د. يعقوب الشراح
اعتاد الناس على النفط كمصدر أساسي لقوتها بعد ما أدمنت عليه لدرجة صعوبة التخلص منه أو حتى قبول فكرة أن النفط مصدر ناضب في يوم من الأيام. وهذه الفئة تتخيل أن عدم وجود النفط يستحيل لها الحياة، خصوصاً أنها تعودت على الرفاهية، والكسل والراحة والشعور بالأمن الاجتماعي والاقتصادي. إن الإدمان على النفط لا يساعد المدمنين على تصور أن طريق النجاح وتحقيق الرفاهية لا يقتصر على هذا المورد الناضب، فالكثير من الدول ليست لديها نفط، لكنها أغنى من دول تعتمد على النفط كمصدر أساسي أو وحيد لاقتصادها…
ومع قناعتنا بأن الخروج من سجن الاعتماد على النفط لعقود طويلة لن يكون سهلاً من دون إرادة ووعي بأهمية إيجاد بدائل اقتصادية، فالكثير من الدول جنبت نفسها عناء الفقر والتخلف، واستبدلتها بتفوق وتميز عززت قدراتها على مواجهة التحديات، والاستغلال في الرأي، وعدم الاعتماد على الغير أو التبعية للدول وهيمنتها، بل على العكس، فان النهضة في الدول الفقيرة عززت مكانتها الدولية وأصبحت محل احترام الآخرين لجهودها وإنجازاتها. والأمثلة على ذلك كثيرة لدول مثل ماليزيا وسنغافورة وتايوان وهونغ كونغ ودبي وكوريا الجنوبية وغيرها، لم تمتلك أصلاً النفط، فقد بدأت من لا شيء وانتهت إلى تملك كل ما تريد.
والسؤال: كيف يحدث التحول من مورد أو موارد اقتصادية لأخرى في أوضاع غاية في الصعوبة والتعقيد؟ كل التجارب الدولية في مجالات أتاحت بدائل اقتصادية ظلت وما زالت تعتمد على التنمية البشرية، أي رأس المال البشري الذي يفكر ويقود كل شيء في المجتمع. فهذه التنمية البشرية لا تعني الإعداد العشوائي للشباب في المدارس والجامعات ومؤسسات التدريب والعمل، وإنما تعني التخطيط الواعي لها في ظل احتياجات الدولة واستراتيجيتها البعيدة المدى.
إن العيش بلا نفط يتطلب نقلة نوعية في نظام التعليم في البلاد، وإحداث تغييرات جوهرية بعيدة عن الشعارات والكلام الذي لا يفيد في شيء، انه تغيير كما قال رئيس سنغافورة السابق لي كوان يو، يتطلب تحديداً للهدف والمرامي، والاتفاق الوطني على تبنيه، والوضوح في الإجراءات، ونظاماً نوعياً ملزماً وعالي الدقة، وقيادة متمرسة توجه دفة السفينة في الاتجاه السليم من دون مجاملة أو تردد في محاسبة كل مقصر. فلقد رأى لي كوان يو أن الاستثمار في البشر هو الاقتصاد، وأن أفضل وسيلة، هي العمل على جذب استثمارات الشركات المتعددة الجنسيات مع توفير الفنيين المهرة، والحرص على استدامة البنية التحتية والظروف الاجتماعية.
فليست هنالك خيارات أمام العيش بلا نفط إلا أن تكون أو لا تكون، الانهيار أو الصمود. إن آليات النجاح كثيرة إذا أحسن استخدامها واختيارها، لاسيما وأن تجارب الدول تؤكد نجاحها. فلابد من إيجاد مصادر بديلة للطاقة، وخفض كلفة استهلاكه، والحفاظ عليه. وهذا يستدعي تنمية بشرية مناسبة للتعامل مع المصادر البديلة عن النفط كالطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح أو الطاقة النووية والهيدروجينية.
لا نريد أن يكون الإدمان على النفط سببا في تعطيل التنمية، ودافعا للاستهلاك غيرالمبرر، وهدرا في الموارد، وربما عاملا محفّزا للفساد والكسل والاعتماد على الآخرين، وهي سمات للأسف ما زلنا نتمسك بها بكل قوة، ولا نريد الخروج منها رغم فهمنا أنها الطريق للانهيار