«الأبوية» سبب رئيسي لتضخم الأسعار في الكويت

بقلم : ا .مروان سلامة
هناك رأي اقتصادي يدعي أن ارتفاع أسعار النفط لا يؤدي إلى تضخم أسعار السلع الاستهلاكية على المدى القصير إلى المتوسط. ويرتكز منطق هذا الرأي على أن دخل المستهلكين ثابت على المدى القصير، ويوزع (يصرف) على سلة من السلع والخدمات.
فإذا ارتفع سعر سلعة أساسية وضرورية من هذه السلة، يضطر المستهلك إلى تخصيص حصة أكبر من دخله الثابت لشراء هذه السلعة الضرورية، وتقليص مشترياته من السلع الأخرى (على افتراض ثبات العوامل الأخرى). وهذا يعني تقليص الطلب على السلع الأخرى، ما يضطر بائعيها إلى تخفيض أسعارهم ــ أي نظرياً يتحرك منحنى الطلب إلى اليسار.
لا شك أن البائعين سيعدلون إنتاجهم (ومنحنى العرض) على المدى الأطول ليلائم الطلب الجديد. ولكن أثر تقلص الطلب على المدى القصير انكماشي على أسعار تلك السلع، مما يعمل على موازنة الأثر التضخمي لارتفاع السلعة الضرورية.
وقد تم توضيح ذلك عملياً من خلال دراسة رسوم بيانية لفترة 12 سنة (2005 ــ 2017). فبمقارنة الرسم البياني لأسعار النفط مع مؤشر الأسعار الاستهلاكية الأميركية (التضخم)، وُجد أن في معظم الحالات فجوة زمنية بين ارتفاع أسعار النفط وارتفاع مؤشر التضخم (والعكس صحيح).
إذاً ما الذي يزيد نسبة التضخم؟
بناءً على ثبات دخل الناس على المدى القصير، وكذلك عدم قدرة البائعين على تغيير نمط إنتاجهم ومخزونهم بسرعة، فإن الطريقة الوحيدة لارتفاع التضخم (في المثال أعلاه) هي زيادة حجم النقد (السيولة) في الاقتصاد.
فبزيادة حجم النقد من خلال عمليات وسياسات البنوك المركزية، ومن خلال القروض المصرفية، يمكن خلق نقد إضافي جديد يوفر للمستهلكين القدرة على الحفاظ على مستوى استهلاكهم السابق، مما يضغط على الأسعار لأعلى.
الجانب السلبي لهذه العملية هو أن زيادة حجم النقد في الاقتصاد تلغي الحافز لدى المستهلكين للتفكير المتأني في خياراتهم الاستهلاكية، وتمنعهم من إرسال الإشارات الواضحة والضرورية للبائعين، الذين بدورهم لا يجدون حافزاً لتحسين أدائهم ومنتجهم. وهذا هو درب الاستهلاك المفرط الذي يؤدي إلى فقاعات اقتصادية ومالية.

سبب ثانٍ
يمكن وصف الدول الخليجية بأنها اقتصادياً أبوية الطالع، وتزود دخل الغالبية العظمى من مواطنيها، ووافديها، وقطاعاتها الخاصة. كما أن جزءاً كبيراً من هذه الاقتصادات غير منتجة، بمفهوم أنها لا توفر المنتجات والخدمات مستقلة عن طلب الحكومة، أو تلك التي يمكن تصديرها، أو حتى تلك التي يمكن أن تحل محل جبل الاستيراد، الذي يشكل السبب الرئيسي لتضخم أسعار السلع الاستهلاكية (أي التضخم المستورد).
وبذلك، يمكن اعتبار هذه السياسة الأبوية السبب الثاني للتضخم. فبالإضافة للصرف الكبير على المشاريع العامة والمشتريات من القطاع الخاص، تقوم هذه الحكومات بتوظيف كادر موظفي حكومة ضخم أكبر بكثير من حجم العمل المتوفر، وتدفع له رواتب وحوافز ممتازة جداً ومعززة بزيادات دورية سنوية، كما تهب المواطنين هبات مالية منتظمة، وتتحمل جزءاً من مصاريفهم المعيشية من خلال سياسة دعم كريمة. ففي المحصلة، تؤدي هذه السياسات إلى زيادة السيولة ومن ثم، وبغير قصد، تشجع نمو التضخم.
نعتقد بأن الأوضاع الاقتصادية العالمية الانكماشية منذ الأزمة المالية الكبرى (2008 ــ 2009) حافظت على حجم التضخم المحلي بين %3 و%4. فلو كانت الأمور طبيعية، لربما واجهنا نسبة تضخم أكبر بكثير. وهذا أمر ما زال يمكن حدوثه مع انتعاش الاقتصاد العالمي في السنوات المقبلة، فماذا ستفعل الحكومات الخليجية عندئذٍ؟ خصوصاً أن مصدة الإيرادات النفطية الضخمة قد اختفت؟
هناك عدة سبل للخروج من هذه الورطة المحتملة، ويتركز معظمها حول معالجة حكيمة للميزانيات الحكومية المتخمة، وإعادة هيكلة الكادر الحكومي، وخلق فرص إيرادات خارجية جديدة، وطبعاً كبح جماح الاستهلاك المفرط. ولكن هذه الحلول طويلة المدى، أي تحتاج إلى وقت ومال. فكلما أسرعنا في إدراك ذلك، قللنا من إضاعة الوقت الثمين، ونجحنا في تعديل توازن سفينتنا لمواجهة الأعاصير المقبلة.

Print Friendly, PDF & Email