التوترات التجارية تحرك سوق النفط .. و العقوبات تدعم الأسعار

سوق النفط

اتخذت أسعار النفط اتجاها تصاعدياً في العام الجديد بعد تراجعها إلى أدني مستوياتها في ديسمبر 2018، حيث شهدت أسعار مزيج خام برنت ونفط الأوبك مكاسب قوية. إلا انه سرعان ما تلاشى هذا الزخم بعد ثلاثة أسابيع من المكاسب حيث أبدى حركة جانبية بعد ذلك مع اقتراب الاسعار من مستوى 60 دولار أمريكي للبرميل خلال الأسبوعين الأولين من فبراير 2019.

وبحسب تقرير «كامكو» حول أداء أسواق النفط العالمية، جاء ذلك النمو في ظل ارتفاع واسع النطاق شمل كافة الأسواق العالمية تقريبًا وأغلبية فئات الأصول على مستوى العالم.وحصلت أسعار النفط بشكل خاص على دعم نتيجة لفرض العقوبات الأمريكية على فنزويلا والتي من المتوقع أن تؤثر على 0.5 مليون برميل يومياً من صادرات البلد العضو بمنظمة الأوبك. وغطت انباء العقوبات على ارتفاع الإنتاج في الولايات المتحدة مما عزز من أسعار النفط في سوق ما زال يعاني من شكوك حول معدلات الطلب على المدى القريب. واستمر المعروض النفطي الأمريكي في الارتفاع حيث تقوم الولايات المتحدة بضخ كميات قياسية مما أدى إلى تقويض الدعم الناتج عن تطبيق الأوبك وحلفائها لاتفاقية خفض حصص الانتاج.

وارتفعت أسعار النفط خلال الأسابيع القليلة الأولى من العام والتي شهدت بلوغ سعر خام الأوبك إلى الذروة عند مستوى 62.32 دولار أمريكي للبرميل بنمو بلغت نسبته 21 في المائة مقارنة بإغلاق العام الماضي. إلا أن وتيرة الزخم قد هدأت تدريجيًا خلال الأسبوع الثاني من فبراير 2019 على خلفية تقارير تشير إلى ارتفاع الإنتاج إلى مستويات قياسية في الولايات المتحدة وتزايد المخزون واحراز تقدم بطيء للمحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. ووفقاً لأحدث التقارير الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ارتفعت مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة بواقع 1.3 مليون برميل يومياً في الأسبوع المنتهي في 1 فبراير 2019.  وتتسق تلك البيانات مع معدلات الإنتاج القياسي للولايات المتحدة بالإضافة إلى ارتفاع عدد منصات الحفر النفطية. ووفقاً لبيانات بيكر هيوز الأسبوعية، ارتفع عدد منصات الحفر الأمريكية بواقع  7  منصات ليصل العدد الاجمالي إلى 854 منصة، فيما يعد الزيادة الثانية في الأسابيع الثلاثة الأخيرة مع توجه منتجي النفط إلى زيادة الطاقة الانتاجية للاستفادة من ارتفاع الاسعار.  حيث انه بعد شهرين متتاليين من التراجع، عاد متوسط سعر خام الأوبك للارتفاع بنسبة 3.2 في المائة في يناير 2019 ليصل الى 58.74 دولار امريكي للبرميل. كما ارتفع متوسط سعر النفط الخام الكويتي وان كان بمعدل أقل قليلاً مسجلاً نمواً بنسبة 2.7 في المائة ليصل إلى 58.7 دولار أمريكي للبرميل. من جهة أخرى، شهد متوسط سعر مزيج خام برنت أعلى نسبة ارتفاع على مستوى انواع الخام الثلاثة في يناير 2019، مرتفعاً بنسبة 4.2 في المائة، حيث بلغ في المتوسط 59.4 دولار للبرميل.

أما على الصعيد الاقتصادي فقد اتجهت كافة الأنظار نحو الموعد النهائي المحدد لفرض الرسوم الجمركية الأمريكية على الصين مع بداية الشهر المقبل، حيث لم تسفر المحادثات التجارية بين الشريكين التجاريين عن اتفاق معلن بعد. كما تلقت توقعات الطلب في سوق النفط ضربة أخرى نظراً لقيام المفوضية الأوروبية بخفض توقعات النمو الاقتصادي في منطقة اليورو لعامي 2019 و2020. وأبرز التقرير تصاعد حدة التوترات التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين والتحديات المحلية في بعض أكبر الاقتصادات الأوروبية بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وإيطاليا كعوامل مؤثرة على النمو الاقتصادي.من جهة اخرى، ارتفع سعر الدولار الأمريكي لأعلى مستوياته منذ ثلاثة أشهر، الأمر الذي رفع من تكلفة سعر النفط للمستوردين، في حين أضاف الارتباك حول تكرار إغلاق الحكومة الأمريكية إلى الضغوط التي تتعرض لها أسعار النفط وان تم تجنبها لاحقاً بعد التوصل إلى اتفاق مبدئي. من جهة أخرى، جاءت المؤشرات الرئيسية من الصين مخيبة للآمال على مدى الأشهر القليلة الماضية. أما العوامل الايجابية على جانب الطلب فقد تضمنت زيادة الطلب على نواتج التقطير في الولايات المتحدة على خلفية الطقس قارس البرودة.

وما يزال موضوع جانب العرض يستحوذ على السوق بينما يشير إلى وضع حدود صارمة لأي ارتفاع في أسعار النفط بما يتجاوز النطاق الحالي. وقامت الولايات المتحدة بإنتاج النفط بمستويات قياسية بلغت 11.9 مليون برميل يومياً في حين تظل المخزونات عند أعلى مستوياتها منذ 12 شهرًا على خلفية اعطال مصافي التكرير في كوشينج. وارتفع عدد منصات الحفر في الولايات المتحدة للمرة الثانية خلال ثلاثة أسابيع، على الرغم من عدم تغيره بل قد يكون قد تراجع منذ ارتفاعه إلى مستويات قياسية أواخر العام الماضي. من جهة أخرى، وضعت كندا أيضا سقفاً مؤقتاً للإنتاج بسبب القيود المفروضة على الطاقة الاستيعابية لخطوط الأنابيب، فضلا عن حادث تسرب النفط في ولاية إيلينوي مؤخراً.

وانخفض انتاج النفط لدول الأوبك في يناير 2019 بعد تنفيذ الأوبك وحلفائها لاتفاقية خفض الانتاج. ويشير تقرير صادر عن وكالة رويترز إلى تراجع الانتاج خلال الشهر تراجعاً حاداً، حيث قامت السعودية وحلفاؤها في منطقة الخليج بتقليص انتاجهم بمعدلات اعلى من الحصص المقررة. من جهة اخرى تراجع الإنتاج في إيران وفنزويلا على خلفية العقوبات الأمريكية، في حين استمرت ليبيا في مواجهة الأحوال الجوية التي عطلت إنتاج البلاد.

 الطلب العالمي على النفط

بعد الإبقاء على توقعات نمو الطلب العالمي على النفط ثابتة على مدار الشهرين الماضيين، تم تخفيضها للعام 2018 وفقاً لأحدث تقرير شهري صادر عن منظمة الأوبك. ووفقًا للتقديرات الجديدة، نما الطلب العالمي على النفط بواقع 1.47 مليون برميل يومياً في العام 2018، بما يعني خفض التوقعات بواقع 0.03 مليون برميل يومياً مقارنةً بالتقديرات السابقة. ومن المتوقع الآن أن يصل إجمالي الطلب إلى 98.76 مليون برميل يومياً بعد تباطؤ معدل نمو الطلب عما كان متوقعاً بالنسبة للدول الأوروبية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ودول آسيا والمحيط الهادئ التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وآسيا الأخرى وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط خلال الربعين الأخيرين من العام 2018.وتم تخفيض الطلب الإجمالي لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بواقع 0.1 مليون برميل يومياً، في حين رفعت التوقعات الخاصة بالدول الأمريكية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الربع الرابع من العام 2018 نتيجة لتحسن الطلب بمستويات اعلى من المتوقع على نواتج التقطير الخفيفة والمتوسطة وقطاعي البتروكيماويات والصناعات الأمريكي مما أدى إلى مراجعة توقعات الطلب بواقع 0.1 مليون برميل يومياً  في الربع الرابع من العام 2018 للولايات المتحدة.وبالنسبة للدول الأوروبية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تم تخفيض توقعات نمو الطلب بواقع 0.02 مليون برميل يومياً للعام 2018 على خلفية تباطؤ الطلب بمعدل أعلى مما كان متوقعاً وخاصة في النصف الثاني من العام 2018 بدافع من تباطؤ النشاط الاقتصادي وانخفاض الطلب على المواد الأولية للبتروكيماويات والطقس الدافئ خلال الربع الرابع من العام 2018.  أما بالنسبة لدول آسيا والمحيط الهادئ التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فقد أدى تراجع الطلب أكثر مما كان متوقعاً  في قطاع البتروكيماويات بكوريا الجنوبية في الربع الرابع من العام 2018 إلى خفض التوقعات بواقع  0.01 برميل يومياً للعام بأكمله.كما تم خفض توقعات الطلب للدول غير التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بحوالي 0.02 مليون برميل يومياً تقريباً فيما يعزى في المقام الأول إلى تراجع توقعات الطلب في الهند بواقع  0.03 مليون برميل يوميا في الربع الرابع من العام 2018 نظراً لتراجع معدلات الطلب في نوفمبر 2018. أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط فقد تم مراجعة الطلب بها وخفضه بواقع 0.01 مليون برميل يومياً فيما يعكس بصفة رئيسية الى تراجع طلب السعودية على خلفية الاثار المترتبة على استخدام الطاقة البديلة وخطط الإصلاح الاقتصادي وتخفيضات الدعم.وشهدت توقعات نمو الطلب العالمي على النفط للعام 2019 تراجعا بواقع 0.05 مليون برميل يومياً مع توقع ان يبلغ معدل الطلب الآن 1.24 مليون برميل يومياً ليصل المتوسط إلى 100.00 مليون برميل يومياً لهذا العام. وتعكس تلك المراجعة توقع تراجع النمو الاقتصادي في العام 2019 لبعض الاقتصادات العالمية الرئيسية.  وتم تعديل توقعات الطلب على النفط لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنسبة 0.02 مليون برميل يومياً بسبب تراجع توقعات النمو الخاصة بالدول الأمريكية التابعة للمنظمة في الربع الأول من العام 2019، والدول الاوروبية التابعة لها ايضاً للعام بأكمله. أما بالنسبة للدول غير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد تم خفض توقعات الطلب بواقع 0.01 مليون برميل يومياً و 0.02 مليون برميل يوماً لأمريكا اللاتينية ومنطقة الشرق الأوسط، على التوالي.

العرض العالمي للنفط

ووفقًا للبيانات الأولية، انخفض المعروض العالمي من النفط للشهر الثاني على التوالي في يناير 2019. وتراجع المعروض النفطي إلى أقل من مستوى 100 مليون برميل يومياً للمرة الأولى منذ نوفمبر 2018، حيث بلغ 99.32 مليون برميل يومياً في يناير 2019، فيما يعزى إلى تراجع المعروض النفطي للدول غير الأعضاء بمنظمة الأوبك بواقع 0.23 مليون برميل يومياً ليصل إلى 68.52 مليون برميل يومياً بصدارة كندا والاتحاد السوفياتي سابقاً والصين بالإضافة إلى تراجع بواقع 0.8 مليون برميل يومياً للدول الأعضاء بمنظمة الأوبك ليصل إلى 30.81 مليون برميل يومياً.وبلغت حصة الأوبك من إنتاج النفط الخام العالمي ما نسبته 31.0 في المائة في يناير 2019، بتراجع بلغ 50 نقطة أساس مقارنة بالشهر السابق. وتم تعديل توقعات نمو المعروض النفطي للدول غير الأعضاء بمنظمة الأوبك للعام 2018 مرة اخرى ورفعها بواقع 0.11 مليون برميل يومياً، ومن المتوقع الآن أن يرتفع بواقع 2.72 مليون برميل يومياً خلال العام ليصل إلى متوسط وقدره 62.17 مليون برميل يومياً. وتعكس تلك المراجعة توقع ارتفاع المعروض النفطي لكل من الولايات المتحدة وكندا وماليزيا والصين والمملكة المتحدة بشكل رئيسي خلال الربع الأخير من العام 2018 والذي عادله جزئياً خفض توقعات المعروض النفطي للمكسيك والهند بواقع 8 آلاف برميل يومياً.  كما تم تعديل توقعات نمو المعروض النفطي للدول غير الأعضاء بمنظمة الأوبك للعام 2019 ورفعها بواقع 0.08 مليون برميل يوميا إلى 2.18 مليون برميل يوميا، ومن المتوقع الآن أن يبلغ متوسط المعروض النفطي 64.34 مليون برميل يومياً. ويعكس رفع التوقعات بصفة رئيسية الى تعديل توقعات الإنتاج المحدثة لخليج المكسيك الأمريكي.

إنتاج أوبك

شهد إنتاج منظمة الأوبك، باستثناء قطر التي انسحبت من عضوية المنظمة، انخفاضاً حاداً خلال يناير 2019، حيث تم تطبيق اتفاقية الأوبك وحلفائها لخفض الانتاج.  ووفقاً لبيانات وكالة بلومبرج، انخفض الإنتاج بواقع 0.93 مليون برميل يومياً خلال الشهر ليصل إلى 31.02 مليون برميل يومياً، بينما تشير تقديرات الأوبك الثانوية إلى تراجع بواقع 0.8 مليون برميل يومياً ليصل المتوسط إلى 30.8 مليون برميل يومياً. وسجلت السعودية أعلى معدل تراجع في الإنتاج بواقع 0.45 مليون برميل يومياً ليصل في المتوسط إلى 10.2 مليون برميل يومياً في يناير 2019. وأعلنت جميع الدول الأعضاء بمنظمة الأوبك تقريباً عن تراجع انتاجها خلال الشهر. ووفقاً لتقرير وكالة رويترز، قام بعض أعضاء منظمة الأوبك بخفض انتاجهم بمعدلات اعلى من حصص الخفض المقررة بما نتج عنه بلوغ معدل الالتزام باتفاقية خفض الانتاج الجديدة إلى 70 في المائة.