أصل الحكاية.. بقلم/ خالد فتحي.. الغاز القطري و”الدراجات” الألمانية

ما تتعرض له قطر البلد العربي المضيف لكأس العام 2022 حاليا من دول أوربا وتحديدا ألمانيا وإنجلترا، يعد أقبح عملية ابتزاز دولية حدثت في التاريخ، فبعد أن رفضت الأولى توريد الغاز، والقيام بدور البديل الاستراتيجي لمورد الغاز الأساسي للقارة العجوز، بدأت المضايقات الألمانية الإنجليزية للدولة التي أنفقت 222 مليار دولار من أجل إسعاد شعوب الأرض بنسخة كأس عالم تاريخية تحتضن 32 فريق من شتا الثقافات، وتستقبل مشجعين من مئات الجنسيات بكل كرم.
الرفض القطري
ولم يأتي الرفض القطري من فراغ فسوق الغاز كباقي الأسواق الاقتصادية عرض وطلب وحصص محدودة، وفي الوقت الذي يتوافر لدى قطر عقود طلبات طويلة الاجل تصل إلى 25 عاما مع الصين والهند وغيرها من دول أسيا، تأتي المانيا وانجلترا لتطلب تحرير عقود توريد تجدد سنويا، إلى ان يتم تجهيز بنيتهم التحتية، فأي عقل يقبل بذلك هل تقطع قطر عقودها الطويلة مع المستورد المضمون وتتحمل شروط جزاء من أجل عقود تجدد سنويا قابلة للإلغاء بمجرد استغناء أوروبا عن خدماتها، ومع ذلك لم تغلق قطر الباب في وجه الطلب واعطت وعودا بالتوريد المستقبلي بعد عامين.
ازدواجية المعايير
ألمانيا صاحبة الفريق “مُكمم الأفواه”، وإنجلترا التي قاطعت وزارة مواصلاتها الإعلانات القطرية، فتحتا ملفات حقوق العمالة، والحريات، والهوية الجنسية المثلية، بروح إنتقامية للضغط على قطر في محفل لا مجال فيه للخلط بين السياسة والرياضة وفق توجهاتهم و”فيفتهم”، إلا أننا كعرب قد تعودنا من دول الغرب و”فيفتهم” التعامل بازدواجية المعايير، والدليل ما أصاب الاعب المصري محمد أبو تريكة من عقوبة حين ارتدى قميصا كتب عليه “تعاطفاً مع غزة”، مقارنة بالتقدير الذي أظهر للاعب الأوكراني رسلان مالينوفسكي المحترف بنادي أتلانتا الإيطالي حين قام بنفس الفعل وارتدى قميصاً “سياسا هو الأخر” كُتبت عليه عبارة “لا للحرب على أوكرانيا”.
2 / 3
“رجل” المباراة
والخلاصة أن ألمانيا التي لم تدعم لاعبها مسعود أوزيل، لاعبهم السابق الذي استقال من المنتخب الوطني لهم، بعد أن أصبح هدفا لإساءات عنصرية وكبش فداء لخروج ألمانيا المبكر من كأس العالم عام 2018، جاءت في نسخة 2022 من كأس العالم لتعلمنا معنا حقوق الانسان وحرية التعبير عبر تصدير “درجات” ألمانية الصنع (وهو التعبير الذي يستخدمه العرب للتعبير عن “المثلية الجنسية” بل الشذوذ). دون أن تكترث ألمانيا لتقديم أي إنجاز كروي يتماشى مع المناسبة الرياضية التي حضرت من أجلها، حتى أن بعض المتابعين قد اعتقدوا أن الفريق الألماني يخشى الفوز بأي مباراة، كي لا يسمى أحد لاعبيهم بـ”رجل” المباراة.
صفقة ثقة
وقد يبدو للبعض أن الابتزاز الألماني قد أتى بجزء من ثماره، فقد أعلنت اليوم قطر موافقتها على مدّ ألمانيا بمليوني طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا على مدى 15 عاما على الأقل، حيث تسعى أكبر قوة اقتصادية في أوروبا جاهدة منذ شهور لتأمين بديل للطاقة الروسية.
ولكن في الحقيقة تظهر هذه الصفقة ثقة قطر من موقفها، فإن 15 عام قد يكون رقما مقبولا مقارنة بعام واحد كما كان الوضع في العرض الأول، علما بأن التوريد سيبدأ في 2026 وهو ما يتوافق مع رغبة قطر، خاصة وأن قطر قد أمنت نفسها بالفعل بعقود تمتد 27 عاما لتزويد الصين بأربعة ملايين طن من الغاز المسال سنويا، وهو اتفاق قالت إنه الأطول أمدا في تاريخ القطاع.

حفظ الله قطر وكل الدول العربية

خالد فتحي