف التي تهتم بصفة خاصة بالمصافي الألمانية.