الغاز السعودي .. استراتيجية جديدة للطاقة

تمضي المملكة قدما على صعيد رفع الاعتماد على الغاز الطبيعي، لأسباب عديدة، من بينها تعزيز حماية البيئة، بينما يعد الغاز المادة الأكثر نظافة قياسا بالنفط ومشتقاته. وفي السعودية إمكانية كبيرة في هذا المجال، ليس فقط في الجانب المتعلق بالاحتياطيات من الغاز، بل أيضا من جهة الاعتماد الكلي على الكفاءات الوطنية السعودية في القيام بأعمال الإنتاج والتوزيع والضغط وغير ذلك مما يتعلق بإنتاج الغاز الطبيعي. وهذا الجانب على وجه الخصوص، يمثل قفزة نوعية للسعودية، علما بأنه يشكل محورا رئيسا من “رؤية المملكة 2030” وبرنامج التحول المصاحب لها. فهذه “الرؤية” تركز من جملة ما تركز على التوطين المنهجي في القطاعات الإنتاجية الوطنية، وعلى رأسها قطاع الطاقة والبترول. ومن هنا يمكن النظر إلى محطة الضخ رقم (3) التي تبعد 100 كلم متر عن الرياض، على أنها مشروع آخر جديد، يمضي قدما باستراتيجية المملكة التنموية، ويعزز آليات “الرؤية” الماضية أيضا قدما في تحقيق أهدافها. شبكة الغاز السعودية الرئيسة تعتزم رفع مستوى طاقتها إلى 9.0 مليار قدم مكعبة يوميا في نهاية العام الجاري، وهذا يتطلب مزيدا من العمل في هذا الاتجاه. والمحطة الثالثة (بعد الاثنتين الرئيستين) ستساعد على مزيد من الإنتاج، لتحقيق الهدف العام في البلاد المتعلق بالغاز الطبيعي. المهم، أن المحطات الثلاث تدار وتعمل بسواعد سعودية خالصة، حققت نجاحات كبيرة في مجال تخصصها، إلى درجة أنها حصلت على جائزة عالمية في الامتياز حتى قبل أن يتم استكمال المشروع، وهو أمر لا يحدث عادة في أي مجال من المجالات. المشروع يتضمن (كما أعلنت “أرامكو”) مد 960 كيلو مترا من الأنابيب بقطر 56 بوصة. إضافة طبعا إلى متطلبات أخرى للتشغيل. وهذه خطوة متجددة في الواقع في سياق سياسة الطاقة في المملكة. ويبقى الكادر الوطني هو الأهم، فهو ينفذ استراتيجية وطنية بعيدة المدى في قطاع هو الأهم على الإطلاق في أي بلد كان. وبات واضحا أن الخبرات الوطنية السعودية تتعاظم أيضا، من خلال التدريب والتأهيل والابتعاث خصوصا في المجالات الحيوية التي تخدم “رؤية المملكة 2030”. والمشروع بحد ذاته يخدم اقتصاد البلاد، وفقا للمسؤولين في “أرامكو” حيث سيتيح لها الإيفاء بالتزاماتها بتزويد غاز البيع إلى مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، ومحطة توليد الكهرباء المتكاملة “رابغ 2”. وفي كل الأحوال لا يمكن النظر إلى هذا المشروع إلا من الزاوية الاستراتيجية الشاملة المتعلقة بعملية بناء الاقتصاد السعودي، لمواجهة التحديات المستقبلية، والمتغيرات المتوقعة وغير المتوقعة، علما بأن المملكة اتجهت عمليا منذ عدة سنوات إلى تغيير استراتيجية الطاقة، بما في ذلك إطلاق مشاريع للطاقة المتجددة. وقد ثبت من خلال تأكيدات جهات دولية مختصة، أن بإمكان السعودية تحقيق منجزات هائلة في هذا النوع من الطاقة، تماما كما تحققت الإنجازات في مجالات الطاقة التقليدية، بما فيها الغاز الطبيعي. وهذا الأخير يمثل (كما هو واضح عالميا) خيارا أفضل على صعيد البيئة، بما في ذلك استخدامه في توليد الكهرباء. المهم، أن مسيرة التنمية في المملكة تشمل بصورة أساسية الطاقة بكل أنواعها. وأي خطوة في هذا الاتجاه هي في الواقع قفزة نحو مزيد من تحقيق الأهداف، خصوصا تلك التي تمثل محورا رئيسا في المنظور العام للاستراتيجية الشاملة.

Print Friendly, PDF & Email