خطة الكويت الإنمائية الأولى 1952 نافذة النفط

في عام 1951 كانت الكويت إمارة، تتكون من بيوت بُني أغلبها من الطين، ويحيط بها سور طيني يحمي مساحة لا تتعدى بضعة كيلومترات مربعة. وفي عام 1952 قرر الكويتيون أن يؤسسوا دولة حديثة في غضون 10 سنوات، أي أن يتم إعلان هذه الدولة في عام 1961. وحقق الكويتيون ما أرادوا، فأصبحت الكويت دولة عضواً في هيئة الأمم المتحدة، معترفاً بها في العالم، وعضواً في مجلس الجامعة العربية.

كيف حقق الكويتيون هذا الإنجاز في هذه الفترة المحدودة؟

بدأت الكويت برنامجاً اسمته «الإنشاء والتعمير» في عام 1951. هذا البرنامج جاء ليحقق رؤية حاكم الكويت والكويتيين آنذاك الشيخ المرحوم عبدالله السالم الصباح، وتتمحور هذه الخطة حول رفع معيشة المواطن الكويتي، من خلال توفير فرص العمل لكل الكويتيين بمرتبات عالية وإنشاء خدمات طبية حديثة للكويتيين والوافدين، وتحقيق أعلى مستوى من التعليم لكل الكويتيين. أما بشأن الإسكان فقد تم تثمين بيوت المواطنين بأسعار مجزية، يتم دفعها لكل الكويتيين لتمكنهم من بناء بيوت حديثة.

واهتمت الخطة بالبيئة، فرصدت أموالاً لبناء حدائق ومرافق ترفيهية ورياضية في كل المناطق الحديثة، وركزت الخطة على توسعة محطة تقطير المياه وبناء محطات جديدة لتوفير الماء كمصادر أخرى، لتصل حصة المواطن من الماء 50 غالونا يوميا، وهو المعدل المعمول به في أوروبا آنذاك، وقد تم تركيز الجهود على محطات تقطير المياه الحديثة ذات التقنيات، التي انفردت الكويت في استعمالها على مستوى العالم.

أما الكهرباء فتم توفيرها لجميع الكويتيين والوافدين بما يعادل حصة المواطن في أوروبا أيضا.

مما ورد من أقوال الوافدين، الذين كانوا يفدون إلى الكويت بشكل متكرر في تلك الفترة، إنهم إذا غابوا 3 شهور ثم عادوا إلى الكويت فإنهم لا يعرفون طريقهم إلى أعمالهم من كثرة التحديثات والمشاريع التي تعنى بالبنية التحتية، من طرق ومرافئ ومشاريع الاتصالات المستجدة، وبناء المرافق المدرسية والرياضية وغيرها.

وقالوا اإن برنامج الإنشاء والتعمير تم إنجازه بكامل مشاريعه في عام 1957.

رصدت الكويت لإنجاز تلك الخطة مبلغا وقدره 90 مليون جنيه إسترليني، وعكس هذا المبلغ الكبير عزيمة وجدية وتصميم الحكومة الكويتية والشعب على أن تصبح الكويت دولة الرفاه في منطقة الشرق الأوسط في أسرع وقت ممكن.

كانت أولى المخاطر التي أحدقت بتلك الخطة أن هذا المبلغ الكبير يحول دون رصد مبالغ للاستثمار الخارجي، تكون كافية لإسناد هذه الخطة في حال أي انخفاض مستقبلي لإيرادات النفط، مما ينطوي على ذلك تعريض المشاريع التنموية في الخطة للفشل وعدم الاستدامة.

وقد كان الخبراء الإنجليز يحاولون عرقلة خطة الرفاه بتسميتها بالخطة «الخارقة»، وهددوا الحكومة الكويتية بأن هذه الخطة ستتعرض لمستجدات لم يتم أخذها في الاعتبار، أهمها مخاطر حدوث هجرات بشرية للكويت من كل أنحاء الشرق الأوسط.

رغم الضغوط، فإن الحكومة مضت في خطتها، وقامت بتأسيس مجلس الإنشاء عام 1952 كسلطة رقابية لضمان إنجاح الخطة الإنمائية.

للمجالس العليا دور ريادي في سن السياسات والاجراءات التنفيذية واقتراح السبل لتنفيذ مضامين الخطط لتسهيل تقييم الأداء. كما ينبغى أن يساند هذه المجالس ديوان الرقابة، الذي يسند إليه ضمان تطبيق السياسات والإجراءات التنفيذية. وتكاتف أدوار الجهات التشغيلية والرقابية والسياسات التشغيلية سيحصن نجاح الخطط وإنجازها لأهدافها.

عندما ننظر إلى نجاحات الماضي لا ينبغي التحسر على الحاضر، بل ينبغي الاستفادة من الإنجازات والإخفاقات على حد سواء. فما ذكرناه أعلاه يؤكد، من جانب الإنجازات، أن الكويت حاكما ومحكوما قادرة على تحقيق الرؤية التي تريد شريطة أن تكون الرؤية واضحة للجميع. من سبقنا قرر أن تكون الكويت عضوا في الأمم المتحدة في غضون عشر سنوات، وهذا هدف واضح وجلي لا يقبل التخمين إطلاقا. وإذا كانت عشر سنوات كافية آنذاك لنقل كيان إمارة إلى كيان دولة، فإن الكويت اليوم قادرة على أن تكون أهم دولة نفطية في العالم في غضون أقل من عشرة سنوات. كانت الصحافة العالمية آنذاك تطلق على الكويت في الخمسينات أنها عاصمة النفط في العالم، ولكن الجيل السابق لم يدرك هذه الفرصة إدراكا كافيا، ولو تم هذا الإدراك لأصبحت الكويت ليست فقط درة الخليج بل درة العالم أجمع.

Print Friendly, PDF & Email