التنمية صناعة الشعوب

كتب : م. أحمد راشد العربيد 

التنمية هي الإضافة، والشعوب هم صناع التنمية، والصناعة هي أساس الرخاء. سنروي في هذا المقال كيف حقق آباؤنا المؤسسون من الشعب الكويتي أحلامهم شبه المستحيلة، وكيف رسموا خارطة الطريق لتصبح الكويت وطن الرخاء، وكيف جعلوا من النفط جسراً نقلهم من قساوة الحر في الصحراء صيفاً إلى نعيم وبرودة الهواء. ومن صقيع وجفاوة البرد إلى متعة الدفء في عز الشتاء.

سارت الكويت في حقبة النهضة الصناعية في مسارين متوازيين، بينما ركز المسؤولون الرسميون على تنمية قطاع النفط وعلى وجه الخصوص عمليات الاستكشاف والإنتاج، لأنها الأكثر إيراداً للدولة، بينما تجشم الآباء المؤسسون أعباء المخاطرة بدخول مشاريع نفطية مهمة أىضاً أسست معظم أركان القطاع النفطي الذي نراه اليوم، كما خاض الآباء تجارب تأسيس مرافق ومؤسسات أخرى عظمى.

ينبغي الإيضاح أن الشركات الأجنبية التي كانت تدير القطاع النفطي كانت خاصة تخضع للقوانين الدولية وقوانين الدول التي تعمل على أراضيها، فهي أقرب للقطاع الخاص منها لجنسية دولتها.في كتابه بعنوان “أصداء الذاكرة” يستعرض العم عبدالعزيز محمد الشايع ذلك الدور الذي قام به الآباء المؤسسون من بناء أركان الإمارة لتغدو في مطلع الستينات دولة مكتملة الأركان.

كان الجيل المؤسس يؤمن أن التنمية هي الإضافة، أي المشاريع التي تحمل قيمة حضارية جديدة في شتى مناحي الحياة لتتحول الكويت من إمارة إلى دولة متحضرة.

قام هذا الجيل بتأسيس الصناعية البنكية العصرية ممثلة في بنك الكويت الوطني، وقاموا بتأسيس شركة ناقلات النفط، وشركة البترول الوطنية، وشركة البتروكيمياويات. هذه الشركات النفطية الثلاث تشكل اليوم دعامة اقتصادية عظيمة وصرحاً أساسياً في كيان القطاع النفطي الكويتي، وقد غدت الكويت بذلك في صدارة الدول النفطية في العالم.

كما قام هذا الجيل ببناء شركة المطاحن الكويتية التي تعتبر الصرح الأول الذي يصون الأمن الغذائي وشركة السينما، وهي الصرح الثاني فهو أحد صروح الانفتاح على الحضارات والعالم أجمع.هكذا كان ينظر هذا الجيل للتنمية، كل مشروع من المشاريع التي قاموا بتنفيذها كان اضافة جديدة للمجتمع والدولة الكويتية. وبهذه المساهمة الكبيرة التي اكدت مفهوم التنمية الصحيح غدت الكويت دولة مهمة للعالم اجمع.

ينبغي على القائمين على التنمية في الكويت ان يتخذوا من هذه التجربة نبراسا يميزون فيه بين المشروع التنموي من المشروع اللاتنموي. فالخطة التي تحمل عنواناً واضحاً مثل، الكويت دولة، تكون حقا خطة تنموية واضحة. اما العنوان الذي لا يحمل اضافة حضارية للناس فلن يجدي نفعا، بل يخلق مفاهيم متباينة. وكذا الحال على مستوى المشاريع. فمثلا مشروع الوصول الى توفير 8 الاف سرير في المستشفيات لا يعد مشروعا تنمويا، بل يعتبر مشروعا داعما لبنية تحتية او خدمية، بينما انشاء مصحات لمعالجة امراض جديدة هو اضافة صحية في اطار التنمية المطلوبة.

يبدو ان القائمين على التخطيط في الكويت يدركون ان التنمية حقا هي صناعة الشعوب، لكن الواقع التنفيذي لا يبدو كذلك، لذا المطلوب هو الاسراع في وضع التنمية في مكانها الصحيح، وان يقوم المسؤولون عن التخطيط بواجباتهم الحقيقية، لانهم لن يحققوا التنمية المنشودة دون ذلك. ربما اكون مخطئا أنني لا أميل كثيرا لمتابعة تقييم المؤسسات لأداء الدول ومقارنتهم بدول اخرى وخلق التنافس بينهم لتحسين الأداء، ذلك لأن هناك فوارق كبيرة بين الدول، لا يمكن معالجتها في التقييم فيؤدي الى إما الافراط في اثر هذه الفروقات او التفريط بالنتيجة. ولهذا اميل كثيرا الى التركيز على صرف الوقت الذي تستهلكه نماذج التقييم في العمل المركز لانجاز الاهداف.

وعندما اقرأ في كتاب “أصداء الذاكرة” اجد الكثير مما اتعلمه ويستحق ان يترجم الى مناهج دراسية نبدأ بها تنمية بشرية جادة مبنية على خارطة طريق الجيل الأول، لأن الكويت تستثمر في التعليم كثيرا وتجني منه فائدة قليلة، وهذه خسارة محققة لمقدرات الدولة.