بنك الكويت الوطني:توازن أسواق النفط لن يتحقق قبل 2019

قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني أن أداء أسعار النفط خلال سبتمبر لم يكن جيدا بالنظر لأدائها بشكل عام خلال 2017، إذ ارتفع مزيجا برنت وغرب تكساس المتوسط بواقع 8% أو ما يصل إلى 56 و50 دولارا للبرميل على التوالي، وذلك وسط مؤشرات بتشدد أداء الأسواق.

وقد شهد مزيج برنت تعافيا استعاد من خلاله ما بدده هذا العام، ليقترب مستوى تداولاته من مستوى يناير 2017 البالغ 57 دولارا للبرميل، وساهمت أساسيات الطلب والإنتاج في تحسين الثقة، حيث سجل الطلب العالمي على النفط أفضل نمو له منذ زمن طويل وذلك خلال الربع الثاني من 2017، بينما تراجع إنتاج أوپيك في أغسطس تماشيا مع تحسن في وتيرة التزام الدول الأعضاء بخفض الإنتاج. وتراجع أيضا مخزون النفط لمنظمة التعاون الاقتصادي خلال يوليو وذلك للمرة الخامسة على مدى سبعة أشهر.

ونظرا لضيق أساسيات الأسواق، تحول منحنى العقود الآجلة لمزيج برنت إلى ما يعرف بوضع التراجع والذي يقتضي أن تكون مستويات أسعار العقود الآجلة أقل من مستويات الأسعار المتاحة، ما يعني أن التوقعات بشأن الأسعار قريبة المدى ستكون أكثر تفاؤلا من التوقعات المتوسطة إلى بعيدة المدى. وتعد هذه أول حالة تراجع في المنحنى منذ كانت أسعار النفط عند مستوى 100 دولار للبرميل في 2014.

وتشير وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الأخير حول أسواق النفط إلى أن تحقيق التوازن في الأسواق بين الإنتاج والطلب لن يكون قبل عام 2019، وذلك بدعم من قوة نمو الطلب العالمي في الربع الثاني من 2017 (+2.3 مليون برميل يوميا، +2.4% على أساس سنوي) لاسيما في أميركا ودول أوروبا من أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي، واستمرار “أوپك” في خفض الانتاج.

وقد دفع ذلك بوكالة الطاقة الدولية إلى رفع توقعاتها لنمو الطلب لهذا العام بواقع 100 ألف برميل يوميا إلى 1.6 مليون برميل يوميا. وفي العام المقبل، تتوقع الوكالة ارتفاع الطلب بنسبة قوية أيضا تبلغ 1.38 مليون برميل يوميا.

ويبدو أن قطاع الطاقة في أميركا، وبالأخص في تكساس/ساحل الخليج، قد بدأ بالتعافي من الركود الذي سببه إعصار «هارفي» في أواخر أغسطس، فقد استأنفت مصافي الولاية نشاطها والتي يبلغ عددها ما يقارب الثلاثين مصفاة، لتعيد إنتاجها الذي بلغ 21% قبل الإعصار.

ويبدو أيضا أن إنتاج النفط قد عاود ارتفاعه إلى 9.5 ملايين برميل يوميا خلال الأسبوع المنتهي في 15 سبتمبر وذلك بعد أن هبط بنسبة 8% (749 ألف برميل يوميا) في الأسبوع الذي تلا الإعصار. بالمقابل، جاء أداء المخزون معاكسا لأداء النفط، حيث ارتفع مخزون النفط وانخفض مخزون المنتجات المكررة كالجازولين والمكثفات المتوسطة.

وساهمت عودة الطلب الأميركي في التأثير إيجابا على أسعار النفط. إلا أن مزيج برنت قد استفاد أيضا من انقطاع الواردات من أميركا، حيث بلغ الفارق بينه وبين مزيج غرب تكساس المتوسط أعلى مستوياته منذ عامين بواقع 6.3 دولارات للبرميل، في 8 سبتمبر، وذلك بعد أن رفعت المصافي الأوروبية وغير الأميركية طاقتها الإنتاجية لتعويض شح المنتجات في أسواقها بسبب الانقطاع.

كما ساهمت قوة الإنتاج الأميركي، التي جاءت على خلفية ارتفاع إنتاج النفط الصخري، في فرض المزيد من الخفض على أسعار مزيج غرب تكساس المتوسط مقابل أسعار مزيج برنت.

ومما زاد الأمور تحسنا، تراجع الإنتاج العالمي خلال أغسطس إما بسبب أعمال الصيانة أو للانقطاعات المتفرقة غير المخطط لها كإعصار “هارفي” أو انقطاع الإنتاج من ليبيا بعد أن قامت مجموعة من المحتجين المسلحين بإغلاق حقل شرارة الذي يعد أكبر حقل نفط في الجمهورية.

وقد خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها للإنتاج العالمي في أغسطس الى ما يقارب 720 ألف برميل يوميا، ويعد ذلك أول خفض منذ أربعة أشهر. لكننا نرى أن ذلك لا يكفي لمنع الإنتاج من تجاوز مستوى الطلب في الربع الثالث من العام 2017 المقدر بنحو 100 ألف برميل يوميا أو لمواجهة ارتفاع المخزون بعد أشهر من التراجع.

وعلى الرغم من التأثير السلبي الذي خلفه إعصار «هارفي» على إنتاج أميركا إلا أنه من المتوقع أن يتسارع نمو إنتاج الدول من خارج أوپيك قبل نهاية العام، مضيفا ما يصل الى 500 ألف برميل يوميا في الربع الرابع. لكننا نتوقع أن يتراجع الإنتاج خلال 2017 في المتوسط بنحو 200 ألف برميل يوميا، وبذلك تكون السنة الأولى التي يتجاوز فيها الطلب مستوى الإنتاج منذ العام 2013، وذلك على أساس سنوي.

وبينما يمثل ذلك مصدر راحة لمنظمة أوپيك التي تسعى للالتزام باتفاقية خفض الإنتاج لخمسة عشر شهرا وتهدف من خلالها الى خفض المخزون، الا أنه لا يزال أمامها المزيد من العمل. إذ لا يزال إنتاج دول منظمة التعاون الاقتصادي ومخزون المنتجات البترولية (أهم مؤشرات الالتزام لدى أوپيك) عند مستويات عالية تبلغ 3.02 مليارات برميل (في يوليو) وذلك في الشهر التاسع من مدة الخفض. ويظل ذلك أعلى من هدف أوپيك لمتوسط السنوات الخمس (2.75 مليار برميل) بنحو أكثر من 250 مليون برميل يوميا، وذلك بالرغم من تراجع الإنتاج ومخزون المنتجات في خمسة من أصل الشهور السبعة الماضية.

ومما قد يشكل مصدر قلق لأوپيك هو التراكم المحتمل في المخزون بدلا من التراجع خلال العام 2018، وهو ما تتوقع وكالة الطاقة الدولية حدوثه في حال تضاعف إنتاج الدول من خارج أوپيك (بقيادة أميركا) بمعدل يقدر بنحو 1.5 مليون برميل يوميا، الأمر الذي حتما سيؤجل تحقيق هدف أوپيك لخفض المخزون حتى العام 2019.

الدول الأعضاء في أوپك تبحث تمديد الخفض الى ما بعد شهر مارس من العام 2018 مع تحسن وتيرة الالتزام في أغسطس

في ظل تلك التطورات، اذا قد لا تبدو احتمالية تمديد فترة خفض الإنتاج لثلاثة أشهر حتى ما بعد مارس 2018 خطوة مفاجئة. فقد أوضحت المنظمة في تقريرها الأخير أنها تتوقع تراجع الطلب على نفطها في الربعين الأول والثاني من العام 2018 الى مستوى أقل من مستوى الإنتاج الحالي. ويعني ذلك أنه من المحتمل أن تبحث المنظمة أيضا زيادة نسبة الخفض، ولاسيما بعد أن أعلنت العراق عن حاجة الدول الى زيادة خفض إنتاجها بنسبة 1% اضافية.

وليس من الواضح ما اذا كانت الدول، من أوپيك وخارجها، قادرة على اتخاذ هذه الخطوة أو حتى اعتزامها الالتزام كليا معا على الاتفاقية الحالية، حيث إن العراق من أبرز الدول التي لم تستطع حتى الآن الالتزام كليا بالخفض تحت بنود الاتفاقية الحالية.

اذ سيتوجب على أوپك تنشيط وتيرة الالتزام للدول المتعثرة وإضافة ليبيا ونيجيريا اللتين تم اعفاؤهما من الخفض مسبقا. وتشير مصادر أوپك الثانوية الى تحسن نسبة الالتزام الى 98% في أغسطس، مرتفعة من 89% في يوليو، تماشيا مع انخفاض إنتاج السعودية والكويت وفنزويلا وغيرها من الدول الى أقل من سقفها المحدد. وبجانب العراق، فإن الامارات والجزائر أيضا تعثرتا في الالتزام بهدف الخفض.

وتراجع اجمالي إنتاج أوپك بواقع 80 ألف برميل يوميا ليصل الى 32.76 مليون برميل يوميا في أغسطس مقارنة بـ 32.84 مليون برميل يوميا في يوليو. ولا يزال الإنتاج أعلى من سقف المنظمة البالغ 31.75 مليون برميل يوميا وذلك بواقع مليون برميل يوميا. وقد لعب تراجع الإنتاج في ليبيا بواقع 100 ألف برميل يوميا دورا كبيرا، والذي جاء اثر انقطاع الإنتاج بسبب بعض النزاعات. ولكن قد يكون ذلك مسألة وقت في أغسطس فقط، اذ من الممكن أن تستأنف ليبيا إنتاجها بمستويات مرتفعة أعلى من تلك التي حققتها في يوليو وذلك بواقع مليون برميل يوميا، أي ما يقارب ضعف مستوى (480 ألف برميل يوميا) الذي حققته في نوفمبر الماضي وقت توقيع الاتفاقية.

أما نسبة الالتزام من بين الدول من خارج منظمة أوپك بقيادة روسيا فقد بلغت 100% لأول مرة في الشهر الماضي، وذلك وفق وكالة الطاقة الدولية.

بالرغم من أن لجنة مراقبة سوق النفط الوزارية التي التقت في فيينا لم تتخذ أي قرار بشأن تمديد فترة الخفض أو زيادة نسبته، الا أن أي اعلان قد يؤثر بشكل كبير على الأسواق، لاسيما في حالة زيادة نسبة الخفض. ومن المزمع عقد اجتماع أوپيك القادم في نوفمبر، حيث من الممكن أن يثمر عن بعض القرارات أو المباحثات بهذا الشأن. إذ من المحتمل أن تضم المنظمة نيجيريا الى قائمة الدول الملزمة بخفض إنتاجها بعد أن تم إعفاؤها مسبقا، إلا أنها أعلنت مؤخرا عن استعدادها للخضوع لشروط الخفض فور تحقيقها نسبة إنتاج مستقرة تبلغ 1.8 مليون برميل يوميا، وستقبل المنظمة بذلك.