صناعة السيارات الألمانية تستحق التعطيل

في التسعينيات وظيفتي الأولى في “فاينانشيال تايمز” كانت تغطية الصناعة الألمانية، التي كانت تعني عملياً صناعة السيارات. ألمانيا في التسعينيات كانت مثل ديترويت في الخمسينيات أو أوائل الستينيات. كانت الصناعة تحقق أداء ممتازا في مجالها. هوامش الأرباح كانت كبيرة. وبدأت الشركات تتوسع إلى علامات تجارية أخرى – مثل فولكسفاجن وبي إم دبليو – أو إلى صناعات أخرى، مثل ديملر. الرؤساء التنفيذيون في صناعة السيارات كانوا رؤساء الرؤساء. وكانت جميع الفرص متاحة لهم والعالم ملكهم، والحكومة تحت نفوذهم.
لكن الذين يشعرون بالقوة والثبات عُرضة للأخطاء. كثير من الأشياء التي ظهرت إلى السطح في السنتين الماضيتين تعود أصولها إلى تلك العصور السابقة. آخر الأخبار هي الاتهام بأن خمس شركات ألمانية كبيرة لصناعة السيارات – فولكسفاجن، وبي إم دبليو، وأودي، ومرسيدس، وبورش – كانت متواطئة في تكتل يُغطي 60 مجالا مختلفا اتفقت على عدم التنافس فيها. هذه تشمل أنظمة الفرامل، وحجم الخزانات، وتكنولوجيا الديزل. وكانت تعقد اجتماعات سرية منذ التسعينيات.
المثال الأكثر إثارة للدهشة ودلالة على غطرسة الصناعة ربما أصبح واضحاً الأسبوع الماضي، عندما سحبت الحكومة الألمانية من الشوارع سيارات “بورش كايين” التي تعمل بالديزل وأمرت بإيقاف المبيعات. اكتشفت سلطة النقل الاتحادية أن “بورش” استخدمت برنامج الغش نفسه الذي استخدمته “فولكسفاجن” في سياراتها. ربما كنتَ تظن أن شركات صناعة السيارات الألمانية سترد على فضيحة عام 2015 من خلال إزالة أجهزة البرنامج من سياراتها على الفور.
هناك ثلاثة أسباب تبين لنا لماذا صناعة السيارات الألمانية تتعرض للمتاعب أكثر بكثير مما هو مُعترف به على نطاق واسع. أقلها أهمية هي الغرامات. ستكون كبيرة، بلا شك، ويُمكن أن تصل حتى إلى 10 في المائة من الإيرادات العالمية. هذا إضافة إلى غرامات بمليارات الدولارات بسبب برنامج الغش. الأضرار ستُقلل أرباح المساهمين والموارد المتاحة للاستثمار. لكن هذه شركات غنية. هذا وحده لن يُدمرها.
المسألة الثانية هي تركيز الصناعة المُضلل على تكنولوجيا الديزل على حساب البدائل، مثل السيارات الهجين والمحركات الكهربائية. في الثمانينيات راهنت الصناعة الألمانية بشكل جماعي على الديزل؛ لأنه كان يصدر انبعاثات كربونية أقل من البنزين. كثير من المخاطر البيئية لم تكُن معروفة في ذلك الوقت. في الوقت الذي استمرت فيه شركات صناعة السيارات الألمانية في ضبط سياراتها العاملة بالديزل، شركات أخرى، مثل تويوتا، استثمرت في السيارات الهجين، بينما وافدون جُدد، مثل جوجل، يستكشفون تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي – مجالان يُمكنهما تغيير طبيعة النقل الخاص في المستقبل بشكل جوهري.
في الأسبوع الماضي، فتح حُكم قضائي في شتوتجارت المجال أمام حظر محلي على سيارات الديزل القديمة التي لا تُلبي أحدث معايير الانبعاثات. شتوتجارت ليست فقط موطن “مرسيدس” و”بورش”، لكنها أيضاً واحدة من المدن الألمانية الأكثر تلوثاً. لن تكون المدينة قادرة على تلبية أهدافها البيئية بدون اتخاذ تدابير صارمة على سيارات الديزل. لم تكُن شركات صناعة السيارات لتثبت برامج الغش غير القانونية لو أنها وجدت طُرقا سهلة لخفض الانبعاثات.
العامل الثالث والأهم هو فقدان ثقة المستهلكين التي لا يُمكن إصلاحها. الفضائح تأتي وتذهب، لكن استمرار الأخبار السلبية يُعزز الآراء السلبية. كان المستهلكون يدفعون أسعارا استثنائية ليس مقابل، كما تبيّن، النوعية الراقية، لكن دعماً لتكتل غير قانوني. كثير من الزبائن خُدعوا بمزاعم الانبعاثات الخاطئة. استجابة المستهلكين المنطقية ستكون البحث عن بدائل أو الدفع أقل. في كلتا الحالتين، لا يُمكن الحفاظ على هوامش الربح العالية.
جميع العوامل الثلاثة تتآمر ضد صناعة السيارات الألمانية في الوقت الذي ينبغي أن تكون في مراحل متقدمة لتطوير تكنولوجيات جديدة، مثل الجيل التالي من المحركات الكهربائية أو السيارات بدون سائق. لكن صناعة السيارات نفسها وخبراء السيارات الألمانية يغلب عليهم أن يكونوا متهاونين. دراسة أجراها معهد أيفو للأبحاث الاقتصادية تُقدّم الفكرة المريحة التي مفادها بأن صناعة السيارات الألمانية تحتفظ بثُلث براءات الاختراع للمحركات الكهربائية والسيارات الهجين. لكن عدد براءات الاختراع هو مؤشر ضعيف على الابتكار الحقيقي. فهو يُسيء تقدير ديناميكيات السوق سريعة التغير. الشركات بحاجة إلى أنواع مختلفة من المهندسين والعلماء لإنتاج سيارة كهربائية ذاتية القيادة مما هو لسيارة ديزل تغش في الانبعاثات.
لا تزال الحكومة الألمانية تُدافع بقوة عن مصالح صناعة السيارات في بروكسل، لكن العوامل السياسية المحيطة بصناعة السيارات تغيرت خلال الأعوام الـ 15 الماضية. عدد مُشتري السيارات التي تشتمل على برنامج الغش في ألمانيا يفوق الآن بشكل هائل عدد العاملين في صناعة السيارات.
ستبقى شركات صناعة السيارات تبني السيارات بعد 20 عاماً، تماماً مثلما لا تزال فورد، وجنرال موتورز، وكرايزلر تبني السيارات اليوم. لكن هوامش الربح ستنخفض، وصورتها ونفوذها سيتلاشيان. في يوم ما ستُصبح ما كانت تكرهه الصناعة دائماً: شركات عادية جداً مثل الشركات التي تصنع الثلاجات والغسالات.

Print Friendly, PDF & Email