اتفاقية الامتياز النفطي لعام 1934

بقلم : المهندس أحمد العربيد
لن تكتمل معرفتك النفطية بتاريخ نفط الكويت ما لم تقرأ اتفاقية الامتياز الأولى، التي وقعها المرحوم الشيخ أحمد الجابر الصباح بصفته حاكماً لإمارة الكويت، مع تحالف كارتيل من شركتين هما شركة النفط الإنكليزية الفارسية المحدودة، وهي شركة إنكليزية، وشركة نفط الخليج، وهي شركة أميركية. وقامت الشركتان بتأسيس شركة تقاسما فيها حقوق الملكية بنسبة متساوية %50. وأطلقا على الشركة الأخيرة اسم شركة نفط الكويت المحدودة. هذه الاتفاقية تم توقيعها في 23 ديسمبر 1934. دخلت الكويت سريعا بعد توقيعها الاتفاقية في عالم جديد من العلاقات الدولية، وتنسمت عبير التنمية الحقيقية، وبدأ علمها يرفرف في محافل المؤتمرات والمنظمات العالمية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة ومجلس الجامعة العربية.
لاشك أن دخول الكويت في هذا النادي العالمي الكبير كان يتطلب منها قدرة كبيرة على التعامل مع كل متطلبات هذا النادي في ما يتعلق بالصناعة النفطية، وعقودها ومفاهيمها وهيئاتها ومدارسها الفنية وساحاتها التجارية ومراكزها السياسية. فكان من الطبيعي أن يستغرق دخولها هذه الصناعة وقتا طويلا، يمكنها من تحقيق مصالحها بحنكة مهيبة ودبلوماسية حكيمة، استغرقت هذه المدة ما يقارب من 35 عاماً في التفاوض مع الدول المعنية في الإقليم والشركات العالمية المختصة بالصناعات النفطية.
أولى المصاعب التي واجهتها الكويت هي انعكاسات الفوارق الحضارية بين الجانبين، بينما يمثل المالك حضارة الإسلام، كان الآخر وهو المقاول يمثل الفكر الغربي التجاري الحديث آنذاك.
على سبيل المثال، كانت هناك ثلاثة مفاهيم متباينة بين الطرفين في ما يتعلق بالسيادة، والملكية، وسلطة القرار.
ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في المادة رقم 1 من الاتفاقية، من إصرار الشركات الأجنبية على أن تكون منطقة البحث عن النفط، التي تملك الشركة حقا كاملا فيها، هي كل أراضي الكويت ومياهها الإقليمية، وأن تملك الشركة الحق في التصرف في ملكية النفط. أما العوائد المالية للإمارة فإنها تكون 3 روبيات عن كل طن إنكليزي من النفط (أي نصف روبية للبرميل الواحد). كان تقسيم العوائد النفطية بين الإمارة والشركة %15 للامارة مقابل %85 للشركة، باعتبار أن الشركة تتحمل كامل المخاطرة في هذا المشروع.
بينما ترى الشركات الأجنبية أن الاتفاقية لا تمس السيادة، إذ إن سيادة الدول مصانة وفقا للمواثيق الدولية في هيئة الأمم المتحدة. وترى الشركات أن ملكية الثروات النفطية لا خلاف على أنها للشعب، وإنما نقلها للمقاول هو نقل مؤقت طالما العقد قائم، وحيث إن العقد له مدة زمنية، فهذا ينفي ملكية المقاول له. وسلطة القرار يراها المقاول ضرورية لضمان حسن سير إدارة المرفق، إذ لو أدار المرفق من لا يملك الخبرة في هذه الصناعة فهذا لا يضمن حسن اتخاذ القرار.
كانت هذه المفاهيم آخذة بالانتشار بين الدول المنتجة للنفط، وجرى تقبلها واستيعابها، لكنها في حقب زمنية أخرى لم تجد لها عند الشعوب تقبلا، ودخلت الشعوب في مواجهة مع الشركات، وعلى وجه الخصوص في دول المكسيك وفنزويلا وإيران.
هذه النوعية من العقود تسمى عقود الامتياز أو عقود الضريبة والإتاوة. وننشر بعض المواد التي جاءت في اتفاقية الامتياز الكويتية، التي احتوت على مثل هذه المسائل.
تصدت اندونيسيا بالبحث عن صيغة تعاقدية تأخذ بالاعتبار الفروقات الحضارية بين الفكرين في إدارة الثروات الطبيعية، وخرجت في أوائل الستينات بصيغة جديدة اسمتها عقود المشاركة في الإنتاج أو المشاركة في العوائد، وقد نجح هذا النمط من العقود نجاحا كبيرا، تقبلته الحكومات وتبنته منظمة الدول المصدرة والمنتجة للنفط (أوبك)، وهو يعتبر اليوم النمط الأفضل من بين الأنماط جميعها.
هذا النمط قلب الموازين رأساً على عقب، إذ تم تصحيح قسمة العوائد النفطية بين الطرفين، بحيث أصبح نصيب الدولة %85، ونصيب الشركات %15.
هذه النسب غير ثابتة، إذ تتوقف على رأس المال المطلوب والتكلفة السنوية للتشغيل وغيرها من تكاليف أخرى.
وفي مطلع التسعينات من القرن الماضي، طرحت فنزويلا صيغة أخرى لهذه العقود النفطية تعالج فيها الخلافات السياسية، التي نشبت في دول نفطية كثيرة، بشأن قضية الملكية على وجه التحديد، وأطلقت اسم اتفاقيات الخدمات على هذا النمط الجديد، وقد ثبت نجاحه لدى كثير من الدول. قدمت الكويت في عام 2000 نموذجا مشابها لما أطلقته فنزويلا ومطابقا للدستور الكويتي، لكنه لم يحز على القبول السياسي.
تلقف العراق النموذج الكويتي وعمل به وتمكن من تحقيق نجاحات كبيرة في رفع إنتاجه النفطي في فترة وجيزة بفضل هذا النموذج.

Print Friendly, PDF & Email