أسعار النفط تتحرك ضمن نطاق ضيق في ظل عودة مخاوف الطلب

تراجعت أسعار النفط هامشياً من أعلى مستوياتها المسجلة في 11 شهراً وذلك في ظل تجدد المخاوف بشأن الطلب على النفط في أعقاب انتشار سلالات جديدة أشد ضراوة من فيروس كورونا. وقد يتسارع الطلب على النفط في النصف الثاني من عام 2021 على النحو الذي توقعته وكالة الطاقة الدولية وبما يتماشى أيضاً مع توقعات صندوق النقد الدولي لآفاق النمو في عام 2021. أما في الوقت الراهن، ساهم خفض الإنتاج السعودي في تقليص الإمدادات ووضع حداً لتراجع الأسعار. وقد يستمر تشديد قيود الإمدادات لفترة أطول.

• انهت أسعار النفط تداولات شهر يناير على ارتفاع بقرابة 8% تقريباً، إذ وصل سعر خام النفط المرجعي، مزيج خام برنت، إلى 55.88 دولارا للبرميل (+ 7.9% على أساس شهري) بنهاية شهر يناير، كما أنهى خام غرب تكساس الوسيط تداولات الشهر عند مستوى 52.2 دولاراً للبرميل (+ 7.6% على أساس شهري) (الرسم البياني 1).

• وأنهت العقود المستقبلية لمزيج خام برنت تداولات يناير الماضي أيضاً على تراجع (أي ارتفاع أسعار العقود الفورية بالمقارنة مع أسعار العقود الآجلة) في إشارة إلى توقع السوق استمرار قيود الامدادات على المدى القريب (الرسم البياني 2). وقد يكون قرار السعودية خفض انتاجها من جانب واحد في شهري فبراير ومارس بمقدار مليون برميل يومياً هو العامل الرئيسي الذي أدى لتلك التطورات.

• وشهد الأسبوع الماضي تحرك أسعار مزيج خام برنت ضمن نطاق محدود للغاية تراوح ما بين 55 و56 دولاراً للبرميل، إذ ساهمت مخاوف تعافي الطلب على المدى القريب نتيجة لظهور سلالات أشد خطورة من فيروس كورونا في كبح جماح ارتفاع الاسعار. وكان للبيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تأثير إيجابي على النفط، إذ كشفت عن تسجيل أعلى معدل انخفاض في مخزونات النفط الخام التجارية منذ يوليو الماضي، هذا إلى جانب إشارة بعض التقارير إلى إمكانية قيام شركات النفط الروسية بإعادة توجيه المزيد من النفط للاستخدام المحلي (بدلاً من تصديره). كما رحبت الأسواق بأنباء تفيد بأن أحدث لقاح مضاد لفيروس كوفيد- 19 طورته شركة جونسون وجونسون، يؤخذ على جرعة واحدة، مظهراً نتائج تشير إلى التحصين من الإصابة ضد بعض السلالات الجديدة من الفيروس، إلا أن تلك الانباء لم تنجح في دفع أسعار مزيج خام برنت خارج نطاق التداولات المحدودة ليتجاوز أعلى مستوياته المسجلة في 11 شهراً عند مستوى 56.58 دولار أمريكي.

• وساهمت معنويات التفاؤل التي سادت منذ بداية شهر يناير على خلفية طرح اللقاحات في التخفيف من حدة المخاوف المتعلقة بارتفاع حالات الإصابة ودخول المستشفيات المرتبطة بالسلالات المتحورة للفيروس. واضطرت العديد من الاقتصادات إلى إعادة فرض أو تشديد قيود التنقل، إضافة إلى الصين التي اضطرت إلى إعادة فرض التدابير الاحترازية بعد تفشى العدوى في مقاطعة خبي. كما اضطرت السلطات إلى مناشدة المواطنين عدم السفر خلال احتفالات العام القمري الجديد والتي عادة ما تشهد أكبر هجرة بشرية سنوية في العالم، إلى جانب كونها محرك رئيس لاستهلاك وقود النقل. وكشفت بيانات الحركة الجوية والطرق عن انخفاض ملحوظ في الأنشطة بالفعل مما سيؤثر سلباً على الطلب على النفط خلال الربع الحالي.

• وتمثل إمكانية ضعف استهلاك النفط الصيني في بداية الربع الأول من عام 2021 تناقضاً كبيراً مع النشاط النفطي بنهاية عام 2020. وقامت مصافي التكرير، التي ركزت على موسم السفر في العام القمري الجديد، بمعالجة كميات قياسية من النفط الخام في نوفمبر وديسمبر وصلت إلى 14.2 مليون برميل يومياً و14.13 مليون برميل يومياً على التوالي، وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني. إلا أن واردات الصين من النفط الخام تراجعت في ديسمبر إلى أدنى مستوياتها المسجلة في 27 شهراً وصولاً إلى 9.06 مليون برميل يومياً (-18% على أساس شهري) (الرسم البياني 3)، فيما يعزى جزئياً على الأقل إلى استنفاد منشآت التكرير حصص الواردات المسموح بها لعام 2020.

• وأشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أن إعادة فرض عمليات الإغلاق لاحتواء الجائحة خلال فصل الشتاء تسبب في خفض تقديرات نمو الطلب على النفط للربع الأول من عام 2021 والعام بأكمله. إذ تم تعديل نمو الطلب على النفط في الربع الأول من العام الجاري بمقدار 580 ألف برميل يومياً، ليصل بذلك متوسط العام إلى 5.45 مليون برميل يومياً (الرسم البياني 4). وتعكس تلك التقديرات تحسناً ملحوظاً مقارنة بالتوقعات السابقة لعام 2020 والتي أشارت إلى انكماش غير مسبوق بمقدار 8.85 مليون برميل يومياً، ومن المتوقع أن يتسارع الطلب على النفط في النصف الثاني من عام 2021 لينهي الربع الرابع من عام 2021 عند مستوى 99.05 مليون برميل يومياً.

• وترجح التوقعات بتسارع وتيرة الطلب على النفط في النصف الثاني من عام 2021 إلى تزايد آفاق نمو الاقتصاد العالمي، والذي يتوقع أن يصل إلى 5.5% وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي، أي بزيادة (+ 0.3%) عن التوقعات الصادرة في أكتوبر. ويتوقع صندوق النقد الدولي تسارع وتيرة التعافي في النصف الثاني من عام 2021 بفضل النمو الناتج عن طرق اللقاحات وإقرار المزيد من السياسات الداعمة للنمو.

• وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى انخفاض المخزونات العالمية بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً (أو 100 مليون برميل) خلال هذا الربع، بعد الانخفاض الملحوظ الذي تم تسجيله في الربع الرابع من 2020 والبالغ 2.58 مليون برميل يومياً، نتيجة لخفض السعودية لإنتاجها. ويبدو أن القرار السعودي بخفض الامدادات كان مناسباً في ضوء تقديرات وكالة الطاقة الدولية للطلب على النفط والتي تشير إلى استقرار وتيرة نمو الطلب على النفط دون تغير يذكر أو تراجعها قليلاً في الربع الأول من عام 2021. ومن المتوقع أن يشهد المخزون انخفاضاً حاداً بمجرد تقدم جهود برامج التلقيح وعودة النشاط الاقتصادي في النصف الثاني من عام 2021.

• ووفقاً للبيانات الصادرة عن منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك فإن امدادات الأوبك وحلفائها في ديسمبر زادت إلى 34.4 مليون برميل يومياً، مع تجاوز معدل الامتثال لأكثر من 100%. وبلغ انتاج أعضاء الأوبك العشرة 21.7 مليون برميل يومياً في ديسمبر، مع فشل كل من الكونغو (95%) وغينيا الاستوائية (0%) والجابون (21%) والعراق (95%) الالتزام بحصص الإنتاج المقررة لشهر ديسمبر. في حين بلغ انتاج الدول غير الأعضاء بمنظمة الأوبك حوالي 12.7 مليون برميل يومياً. وبداية من شهر يناير، تم السماح لجميع أعضاء تحالف الأوبك وحلفائها بزيادة الامدادات بنحو 1.4% (بكمية إجمالية 500 ألف برميل يومياً) لرفع إجمالي إنتاج الأوبك وحلفائها إلى 34.86 مليون برميل يومياً. كما عادت المكسيك مجدداً للالتزام باتفاقية الأوبك وحلفائها لخفض حصص الإنتاج في يناير (بحصة انتاج 1.75 مليون برميل يومياً) مما رفع إجمالي إنتاج الأوبك وحلفائها إلى 36.65 مليون برميل يومياً. وسوف ينخفض هذا المعدل إلى 35.8 مليون برميل يومياً بنهاية الربع الأول من عام 2021 في ظل احتساب التخفيضات السعودية / زيادة انتاج روسيا وكازاخستان، مما يعني أنه لا يزال هناك حوالي 8 مليون برميل يومياً من نفط الأوبك وحلفائها تم حجبها من السوق (الرسم البياني 5).

• ولا تشمل بيانات العرض سالفة الذكر إنتاج ليبيا وإيران وفنزويلا، كما لا تتضمن التخفيضات التعويضية التراكمية التي من المتوقع أن يقوم بها الأعضاء غير الممتثلين. وفي هذه الأثناء ارتفع إنتاج إيران ببطء في الآونة الأخيرة، وقد يتزايد إذا تم رفع العقوبات تحت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن. كما بلغ إنتاج ليبيا 1.2 مليون برميل يومياً في ديسمبر فيما يعد أيضاً أعلى المستويات المسجلة منذ عام 2013. أما بالنسبة للتخفيضات التعويضية، صرحت الحكومة العراقية مؤخراً عن عزمها خفض الإنتاج في شهري يناير وفبراير بنحو 257 ألف برميل يومياً عن مستويات شهر ديسمبر لتصل إلى 3.60 مليون برميل يومياً بشرط موافقة حكومة إقليم كردستان على خفض الإنتاج. وتشير بيانات تتبع الناقلات لشهر يناير أن الصادرات بدأت بالفعل في التراجع.

• وفي الولايات المتحدة، أدى تراجعت المخزونات مؤخراً بمقدار 9.9 مليون برميل لتصل مستويات المخزون إلى 476.7 مليون برميل كما في 22 يناير، أي بما يكفي لتغطية 32.6 يوماً من الاحتياجات المستقبلية – ولتسجل بذلك أدنى مستوياتها منذ أبريل الماضي (الرسم البياني 6). كما انخفض إنتاج الخام الامريكي إلى 10.9 مليون برميل يومياً على الرغم من استمرار تزايد عدد منصات الحفر إلى 295 بنهاية يناير 2021 (الرسم البياني 7).

• ومستقبلياً، فانه على الرغم من إشارة منحنى العقود المستقبلية للنفط إلى تراجع مستوى العرض على المدى القريب إلا أن توقعات الطلب على النفط لهذا الربع ما تزال غامضة وقد يعززها فقط الطلب على وقود التدفئة في فصل الشتاء. وتعكس الأسعار إلى حد كبير نمو الطلب المستقبلي على خلفية طرح اللقاحات وتعهد السعودية بخفض إمداداتها. وتكمن المخاطر في أن الجائحة قد تستمر لفترة أطول مما كان متوقعاً متخطية حتى أبعد من استعداد المملكة لتحمل خفض الإنتاج بمفردها. ويبدو أن الأمر قد يتطلب تشديد قيود الإنتاج لفترة أطول، إلا انه ليس من السهل الحفاظ على ذلك داخل تحالف الأوبك وحلفائها.
Abdallah Osman