بقلم : عثمان الخويطر
كتب أخونا الفاضل عبدالرحمن الراشد مقالا جميلا، كعادته، تحت عنوان “علينا الاستعداد قبل سقوط البترول”. وفي رأيي أن العنوان المناسب للمقال هو ما عنونت به هذا الحديث. فقد استبدلت “قبل سقوط البترول” بـ “لِمَا بعد نضوب البترول”. والمبدأ الذي سأبني عليه هذا المقال هو نفسه الذي تبناه الأخ عبدالرحمن في مقاله آنف الذكر. وهو ضرورة الاستعداد لما بعد عصر البترول. وأتفق مع معظم ما تفضل به الكاتب الكريم، وهو نفسه غني عن التعريف. فلعبدالرحمن الراشد صولات وجولات منذ عقود في جميع وسائل الإعلام. ولا نبالغ إذا قلنا إنه الأكثر شهرة في عالمنا العربي. وقد ذكر في الصحيفة المذكورة ما مضمونه أن خوفنا في دول الخليج على وجه الخصوص هو من سقوط البترول، كناية عن الاستغناء عنه، وهو لا يزال حيا يُرزق. وهذا الرأي ليس غريبا على الساحتين الدولية والمحلية. فهناك كثيرون ممن يعتقدون أن مستقبل استخدام الزيت الخام ومشتقاته البترولية كمصدر للطاقة في انخفاض كبير سيؤدي في غضون زمن قصير إلى الاستغناء عنه. ويضربون لنا مثلا بتوجه بعض الدول الأوروبية لإحلال المركبات الكهربائية محل المركبات التقليدية التي تستخدم وقود البترول. ولكنهم يغفلون عن أمور كثيرة في هذا المجال، بعضها اقتصادي والبعض الآخر فني ولوجستي. ولا يحسبون حساب أن جزءا من توليد الطاقة الكهربائية سيظل يعتمد على المصادر الهيدروكربونية. وأن البترول نفسه هو مصدر أساس لمعظم الصناعات التحويلية التي نستخدم منتجاتها في نسبة كبيرة من أمور حياتنا وصناعة وسائل نقلنا، البري والبحري والجوي، بما فيها هياكل المركبات الكهربائية نفسها. فعن أي استغناء يتحدثون؟ أما فيما يتعلق بالبنية التحتية للصناعة البترولية وجميع ما يتعلق بها، التي أنفق على إنشائها المجتمع الدولي تريليونات الدولارات، فنترك مصيرها وحسابها لعمالقة الاقتصاد، الذين من ضمنهم منْ يتحدثون أحيانا عن احتمالية قرب بَوَار سلعة البترول. وما ذكر الكاتب عن تعدد وتطور أنواع البدائل التي يظنون أنها ستحل محل البترول، ما هي في واقع الأمر إلا روافد له، مع اقتراب الرخيص منه إلى النضوب. فهي ليست في دور منافس حقيقي، بل وجودها ضرورة من أجل تخفيف الضغط على بترولنا قليل التكلفة. وليس من مصلحة مستقبلنا ومستقبل أجيالنا استنزاف أكبر كمية ممكنة، استجابة لارتفاع الطلب العالمي.
وأمامنا موضوع لا يقل أهمية، لكن كثيرين لا يلقون له بالا. ألا وهو النضوب الطبيعي لحقول البترول التي ننزف منها اليوم ما يقارب مائة مليون برميل، معظمها من نوع التقليدي الرخيص، أو متدني التكلفة. ولأن نسبة كبيرة من الكتاب والمحللين وبعض الاقتصاديين ليس لديهم أي نوع من الخبرة العملية فيما يتعلق بإنتاج البترول، فلا نلومهم إذا هم أغفلوا حسابات النضوب. وربما يختلط الأمر حتى على المتخصصين، إذا علمنا أن مجمل احتياطيات البترول، التقليدي وغير التقليدي المعروفة اليوم، قد تبلغ بضعة تريليونات برميل. وهذه كميات ضخمة إذا أدركنا أن العالم حتى يومنا هذا، منذ اكتشاف البترول قبل 150 عاما، لم يستهلك إلا ما يزيد قليلا على تريليون برميل. وللمعلومية، فإننا لا نزال نستهلك ما يسمى بالتقليدي، ما عدا إضافة ما نسبته 6 في المائة من الإنتاج العالمي من نوع غير التقليدي المكلف. وما نخشى حدوثه هو سرعة استنزاف التقليدي الرخيص، ومن ضمنه بترول دول الخليج الذي نعتمد عليه في جميع شؤون حياتنا. وهو ما يبعث على القلق. فاعتمادنا شبه الكامل وغير المبرَّر على خدمات ملايين العمالة الوافدة أوجد منا أمة تميل إلى الراحة والقيام بالأعمال الناعمة، التي قد لا تكون لها إضافة ذات قيمة للاقتصاد الوطني. فما أحوجنا اليوم قبل غد إلى توطين نوع من الصناعة وتوطين الوظائف المرتبطة مباشرة بالنمو الاقتصادي، دون أي تخلف أو مساومة. وخطورة الاعتقاد بفكرة الاستغناء عن البترول، أو سقوطه كما يحب حبيبنا عبدالرحمن الراشد أن يسميه، قبل نضوبه بأي صفة، قد يشجع الأصوات التي تنادي برفع مستوى الإنتاج، خوفا من انحدار قيمته، وهذا غير منطقي.
وقبل أن أختم، أود أن أضيف تعليقا موجزا على موضوع ذكره الأخ عبدالرحمن دون إسهاب. وهو دخول البترول الصخري “الأمريكي” حلبة الإنتاج العالمي. وظن، كما يخمِّن كثيرون، أنه منافس أو سيصبح منافسا لبترولنا. وهذا غير دقيق ألبتة. فهناك فارق كبير بين إنتاج البترول العادي أو التقليدي وبين ما يطلق عليه حاليّا البترول الصخري. والفرق يتمثل في مكان وجود كل منهما من الناحية الجيولوجية. فالأول يوجد داخل مسام صخور متواصلة مع بعضها. أي أن للبترول والغاز داخل الصخور منافذ ينساب من خلالها السائل أو الغاز باتجاه البئر دون أي عائق. وكل ما يتطلب الأمر هو حفر البئر إلى عمق الصخور الحاملة للبترول، ومن ثم يبدأ الإنتاج. أما في حالة الصخري، فالبترول أو الغاز يوجد في مسام صخور صماء، غير منفذة. فيستحيل إنتاج البترول قبل إجراء عملية مكلفة جدّا، وهي ما تسمى بعملية التكسير الهيدرولوكي. وهذه العملية الإضافية لا نحتاج إليها لإنتاج التقليدي. وعملية التكسير الهيدرولوكي مكلفة، وهي عبارة عن ضخ ما يقارب خمسة ملايين جالون ماء في البئر تحت ضغط كبير. وذلك باستخدام عدد كبير من المضخات عالية القدرة، مع قليل من الرمل والمواد الكيماوية. والغرض من العملية هو تكسير الصخور الحاملة للبترول، أو إحداث شقوق تسمح للسائل أو الغاز بالانتقال من المسام التي كانت مغلقة باتجاه فوهة البئر. وهذا العامل هو سبب ارتفاع تكلفة الصخري، إضافة إلى خاصية أخرى وهي قصر عمر بئر الصخري وتدني كمية الإنتاج. وما يتردد في وسائل الإعلام عن إمكانية تخفيض تكلفة الصخري إلى مستوى التقليدي ليس له أساس من الصحة. فالمسألة جيولوجية بحتة لا تحلها التكنولوجيا. ولذلك فلا يصح أن ننعت الصخري بأنه منافس للتقليدي. ولكن هناك احتمالا واردا، وهو تحول التقليدي إلى غير تقليدي، مع تقدم عمر الحقول، وارتفاع تكلفة الإنتاج.