يصعب أن تتصفح إحدى المجلات أو الدوريات المعنية بموضوعات الطاقة المتجددة وتحديدا الطاقة الشمسية، دون أن تجد موضوعا أو أكثر عن الصين ومستقبل الطاقة المتجددة في الأسواق الصينية وتحديدا الطاقة الشمسية.
فبناء على وكالة الطاقة الدولية قامت الصين عام 2016 بتثبيت أكثر من 34 جيجاوات من الطاقة الشمسية، أي أكثر من ضعف الرقم في الولايات المتحدة ونحو نصف إجمالي الطاقة المضافة في جميع أنحاء العالم في ذلك العام.
وتشير الأرقام المتاحة حاليا إلى أنه خلال الربع الأول من هذا العام أضافت الصين 8 جيجاوات أخرى من الطاقة الشمسية.
لكن قدرات الصين في مجال الطاقة المتجددة وتحديدا الطاقة الشمسية لا تقف عند هذا الحد. فحديقة لونجيانجكسيا هي أكبر مزرعة للطاقة الشمسية في العالم، كما افتتح أخيرا، مزرعة شمسية عائمة تعد أيضا الأكبر في العالم بمقاطعة انهوي. ويطلق على تلك المزرعة اسم المزرعة العائمة لأنها شيدت على منجم فحم مليء بمياه الأمطار.
يعد الدكتور دونوفان هاري المختص في مجال الطاقة المتجددة، أن الصين قصة نجاح يجب أن تحتذى.
وحول أسباب نجاح الصين يقول، ” قبل عقدين من الزمان كان حلم العاملين في مجال الطاقة الشمسية أن تنخفض أسعار ألواح الطاقة الشمسية، الصين ترجمت هذا الحلم وحولته إلى واقع، فالإنتاج الصيني الكثيف لألواح الطاقة الشمسية، جعلها في متناول الجميع وأدى إلى انخفاض تكلفة الإنتاج بشكل ملحوظ”.
لكن هذا النجاح الصيني لا يعني من وجهة نظر الدكتور دونوفان أن الصين حققت مبتغاها، فهي لا تزال في بداية الطريق – كما يقول لـ”الاقتصادية” – حيث إن إنتاج الطاقة الشمسية يمثل 1 في المائة فقط من إجمالي الطلب على الطاقة في الصين، بينما يسهم الفحم الملوث للبيئة بنحو 66 في المائة من احتياجات الطاقة الصينية، وهو الأمر الذي تسعى إدارة الطاقة الوطنية إلى تغيره بشكل جذري بحلول عام 2050، بسبب عديد من المشكلات أبرزها التلوث الهوائي الذي تشتهر به العاصمة بكين.
ولكن عديد من المختصين يعتقدون أن الطموحات الصينية أعلى بكثير من إمكانية تحقيقها واقعيا. فبحلول عام 2050 سيكون لدى الصين مزيج مختلف بشكل كبير من أنواع الطاقات المستخدمة لإشباع الاستهلاك الداخلي والحاجات الاقتصادية. وتتحدث بعض التقديرات الحكومية المتفائلة عن أنه بحلول منتصف القرن فإن 86 في المائة من الطاقة المستخدمة في الصين ستولد من مصادر الطاقة المتجددة، وستوفر الطاقة الشمسية قرابة ثلثي احتياجات الصين من الطاقة.
ويعد الباحث الاقتصادي ستيف هاويت أن قصة الصين وإنتاج الطاقة الشمسية قصة نجاح لا يمكن إنكارها، لكنه لا ينفي أيضا وجود عديد من جوانب القصور التي تحول دون تفعيل كامل القدرات الصينية في مجال توليد واستخدام الطاقة المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية.
ويؤكد لـ”الاقتصادية” أن الصين تحاول أن تضفي المنطقية على منظومة توليد الطاقة الشمسية التي تنمو بقوة وسرعة شديدة، متوقعا أن تنجح في تثبيت 17 ميجاوات من الألواح المولدة للطاقة الشمسية هذا العام، أي نحو ثلث الطلب العالمي، وذلك مقارنة بـ 2 ميجاوات فقط عام 2011.
وتابع، “لا شك أن نظام الحوافز المالية التي تقدمها الصين لمستخدمي الطاقة الشمسية، وبلغت 83.3 مليار دولار عام 2014، قامت بدور رئيس في تشجيع استخدام الأفراد والشركات للطاقة الشمسية”.
لكن ستيف يعتقد أن نظام الحوافز لا يزال ضعيفا، ما يحد إلى حد كبير من إقبال المستهلكين على استخدام هذا النوع من الطاقة النظيفة، كما أن أغلب مشاريع الطاقة الشمسية تتركز في الجزء الغربي من البلاد، بينما الكثافة السكانية تتركز في شرق ووسط الصين، وهذا يؤدي إلى عدم الاستفادة القصوى من الطاقة المولدة من مزارع الطاقة الشمسية، ومد كابلات للاستفادة من تلك الطاقة يرفع من تكلفتها ويجعلها غير اقتصادية في بعض المناطق.
من جهته، يعتقد المختص الاستثماري الن فوستر، أن مستقبل استخدام الطاقة الشمسية في الصين مرهون بحجم الاستثمارات المتوقعة في مجال البنية الأساسية.
وفي هذا الإطار، يقول لـ”الاقتصادية”، إن الصين ترمي إلى استثمار قرابة تريليون دولار خلال العقد المقبل في غرب البلاد لتطوير ما يعرف بطريق الحرير. ويضيف، “في الواقع فإن الصين بيئة استثمارية أفضل في الوقت الراهن من أوروبا، التي تمر بأوضاع مضطربة سياسيا واقتصاديا. ولذلك مزيد من الاستثمار في البنية الأساسية الصينية وتحديثها، سيسهم بشكل رئيس في مزيد من الإنعاش لسوق توليد واستخدام الطاقة الشمسية”. مع هذا يحذر الن فوستر من أن نظام الحوافز المالية التي تقدمها الحكومة لمولدي ومستخدمي الطاقة الشمسية لا يمكن أن يتسمر إلى الأبد، وإلا فإن مفهوم استخدام الطاقة الشمسية لانخفاض أسعارها سيفقد كثيرا من معناه، وهو ما يتطلب – وفقا لفوستر – رؤية جديدة على الأمد الطويل تقوم على أساس تشجيع استخدام الطاقة الشمسية عبر التوعية العامة بأهميتها، كما أن تعزيز التنافسية الحرة في السوق المحلي سيسهم بشكل كبير في خفض التكلفة الإنتاجية وسعر الوحدة المنتجة من الطاقة الشمسية.
ويرجح بعض الخبراء أن يقوم التقدم التكنولوجي الذي تحرزه الصين في مجال تطوير ألواح الطاقة الشمسية بدور رئيس في إحراز نقلة نوعية في مجال توليد واستخدام الطاقة الشمسية، وذلك عبر إحداث خفض ملموس في تكلفة تركيب ألواح الطاقة الشمسية، ما يسمح بإدخال فئات اجتماعية جديدة ضمن المجموعات المستهلكة للطاقة الشمسية، سواء في الصين أو خارجها عبر فتح أسواق جديدة للشركات الصينية في الخارج.
الرئيسية تقارير