
أثارت تصريحات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد حول تأييد السعودية لمد العمل باتفاق خفض الإنتاج ردود فعل إيجابية واسعة في سوق النفط التي تشهد بالفعل حالة من الانتعاش وتعافي الأسعار على نحو واسع حتى إن خام برنت كسر حاجز 60 دولارا للبرميل في طفرة قياسية وغير مسبوقة على مدى عدة سنوات ماضية.
وقادت تصريحات ولي العهد إلى حالة ممتازة من التفاؤل والثقة تعم سوق النفط في المرحلة الراهنة أدت إلى استمرار تعافي الأسعار بالتزامن مع تراجع المخزونات وحدوث انتعاشة كبيرة في الاستثمارات النفطية بما يؤمن مستويات المعروض في المستقبل.
وقال محللون نفطيون إن تصريحات الأمير محمد بن سلمان تكشف عن توافق واسع وتطابق في الرؤى مع روسيا – أكبر شريك لـ”أوبك” في إنتاج النفط – حيث كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن قبل أيام عن موقف مماثل بتأييد مد العمل بخفض الإنتاج حتى نهاية العام المقبل 2018.
ويرى مختصون دوليون أن مهمة الاجتماع الوزاري المقبل للمنتجين في “أوبك” وخارجها في فيينا في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل صارت مهمة سهلة في ضوء التحضير الجيد السابق لها والتطابق في رؤى كبار المنتجين خاصة السعودية وروسيا بشأن الاستمرار في نهج خفض الإنتاج نفسه.
وقال “سباستيان جرلاخ” رئيس مجلس الأعمال الأوروبي، أن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد يقود طفرة تنموية واسعة في السعودية ويضع البلاد على أعتاب تقدم اقتصادي واستثماري واسع من خلال سياسات رشيدة تقوم على الانفتاح على العالم ومد جسور التعاون الواسع وأبرز الأمثلة على ذلك مدينة “نيوم” التكنولوجية الاستثمارية العملاقة التي تشيدها السعودية.
وأضاف جرلاخ أن ولي العهد يدعم استقرار سوق النفط وتعافيها بكل السبل والجهود الممكنة ولذا يعمل بشكل دؤوب على التنسيق مع الجانب الروسي وتطوير العلاقة المشتركة بين أكبر منتجين للنفط بما يدعم عودة الاستقرار إلى الأسواق، ولذلك لم تكن هناك صعوبة – في ضوء هذا التقارب – في التوصل إلى مد العمل بتخفيضات الإنتاج لتسعة أشهر جديدة بعد النتائج المبهرة التي حققها اتفاق خفض الإنتاج خاصة في الشهور الأخيرة.
وتوقع جرلاخ أن تجتذب المدينة الجديدة الكثير من رؤوس الأموال العالمية ما يمثل طفرة نوعية في أداء الاقتصاد السعودي الذي من المتوقع أن يحقق معدلات نمو أعلى كما أن تحوله إلى الاقتصاد المتنوع سيعزز مكانته الكبيرة بالفعل على خريطة اقتصادات العالم، إضافة إلى تعافي أسعار النفط ووصولها إلى المستويات الجيدة والمعززة للاستثمار ولاقتصادات الدول المنتجة.
وكشف الدكتور إمبرجيو فاسولي مدير مركز دراسات الطاقة في مدينة لوزان السويسرية، إن السعودية تقطع خطوات هائلة نحو الاقتصاد المتنوع وتحقق نجاحا يوما بعد يوم بقيادة الأمير الشاب محمد بن سلمان الذي يخطط لطفرة استثمارية واسعة من خلال مدينة نيوم وأيضا مشروعات سياحية جذابة على البحر الأحمر إلى جانب إنعاش استثمارات الطاقة بشكل شامل سواء الوقود الأحفوري أو الطاقة المتجددة من خلال تطوير منظومة العمل والإنتاج في عملاق الطاقة السعودي “أرامكو” التي تخوض العام المقبل تجربة خصخصة جزئية ستمثل طفرة في أسواق المال العالمية.
وتوقع فاسولي أن تثمر جهود ولي العهد في فترة وجيزة عن انتقال الاقتصاد السعودي من مرحلة الريع إلى مرحلة الاقتصاد المزدهر متعدد الموارد من خلال الكثير من المبادرات والخطط الاقتصادية القوية التي يقودها ومنها “رؤية 2030” والتحول الاقتصادي والمدينة الاستثمارية ودعم سوق النفط وتطوير مشروعات الطاقة الشمسية وغيرها من موارد الطاقة المتجددة.
ويرى فاسولي أن تصريحات الأمير محمد بن سلمان بشأن مد التخفيضات تكشف عن تنسيق على أعلى مستوى مع روسيا وهو ما يبدد كل المخاوف التي يثيرها البعض بشأن احتمال ضعف تمسك المنتجين بالعمل المشترك أو بشأن نجاح الاتفاق كما تزيح كل قلق يأتى نتيجة الطفرات المقابلة في الإمدادات التي يحققها الإنتاج الأمريكي وتنعكس بالسلب على الأسعار بسبب تجدد حالة القلق من احتمال عودة تخمة المعروض.
وأوضح ماركوس كروج كبير محللي شركة “آي كنترول ” لأبحاث النفط والغاز، إلى أن مهمة اجتماع وزراء الطاقة والنفط في “أوبك” وخارجها في فيينا في الشهر المقبل أصبحت أكثر سهولة بعدما تلقوا الضوء الأخضر من الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدعمهما لخفض الإنتاج لمدة تسعة أشهر إضافية جديدة.
ويرى كروج أن مهمة المنتجين لم تنته بعد، بل يجب أن يواصلوا العمل على رفع مستوى المطابقة حتى تتحقق المزيد من الفاعلية للاتفاق وأن يعملوا على توسعة الاتفاق بضم دول جديدة منوها إلى أن هذا سيحقق المزيد من الاستقرار في السوق وربما تقفز الأسعار فوق 70 دولارا للبرميل مع بداية العام المقبل 2018.
ولفت كروج إلى أن اجتماع الشهر المقبل سيعقد في أجواء إيجابية للغاية بحسب تأكيد الأمين العام لـ”أوبك” محمد باركيندو خاصة مع غياب الغموض والترقب الذي عادة ما يحيط بهذه النوعية من الاجتماعات بسبب تأثيرها في وضع السوق مشيرا إلى أن تحركات المنتجين صارت تتمتع حاليا بشفافية كاملة وأصبح وضع السوق النفطية لا يواجه أي ضبابية كما كان يحدث في أوقات سابقة وحتى العوامل الجيوسياسية ينحسر تأثيرها وبالتالي لا مبرر لمخاوف غير دقيقة تحيط بوضع السوق أو مواقف المنتجين ويجب أن يعمل الجميع على تحقيق مزيد من الاستقرار والتعافي في أسواق النفط.
وقال محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” إن السعودية وروسيا أعلنتا دعمهما لتمديد اتفاق خفض الإمدادات الذي تقوده “أوبك” وذلك قبيل اجتماع المنظمة المقرر في 30 نوفمبر، وينتهي الاتفاق الحالي في مارس 2018.
وأوضح باركيندو على هامش مؤتمر “ترحب أوبك بالتوجيه الواضح من الأمير محمد بن سلمان بشأن ضرورة تحقيق الاستقرار في أسواق النفط والحفاظ عليه بعد الربع الأول من 2018. وبجانب تصريحات بوتين فإن ذلك يزيح الضباب في الطريق إلى فيينا الشهر المقبل”.
وأوضح باركيندو حين سئل عما إذا كانت تصريحات ولي العهد تشير إلى أن تمديد الاتفاق لمدة تسعة أشهر يبدو أكثر ترجيحا: “من الجيد دوما أن تحظى بمثل هذا التجاوب والتوجيه رفيع المستوى”.
وكانت مصادر في “أوبك” قد أكدت في وقت سابق أن المنتجين يميلون إلى تمديد الاتفاق لمدة تسعة أشهر وإن كان القرار قد يتأجل حتى أوائل العام المقبل بناء على وضع السوق، وتستمر المناقشات بين المنتجين قبل الاجتماع الذي سينعقد في 30 نوفمبر وسيحضره وزراء نفط “أوبك” والدول المشاركة في الاتفاق غير الأعضاء في المنظمة.
ودعم الاتفاق أسعار النفط لكن السوق لم تتخلص بعد من فائض مخزونات النفط والأسعار ما زالت عند نصف مستواها في منتصف 2014، ويهدف اتفاق الإنتاج إلى خفض مخزونات النفط في الدول الصناعية الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى متوسط خمس سنوات وتشير أحدث أرقام إلى أن المنتجين قطعوا نصف الطريق فحسب صوب ذلك الهدف.