اتفاق شركات السيارات يهدد سمعة الصناعة الألمانية

في عام 1972، قبل عقود من تولي بوب لوتز منصب نائب رئيس مجلس إدارة شركة جنرال موتورز، كان هذا الشاب الأمريكي السويسري رئيساً طموحاً للمبيعات في شركة بي إم دبليو في ألمانيا.
بعد ذلك، تبيّن أنه طموح فوق الحد. في أحد الأيام، استدعاه الرئيس التنفيذي في شركة بي إم دبليو، إيبرهارد فون كونهايم، للقيام برحلة في سيارة يقودها سائق من قاعدة الشركة في ميونيخ، إلى المقر الرئيس لشركة ديملر-بنز في شتوتجارت، للقاء رئيس الشركة المنافسة.
عقب احتساء القهوة، تعرّض لوتز، وبدون مجاملة، لانتقادات غاضبة بسبب بيع الكثير من سيارات الصالون الكبيرة بمحرك 6 سلندرات والسيارات ذات البابين.
صاح يواكيم زاهن، الرئيس التنفيذي لشركة ديملر، قائلا: “السيارات بمحرك 6 سلندرات هي اختصاصنا! كما نصنع أيضاً السيارات بمحرك 4 سلندرات، ولكننا نتفق أن هذا مجال جيد لشركة بي إم دبليو، أيضاً. أنتم تصنعون سيارات جيدة بمحرك 4 سلندرات.
بالتالي عليكم التركيز على تلك النوعية من السيارات. ومن جانبنا، سوف نُخفف من تصنيع ذات الأربع أسطوانات”.
بالنسبة للوتز، الذي يروي الواقعة “الغريبة” في كتابه الصادر عام 2013 “الرموز والأغبياء”، كان ذلك تثقيفا صارخاً عن الاختلافات الثقافية بين الرأسمالية الإنجليزية الساكسونية التي تتسم بتنافس لا يرحم، ونهج الصناعات المتنافسة في ألمانيا، التي تتسم بأنها الأكثر تعاونية نحو الأعمال، في العالم.
في حديث خاص لصحيفة فاينانشيال تايمز قال إن: “تلك المحادثة أزعجت عقلي الأمريكي الساذج فوق التصور. كنت أحاول تصوّر الرئيس التنفيذي لشركة جنرال موتورز يأمر هنري فورد الثاني بالحضور إلى مكتبه لتشجيعه على التوقف عن صناعة سيارات فاخرة”.
اليوم، تتعرّض شركات صناعة السيارات في ألمانيا للهجوم بسبب ممارسات مزعومة مماثلة. المجموعات الثلاث الكبيرة في البلاد، فولكس واجن، وديملر بنز وبي إم دبليو، ووحدات شركة فولكس واجن بورش وأودي مُتّهمة بعقد اجتماعات سرية والتواطؤ على التكنولوجيا.
كانت شركات صناعة السيارات منذ التسعينيات تلتقي في مجموعات عمل سرية للاتفاق على تكلفة المكوّنات واختيار المورّدين، وذلك وفقاً لمقالة نُشرت في صحيفة دير شبيجل الأسبوعية الألمانية.
ويُزعم أن المناقشات كانت تغطّي التكنولوجيا من البنزين إلى محرّكات الديزل إلى الكوابح، ودواسات القابض وأجهزة نقل الحركة.
نتيجة لذلك، أطلقت بروكسل تحقيقاً بخصوص ما إذا كان هناك ائتلاف يجمع بين شركات صناعة السيارات في ألمانيا.
ويأتي في الوقت الذي يحاول فيه قطاع السيارات الأوروبي من قبل استيعاب أكثر من خمسة مليارات يورو من غرامات الاتحاد الأوروبي المفروضة في العقد الماضي.
المفوضية الأوروبية، التي بدأت أيضاً بإقامة دعوى قانونية ضد ألمانيا وبلدان أخرى لعدم احترامها قيود انبعاثات الاتحاد الأوروبي على سيارات الديزل، تستعرض المعلومات التي أُرسلت إليها.
بالنسبة لألمانيا وشركات صناعة السيارات فيها، تُثير هذه المسألة أسئلة عميقة حول ثقافة الأعمال غير العادية الشبيهة بالأخوية الجامعية في البلاد.
على سبيل المثال، تعمل الشركات في بلدان صناعية أخرى أيضاً معاً في بعض الأحيان على المعايير البيئية، لكن القلق في ألمانيا هو أن أعواما من التعاون لتوحيد معايير المنتجات ربما تكون قد تحوّلت إلى مناقشات غير قانونية، شبيهة بما يصدر عن تكتل حول نوع التكنولوجيا التي يجب استخدامها للحفاظ على تكاليف منخفضة، وتلبية القيود الصارمة على نحو متزايد على الانبعاثات.
على الرغم من أن تحقيقات مفوضية الاتحاد الأوروبي لا تزال في مرحلة أولية، إلا أن التحقيق الكامل يُمكن أن يضع النموذج الكامل لصناعة السيارات الألمانية تحت تدقيق غير مسبوق، ويؤدي إلى غرامات بمليارات الدولارات.
كما يُمكن أن تضع قضية التكتل أيضاً الضغط على حكومة أنجيلا ميركل وتُثير التساؤلات حول علاقتها الوثيقة مع شركات السيارات.
كانت المستشارة تضغط باستمرار لحماية مصالح شركات صناعة السيارات وضمان صحة القطاع الذي يوظّف 800 ألف شخص، ويولّد نحو خُمُس الإيرادات الصناعية في ألمانيا.
المسؤولون التابعون لها، على سبيل المثال، تدخّلوا مراراً وتكراراً في بروكسل لتخفيف القيود المُقترحة على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من السيارات الجديدة التي تُباع في الاتحاد الأوروبي.
حتى الوزراء يعترفون بهذا. تقول باربرا هندركس، وزيرة البيئة، “في كثير من الأحيان في الماضي، كانت الدولة قريبة فوق الحد من صناعة السيارات”.
الضغط الألماني في بروكسل ضد تنظيمات انبعاثات الاتحاد الأوروبي أدى في النهاية إلى إلحاق الضرر بالصناعة على المدى الطويل. تُضيف: “استكنت الصناعة إلى شعور زائف بالأمن، ونتيجة لذلك لم تستثمر بما فيه الكفاية في تكنولوجيا القيادة الجديدة”.
الاتهامات بأن الصناعة تتصرف على شكل تكتل تُشير إلى بعض التهاون في بعض شركات صناعة السيارات الألمانية الكبيرة بشأن القوانين التنظيمية.
تجد صدى لذلك في نتائج ميريام موثيل، أستاذة السلوك التنظيمي في كلية إدارة الأعمال في جامعة WHU أوتو بايسهايم، التي لاحظت وجود نقص نسبي في “الذكاء القانوني” في عالم الشركات الألمانية.
تقول: “المديرون الألمان أقل إدراكاً للعواقب المالية المترتبة على مخالفة القانون من نظرائهم في الولايات المتحدة. ليس هناك إدراك كبير بأن الغرامات التي تفرضها الهيئات التنظيمية لانتهاك القانون “يُمكن أن تكون أحياناً كبيرة جداً، بحيث يُمكن أن تُدمر الشركة”.
كل من شركتي فولكس واجن وديملر بنز أبلغت ذاتياً عن الأنشطة التي يُدَّعى أنها شبيهة بعصبة الشركات ضمن تكتل، إلى لهيئات التنظيمية المسؤولة عن مكافحة الاحتكار.
شركة ديملر بنز تصرّفت أولاً، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت أي من الشركتين قد طلبت أن تُعطى صفة “المُبلِّغ عن المخالفات” بهدف الحصول على الحصانة.
محاولة رسمية من الشركتين لتتخذ صفة المُبلِّغ عن المخالفات ستكون مهمة لأنها بمثابة اعتراف بأنه وقعت أنشطة من المحتمل أن تكون غير قانونية.
بموجب قواعد الاتحاد الأوروبي، الشركات التي تُقدّم طلباً رسمياً من أجل الحصانة أو التسامح تُعلن عن وجود ما يُشتبَه بأنه تكتل، والمشاركين فيه وطول مدته.
مع ذلك، فإن الطريقة التي قدّمت فيها الشركتان الأدلة لا تزال غير واضحة.
وقال أحد المُطّلعين في شركة فولكس واجن إن الشركة سلّمت المواد للمحققين لكن بدون الاعتراف بالذنب.
واحد من أخطر الادعاءات هو أن شركات صناعة السيارات وافقت على استخدام خزانات صغيرة غير مُكلفة فقط للمحلول السائل AdBlue، الذي يعمل على تحييد انبعاثات العادم في سيارات الديزل.
في الأيام القليلة الماضية، تلقّت سلطة التكتلات في ألمانيا معلومات جديدة من شركة فولكس واجن، تعطي تفاصيل الأدلة على ارتكاب مخالفات، وذلك وفقاً لأحدث طبعة من صحيفة دير شبيجل.
بعد اجتماع في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2006، كتب مدير شركة فولكس واجن إلى منافسيه: “الجميع يُريد حدا” على كمية AdBlue التي تُحقَن “بسبب الحجم المحدود لخزانات اليوريا. لا أحد يُريد إبلاغ السلطات عن الدافع الحقيقي لهذا الحد”.
شركتا ديملر وفولكس واجن رفضتا التعليق على المزاعم، في حين أن شركة بي إم دبليو نفتها بشكل قاطع.
شركة بي إم دبليو تقوم الآن بمراجعة تحالفاتها المستقبلية مع شركة ديملر، وذلك وفقاً لشخص مُطّلع في الشركة، على الرغم من أن المجموعة تنفي وجود أي شيء غير لائق بشأن ممارساتها وتُشدد على فوائد التعاون.
في الواقع، فإن سيرجيو ماركيونه، الرئيس التنفيذي لشركة فيات كرايزلر للسيارات، كان قد سأل في بيان له في عام 2015: لماذا لا تعمل شركات صناعة السيارات في العالم معاً لتجنّب تكرار الجهود، وتحرير ميزانيات التطوير من أجل استخدامها في التكنولوجيات. وأشار أنه بتلك الطريقة، يُمكنها تطوير تكنولوجيات ستكون مميزة حقاً.
المطالب التكنولوجية على صناعة السيارات في مجالات مثل الانبعاثات والتحوّل إلى الكهرباء ربما تكون أيضا قد جعلت التعاون حيوياً.
المناطق الرمادية حتمية، لكن بالنسبة إلى لوتز، للمسؤول التنفيذي السابق في شركة جنرال موتورز، تظل المشكلة أعمق من ذلك.
ويقول إن المحادثة بين شركتي بي إم دبليو وديملر التي شهدها في السبعينيات كانت “مبادرة غير قانونية لتقاسم السوق”.
في ذلك الحين، توقّع من رئيسه في شركة بي إم دبليو، فون كونهايم، أن يُدافع عنه.
بدلاً من ذلك، فون كونهايم ونظيره في شركة ديملر، زاهن، اتفقا على عدم التعدّي على أراضي بعضهما بعضا.
في رحلة العودة إلى قاعدة شركة بي إم دبليو في ميونيخ، طُلب من لوتز عدم القلق – حيث إن مالكي مجموعتي السيارات هما صديقان، لذلك لم يكُن هناك ما يُمكن كسبه من خلال المواجهة.
الدرس غير المريح للمسؤول التنفيذي الشاب كان واضحاً: في عالم السيارات “الرؤساء التنفيذيون في ألمانيا أكثر استعدادا بكثير للدخول في تفاهمات مشبوهة قانونياً مع المنافسين من نظرائهم الأمريكيين”.
بالنسبة لألمانيا، حتى إذا أثبت التحقيق بخصوص التكتل أنه دليل مُضلل أو فشل في العثور على أي دليل قوي على التواطؤ، فإن ذلك قد يُلقي سحابة طويلة ومظلمة على طريقة ألمانيا التوافقية في ممارسة الأعمال.

Print Friendly, PDF & Email