بحث تحليلي للأجواء المحيطة بسوق النفط العالمي

 

 

    ONA،ووكالات  

هل ستدفع اضطرابات الشرق الأوسط وتوترات كوريا الشمالية أسعار النفط إلى الارتفاع؟ ، هو  عنوان بحث ل”ماهر أحمد ، منى حجازي ” ،  نشر على صفحة مركز البديل للتخطيط والدراسات الإستراتيجية ، وجاء فيه هذا التحليل :

يشهد سوق النفط العالمي حالة من الاضطراب فبعد أن دام انخفاض الأسعار لفترة كبيرة حتى وصل إلى أقل من 30 دولار للبرميل عاد للارتفاع النسبي في عام 2017 إلى مايزيد عن 50 دولار للبرميل.

ومؤخرا شهد سوق النفط حالة من الترقب والحذر، بعد أن تضافرت عدة عوامل سياسية وأخرى اقتصادية دفعت أسعار النفط للارتفاع عالميا؛ وتتعلق الأسباب السياسية بالتوترات الجيوسياسية بين الدول المنتجة وعلي رأسها السعودية وإيران علاوة على التوتر العالمي بشأن النشاط النووي المتصاعد لكوريا الشمالية، في حين تتمثل الأسباب الاقتصادية في رغبة الدول المنتجة لتخفيض الإنتاج اليومي بهدف إعادة النشاط إلى سوق النفط بعدما شهد تراجعا كبيرا في حجم الاستثمارات فيه.

لذا سيتتبع هذا التحليل حركة أسعار النفط في الفترة الحالية والبحث عن الأسباب التي أدت إلى ذلك الارتفاع كما يهدف إلى دراسة العلاقة بين حالة الاضطرابات السياسية والعسكرية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط و علاقتها بأسواق النفط وتأثير ذلك علي مصر كدولة مستوردة للنفط.

ارتفاع الأسعار وسط حالة من التوتر

بعد تهاوي في الأسعار علي مدار السنوات الماضية، تسترد أسواق النفط عافيتها حيث رفع البنك الدولي توقُّعاته لأسعار النفط الخام لعام 2017 إلى 55 دولارا للبرميل من 53 دولارا للبرميل مع استعداد أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) للحد من الإنتاج بعد فترة طويلة من الإنتاج غير المقيد.

ومن الواضح أن هناك ارتفاع زاحف لأسعار النفط خلال العامين 2016 و2017 وهذا الارتفاع ربما يتواصل مستقبلا إذ ارتفع سعر برميل النفط الخام خلال عام 2017 إلى 52.24 دولار مقارنة 37.386 دولار للبرميل خلال إبريل 2016.

الصراعات الجيوسياسية

تعددت الأسباب السياسية المسببة للارتفاع في أسعار النفط، النفط والسياسة توأمان من الصعب الفصل بينهم ومنها ذلك الصراع بين السعودية وإيران حيث أن قطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران منذ أحداث حرق السفارة السعودية في إيران عام 2016 تؤثر على سوق النفط؛ وتسعى كلتا الدولتين الآن إلى رفع سعر برميل النفط الخاص بها، فيما يمكن تسميته بـ”حرب نفطية” لإعادة التوازن في السوق ما يؤدي إلى ارتفاع سعر البرميل عالميًا، لكن الجدير بالذكر هو اختلاف اتجاه تلك الحرب بين البلدين فيما يتعلق بأسعار النفط حيث في السنوات السابقة كانت  تسعى الدولتان إلى تخفيض السعر العالمي للنفط اعتقاداً منهما أن ذلك التراجع سيؤثر علي الموازنة العامة للدولة الأخرى حيث تعتمد الإيرادات العامة في الدولتين علي الإيرادات النفطية بنسب عالية، ففي إيران تصل النسبة إلى 70% بينما في السعودية تصل إلى 75% من الإيرادات العامة، وبالفعل فإن تصاعد حدة الأزمة بين الدولتين ألقي بظلاله علي الاقتصاد الإيراني الذي يواجه تحديات كبيرة فقد أكد البنك الدولي أن التضخم في إيران البالغ 10.6% يعتبر من أعلى المعدلات في العالم ويشير المركز الإحصائي الإيراني في آخر تقرير له وجود 64 مليون إيراني في سن العمل، وعدد الملتحقين في سوق العمل 23 مليون شخص فقط، ما يشير إلى نسب عالية في معدل البطالة، قد ترتفع أكثر مع انخفاض معدلات النمو حال ركزت طهران علي مواجهة المملكة دون النظر إلى مشكلاتها المحلية، كما أن تلك الحرب النفطيةأثرت بشكل سلبي علي الاقتصاد السعودي ولذلك قامت السعودية في الفترة الأخيرة بتخفيض حجم الإنفاق العام وفرض ضرائب لأول مره علي سلع الترفيه لتعويض العجز في الإيرادات العامه لديها لذلك أبدت المملكة في الأيام الأخيرة مرونة في التحاور مع دول خارج أوبك من أجل إعادة الاستقرار لأسعار النفط، ولكن هل ستستمر المملكة في سعيها لإعادة الأسعار للارتفاع، خصوصًا أن طهران تتجهز لاستعادة حصتها السوقية بعد رفع العقوبات عنها، لذلك  يشهد عام 2017 حربًا صامته صفرية النتيجة تضر كلا البلدين حتى يرضخ أحدهما لقرارات الآخر.

انخفاض حجم الاستثمارات النفطية

تشير تقارير وكالة الطاقة الدولية إلى تراجع حجم الاستثمارات المنفذة في قطاع النفط، فيما يعد أدنى مستوى له منذ 60 عاماً حيث إن التراجع في حجم الاستثمارات في قطاع النفط العالمي يقدر بنحو 130 مليار دولار أمريكي في عام 2016 مانسبته حوالي 16%، تزامناً مع انخفاض الطاقة الإنتاجية غير المستغلة التي تقدر بمليوني برميل يومياً، معظمها لدى السعودية، لذلك قررت منظمة الأوبك في اجتماعها رقم 177 في نوفمبر 2016 بتخفيض حجم إنتاجها من النفط بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً من إجمالي حجم الإنتاج الذي قد وصل في أكتوبر 2016 إلى 33.6 مليون برميل يومياً بهدف استعادة التوازن في السوق من خلال تخفيض حجم المعروض، و أقبلت السعودية علي تحمل الجزء الأكبر من الانخفاض بحيث تتراجع إلي 10.06 مليون برميل يومياً بعد أن وصل إلي 10.54 مليون برميل يومياً في أكتوبر 2016، وامتد الاتفاق الي خارج منظمة الأوبك حيث وافقت 11 دولة منتجة للنفط من خارج منظمة الأوبك علي تخفيض حجم إنتاجها اليومي بمقدار 558 ألف برميل يومياً ومن أبرز هذه الدول روسيا وجنوب السودان والمكسيك وماليزيا الأمر الذي دفع الخبراء لدى الوكالة الدولية للطاقة للتوقع بأن يبلغ المعروض من النفط في الأسواق العالمية 4.1 مليون برميل في اليوم الواحد في الفترة الممتدة من 2015 و 2021، ما يشير إلى تراجع كبير مقارنة بالمعروض العالمي الذي ارتفع إلى 11 مليون برميل يوميا في الفترة من 2009 إلى 2015.

توترات متصاعدة (واشنطن- بيونج يانج)

تركزت استراتيجية حكومة دونالد ترامب المتعلقة بكوريا الشمالية على تشديد العقوبات الاقتصادية التي قد تشمل حظراً نفطياً عقب قيام الأخيرة بتجربة صواريخ قنابل هيدروجينية، وعلى الجانب الآخر قامت كوريا الشمالية بتوسعة محطة النفط فى نامبو الواقعة فى منتصف الطريق على الساحل الغربى لكوريا الشمالية منذ عام 2015، جراء التحسب لفحص هذه العقوبات عليها من جانب مجلس الأمن.

ويذكر أن كوريا الشمالية تستورد 90 % من طاقتها من الصين التي تعد المنافس الأول للولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث يعتبر النفط الخام أمراً حاسماَ بالنسبة للاقتصاد والجيش فى بيونج يانج.

ومن المرجح أن تقايض كوريا الشمالية الأسلحة بالنفط، مع إيران خاصة بعد رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، فإنها تمثل حليفا لكوريا الشمالية ويرجع ذلك كونها من المنبوذين لدى الولايات المتحد،.ومن الواضح أن استخدام ورقة النفط في التعامل مع الملف الكوري الشمالي سيدفع في اتجاه رفع أسعار النفط عالميا وسيعزز من اضطراب السوق.

الأثر علي مصر كدولة مستوردة للنفط

أكد البحث على أن مصر استفادت  من هبوط أسعار النفط شأنها شأن الدول المستوردة للنفط حيث تشير البيانات الرسمية إلى أن مصروفات الموازنة  العامه للدولة شهدت تراجعاً كبيراً فيما يخص بند الطاقة حيث أن واردات الدولة من المواد البترولية انخفضت في بداية العام السابق إلى نحو 400 مليون دولار شهرياً مقابل نحو 650 مليون دولار قبل تراجع أسعار النفط، بمعدل تراجع يقدر بنحو 38.5%، وفي المقابل حافظت فاتورة استيراد الغاز الطبيعي على مستواها عند 250 مليون دولار شهرياً.

ويبدو أن الزيادة الحالية في أسعار النفط عالمياً، خاصة بعد دخول الاتفاق الذي توصلت له “أوبك” بشأن خفض إنتاج الدول المنتجة والمصدرة للنفط حيز التنفيذ بداية من يناير الماضي،سيحمل مصر تكاليف باهظة جراء ذلك الارتفاع فمن المتوقع أن ترتفع تكلفة واردات مصر من المحروقات، بعد أن خفضت الدولة إجمالي مخصصات دعم الطاقة سواء المحروقات أو الكهرباء، خلال السنوات الخمس الماضية من نحو 141.680 مليار جنيه في موازنة عام 2011 لتصل إلى نحو 92.8 مليار جنيه  في 2016 بتراجع يقدر بنحو 48.88 مليار جنيه بنسبة وصلت إلى 34.5%.

وتشير التوقعات إلى أنه مع استمرار ارتفاع أسعار النفط فسوف ترتفع  فاتورة دعم المحروقات في مصر إلى ما بين 70 و90 مليار جنيه، حيث أعدت الحكومة المصرية موازنتها التقديرية لعام 2016  عند سعر 35 دولاراً لبرميل النفط، لكنه ارتفع في الوقت الحالي إلي مستوى قد يصل إلي 55 دولاراً ما يشير إلى ارتفاع تكلفة واردات مصر من المحروقات في عام 2017 بنسبة لا تقل عن 80%.

وفي ختام البحث يعتقد الباحثون أنه  يمكن القول أن اضطراب سوق النفط العالمي يدفع في اتجاه ارتفاع أسعاره، وتتوقع وجهة النظر المتفائلة عودة أسعار النفط لمستواها ما قبل الأزمة العالمية، أي ارتفاع أسعار النفط ما فوق 100 دولار لبرميل النفط الخام، بحلول عام 2021، وستتحمل الدول المستوردة للمحروقات فاتورة استيراد مرهقة، وفي الحالة المصرية تشير بعض التقديرات إلى أن كل زيادة في سعر برميل الخام بقيمة دولار واحد تؤدي إلى ارتفاع قيمة دعم المواد البترولية بقيمة تصل إلى نحو 1.5 مليار جنيه، الأمر الذي قد يؤدي إلى عودة مخصصات الدعم إلى طبيعتها، وهنا نضع تساؤل حول من سيتحمل فاتورة الطاقة المواطن أم الموازنة العامة؟