انكماش أنشطة التكرير الصينية يضغط على النفط

استهلت أسعار النفط الخام تعاملات الأسبوع على تراجع ملحوظ بسبب الانكماش في أنشطة التكرير في الصين التي تعد من أكبر دول الطلب على النفط الخام في العالم.
وما زال السوق تحت ضغوط زيادة الإنتاج الأمريكي التي تكبح نمو الأسعار بسبب الزيادة المستمرة في منصات الحفر وارتفاعها لأعلى مستوى في أكثر من عامين فيما عزز الأسعار نسبيا حدوث تراجع مفاجئ في مستوى الإمدادات النفطية من ليبيا وانكماش الإنتاج الفنزويلي إلى مستوى قياسي.
وفي هذا الإطار، قال لـ “الاقتصادية” الدكتور امبرجيو فاسولي مدير مركز دراسات الطاقة في مدينة لوزان السويسرية، إن التباطؤ الذي حدث في أنشطة التكرير في الصين عزز المخاوف من ضعف مستوىات الطلب وكان له مردود سريع على هبوط الأسعار خاصة في ضوء استمرار زيادة الإنتاج الأمريكي وعودة حالة تخمة المعروض لتهيمن على السوق على الرغم من جهود تقييد الإنتاج.
وأوضح أنه في المقابل كبحت المزيد من الخسائر في الأسعار عوامل مثل تباطؤ الإنتاج في ليبيا والأزمة السياسية الواسعة في فنزويلا التي هبطت بإنتاج النفط الخام إلى مستوىات قياسية وتراجعت عائدات النفط بنسبة الثلث في العام الماضي ومن المرجح أن تسجل أدنى مستوى لها في 25 عاما بنهاية العام الجاري.
وذكر أن جهود “أوبك” لرفع مستوى امتثال المنتجين بخفض الإنتاج تشهد حالة من تسارع العمل المكثف بهدف سرعة استعادة التوازن في السوق قبل نهاية العام الجاري، مشيرا إلى أن وكالة الطاقة الدولية ترجح حدوث تقدم ملحوظ في ملفات تراجع المخزونات ونمو الطلب خلال أشهر قليلة بما يمكن من تعاف مرتقب في السوق.
من جانبه، أوضح لـ”الاقتصادية”، مفيد ماندرا نائب رئيس شركة إل إم إف النمساوية للطاقة، أن توقعات وكالة الطاقة الدولية ببطء استعادة التوازن في السوق واستمرار فائض المخزونات إلى ما بعد مارس المقبل – وهو موعد نهاية اتفاق خفض الإنتاج بين دول “أوبك” والمستقلين – هو ما دفع المنتجين إلى الحديث عن مد العمل بتخفيضات الإنتاج مرة أخرى حتى استعادة التوازن الكامل.
وبين أنه لن تكون هناك أي مشكلة في السوق بخصوص هذا الأمر والدليل على ذلك ما أعلنته كل من السعودية وروسيا عن ترحيبهما بتعميق التخفيضات وزيادة أمد الاتفاقية في حالة احتياج السوق إلى هذا الأمر أو عدم الوصول بعد إلى الأهداف التي تم التوافق عليها بين المنتجين وفي صدارتها استقرار السوق وامتصاص فائض المخزونات.
وقال إن المنتجين بالفعل في طريقهم إلى إصلاح معدل الامتثال المتعثر خاصة بين دول “أوبك” حيث رصدت وكالة الطاقة تراجعا نسبيا في الأشهر الأخيرة بين منتجي الاتفاقية، مشيرا إلى أن تقديرات الوكالة للزيادات في الإنتاج فوق المستوى المتفق عليه بنحو 470 ألف برميل يوميا، منوها إلى التدخلات السعودية الحاسمة في خفض الصادرات وتكثيف برنامج عمل لجنة مراقبة خفض الإنتاج للقضاء على هذه الثغرات في تنفيذ اتفاق تقييد الإنتاج.
من ناحيته، أشار لـ”الاقتصادية”، رالف فالتمان المحلل بمجموعة اكسبرو للخدمات النفطية، إلى أن بعض المخاوف من تعثر اتفاق “أوبك” تترجم سريعا إلى تراجعات سعرية ولكن الاتفاق من الواضح أنه أكثر صلابة ومقاومة لمتغيرات السوق معتبرا أن تباين الإنتاج في بعض الدول هو أمر طبيعي نتيجة عوامل سياسية واقتصادية ولكن السوق تعدل نفسها باستمرار وهناك قناعة وإصرار مستمر من كبار المنتجين على إنجاح اتفاق خفض الإنتاج على الرغم من كل الصعوبات.
وقال إن الجميع يدرك حاليا أن السوق تحتاج إلى بعض الصبر حتى تثمر جهود المنتجين بالتوازي مع نمو الطلب وتراجع المخزونات، لافتا إلى أنه يجب عدم تعجل عودة نمو الأسعار التي من المرجح أن تستمر بعض الوقت حول المستوىات الحالية ما بين 45 و50 دولارا للبرميل.
في السياق ذاته، أكد تقرير “أويل برايس” المتخصص في شؤون الطاقة أن سوق النفط لا تزال تسير على الطريق الصحيح لاستعادة التوازن على الرغم من أن الوتيرة تتسم بالبطء وتجاوب السوق يتسم بما يمكن وصفه بأنه “عنيد” تجاه تصحيح المسار، معتبرا أن توازن العرض والطلب سيستغرق بعض الوقت وهو ما نوهت إليه وكالة الطاقة الدولية في أحدث تقاريرها أخيرا.
وقال التقرير إن الوضع في السوق خلال أشهر الصيف اتسم بالتقلب المستمر ومالت الأسعار في فترات عديدة إلى الانخفاض ولكن الأمور لا تزال تسير في طريق التعافي على قدم وساق، مضيفا “على سبيل المثال انخفضت المخزونات العالمية في الربع الثاني بمقدار 0.5 مليون برميل يوميا، وتشير البيانات الأولية لشهر (يوليو) إلى استمرار الانخفاض القوي في المخزونات خاصة في الولايات المتحدة التي أظهرت انخفاضا قدره 790 ألف برميل يوميا ومع ذلك فإن المخزونات تنخفض من ارتفاعات كبيرة سابقة، ما يعني أن السوق بحاجة إلى مزيد من الوقت للعودة إلى الاستقرار المنشود”.
وأبرز التقرير بيانات لوكالة الطاقة الدولية التي تؤكد أنه حتى لو انخفضت مخزونات النفط العالمية بمقدار 0.5 مليون برميل يوميا حتى(مارس) 2018 وهو موعد انتهاء العمل باتفاقية خفض الإنتاج بين “أوبك” وشركائها المستقلين، فإن المخزونات ستبقى أعلى بنحو 60 مليون برميل فوق متوسط المخزونات في خمس سنوات.
ورجح التقرير أنه حتى لو استمرت الأمور على ما يرام، ودون أي عوائق، لن يتم التوصل إلى “إعادة التوازن” بشكل كامل التي طال انتظارها حتى(مارس) من العام المقبل ما يرجح معه حدوث تدخل جديد من المنتجين.
وفيما يخص الأسعار، هوت أسعار النفط 2 في المائة في معاملات متقلبة أمس، مع تعزز الدولار وصدور بيانات ضعيفة للطلب المحلي الصيني، ما تسبب في هبوط الأسعار بعد أن تلقت دعما وجيزا من بواعث القلق بشأن انخفاضات محتملة في إمدادات النفط القادمة من ليبيا.
وسجلت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت 51.05 دولار للبرميل بانخفاض 1.05 دولار عن إغلاق الجمعة الماضي، بحلول الساعة 17:14 بتوقيت جرينتش. وكان السعر قد لامس 50.91 دولار في وقت سابق من الجلسة.
وانخفضت عقود الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط 91 سنتا للبرميل إلى 47.91 دولار، بحسب “رويترز”.
وارتفع الدولار على نطاق واسع مع قيام المتعاملين بتصفية المراهنات على انخفاض العملة الأمريكية التي أعقبت تصاعد التوترات مع كوريا الشمالية وبيانات تضخم غير مشجعة.
وقال المحللون إن المستثمرين عادوا إلى الدولار متشجعين بتوقف حرب التصريحات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون.
وتأثرت أسعار النفط أيضا بأنباء تراجع استهلاك الخام في مصافي التكرير الصينية في (يوليو) الماضي.
وأكد المحللون أن التراجع فاق التوقعات، ما أدى إلى تفاقم المخاوف من انحسار الطلب الصيني على النفط بفعل تخمة المعروض من منتجات الوقود المكررة.
وعلى مدار الأسبوع الماضي فقدت أسعار النفط نسبة 1.5 في المائة، في ثاني خسارة أسبوعية على التوالي، مع تجدد مخاوف تخمة المعروض، خاصة بعد ارتفاع إنتاج “أوبك” وتراجع نسبة الامتثال بتنفيذ اتفاق خفض الإنتاج العالمي.
وأعلنت شركة بيكر هيوز للخدمات النفطية يوم الجمعة الماضي، ارتفاع منصات الحفر في الولايات المتحدة بمقدار ثلاث منصات، إلى إجمالي 768 منصة، وهو أعلى مستوى للمنصات العاملة منذ (أبريل) 2015.
ويعزز هذا الارتفاع تكهنات تسارع إنتاج النفط الصخري الأمريكي خلال الأسابيع المقبلة، ومتوسط إجمالي إنتاج النفط الأمريكي حاليا حول 9.43 مليون برميل، وهو أعلى مستوى منذ (يوليو) 2015
وفي الصين وعلى حسب بيانات المكتب الوطني للإحصاءات تراجع تكرير النفط في البلاد خلال (يوليو) الماضي بأسرع وتيرة خلال ثلاث سنوات، وانخفض إنتاج النفط في البلاد من أعلى مستوى في عام، الأمر الذي آثار موجة من الشكوك تجاه مستوىات الطلب في أكبر مستورد للنفط حاليا بالعالم.
وفي ليبيا تراجع إنتاج النفط إلى نحو مليون برميل يوميا، مع انخفاض إنتاج حقل الشرارة ” أكبر حقل في ليبيا” إلى 200 ألف برميل من 300 ألف برميل يوميا، ويعاذ ذلك الانخفاض إلى تهديدات أمنية واستمرار التوترات السياسية في البلاد. وتراجعت سلة خام “أوبك” وسجل سعرها 49.37 دولار للبرميل يوم الجمعة الماضية مقابل 50.70 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” أمس، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 14 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق انخفاضا في إطار تقلبات سعرية متواصلة على مدى الأسبوع الماضي.

Print Friendly, PDF & Email