إنتاج النفط في القرن الحادي والعشرين

إن المستجدات في تصوير باطن الأرض والحَفر الموجه وفي إنتاج النفط من تحت المياه العميقة، ستسمح باستخراجٍ متزايدٍ لما هو كامن في الأعماق.

على ما يظهر، فإن الصورة المعهودة للنفط (المادة الخام الرخيصة والسهلة الاستثمار والتي تشكِّل أكثر من 95% من النفط المنتج حتى الآن) تبدو قاتمة. ولكن تبعا للتوقعات في عام 2010، ستحتاج اقتصاديات العالم المتعطشة للنفط إلى نحو عشرة بلايين برميل من النفط، زيادة على ما ستكون الصناعة النفطية قادرة على إنتاجه حينذاك. وهذا يعني نقصا في الإمداد بالنفط، يساوي نحو نصف إنتاج العالم منه عام 1997، قد يقود إلى هزات عنيفة في الأسعار وركود اقتصادي، وقد يؤدي أيضا إلى صراعات مسلحة.

ولكن هناك لحسن الحظ، أربعة تجديدات تقانية رئيسية جاهزة لملء الجزء الأكبر من هذه الفجوة، وذلك عبر تسريع الاستكشاف لمكامن نفطية جديدة، وعبر زيادة مؤثرة في نسبة النفط الذي يمكن استخراجه من الحقول الحالية بفائدة اقتصادية مقبولة، وهي النسبة المعروفة بمعامل الاستخراج recovery factor؛ فبحلول عام 2010، يمكن لهذه التقانات رفع معدلات إنتاج النفط في العالم إلى أكثر من %2، وذلك في حال تطبيقها، حسب ما هو مخطط لها، على أكبر الحقول النفطية خلال الثلاث إلى الخمس السنوات المقبلة. ولكن مثل هذا التبني السريع يمكن أن يبدو طموحا بالنسبة إلى صناعة، احتاجت تقليديا إلى ما بين 10 و 20 عاما لإدخال تقانات جديدة في الاستخدام. لذا يجب، في مثل هذه الحالة، دفع تغيير كهذا بقوى اقتصادية هائلة.

يعرض المسح السيزمي صورة مجسّمة (ثلاثية الأبعاد) للطبقات الصخرية تحت سطح الأرض كمقطع شاقولي واحد في زمن معين، حيث ترتد الأمواج الصوتية، المتولدة على سطح الأرض، عند السطوح الفاصلة بين الصخور العادية وتلك الحاملة للنفط (بني غامق) أو الماء (أزرق) أو الغاز (أصفر). ويتم التقاط الصوت المرتد بوساطة مشكاك من المكبرات، تُترجم الحواسيب مردودها لاحقا إلى صور، وفي النهاية إلى نماذج توجه أعمال حفر الآبار.
كان الحفر الأفقي مستحيلا عندما كانت أبراج الحفر النفطية تدير كامل أنبوبة الحفر، التي يصل طولها إلى 5800 متر، من أجل تحريك رأس الحفر كي يشق الصخر في قاع البئر. أما اليوم فقد انتشرت الآبار التي تنحرف بنحو 90 درجة في مجال لا يزيد على 100 متر، وذلك بفضل تطوير المحركات القادرة على العمل في أعماق الأرض، حيث يتصل جذع الحركة التابع للمحرك برأس الحفر عبر ناقل للحركة في جزء ملتو من الأنبوبة، وحيث يحدد مقدار الالتواء مقدار تحدب المنحني الذي سينحته رأس الحفر؛ إذ يستطيع الحفار فتل كامل أنبوبة الحفر للتحكم في اتجاه الانحراف.
إن الحقن بثنائي أكسيد الكربون السائل يمكن أن يحيي حقول النفط الميتة، وذلك بضخه بضغط عال من صهاريج في الآبار المتوقٍّفة عن إنتاج النفط، حيث يجري ثنائي أكسيد الكربون عبر الطبقة الصخرية الخازنة ويدفع، إذا جرى كل شيء على ما يرام، النفط المتبقي نحو الأسفل إلى الآبار القريبة النشيطة. وكذلك يُستخدم أحيانا بخار الماء والغاز الطبيعي لهذا الغرض، حيث يتم، وبالتناوب، حقن الماء إلى الأسفل من جيوب النفط المتروكة، بهدف دفع النفط نحو البئر المنتجة. وفي المستقبل ستكون الآبار البارعة smart wells، التي يجري تطويرها حاليا، قادرة، بآن معا، على استخراج النفط من بعض تفرعات البئر، وضخ المياه خارج مجرى النفط عبر تفرعات أخرى، وحقنها ثانية في الطبقة الصخرية التي جاءت منها.
عبر عملية ضخ النفط من الآبار الإنتاجية غالبا ما تسحب هذه الآبار المياه من الأسفل والغاز من الأعلى، فتملأ مسامات في الطبقة الخازنة كانت قبل ذلك مشبعة بالنفط، مما يبقي جيوبا معزولة من النفط بعيدة عن الآبار المنتجة. وهذا يجعل الآبار المحفورة بالتقانات التقليدية تخسر حتى ثلثي كميات النفط الموجودة في الطبقة الخازنة. ولكن المسوح السيزمية المتكررة ـ ويمكن حاليا جمعها تحت نموذج رباعي الأبعاد ـ تستطيع، ليس فقط تحديد مواقع النفط والغاز والماء في الحقل النفطي، بل تستطيع أيضا التنبؤ باتجاهات حركتها المقبلة. وهكذا يؤدي المسح السيزمي المتقدم دوره بشكل جيد فيما يقرب من نصف حقول العالم النفطية؛ ولكنه يخفق عندما يكون النفط مدفونا في الصخور القاسية جدا أو تحت طبقات الملح الصخري (طبقة سميكة بيضاء).


ففي العامين الماضيين مثلا، استطاعت شركة النفط الفرنسية إلف ELF استكشاف توضعات نفطية عملاقة في عرض البحر، مقابل شواطئ غرب أفريقيا. وفي الوقت نفسه تضاعف سعر أسهمها عندما توقَّع المحلّلون الاقتصاديون ازدياد معدل إنتاجها بنسبة %8 في عام 2001. وإذا ما حذا منتجون نفطيون آخرون حذوها بسرعة، فسيكونون قادرين بحلول عام 2010 على تزويد الاقتصاد العالمي بخمسة بلايين برميل من النفط سنويا. وهذا قد يغطي حينذاك نصف الفجوة بين العرض والطلب على النفط في العالم.