
برزت في الآونة الأخيرة تحديات جديدة أمام تطوير صناعة غاز شرق المتوسط. بادئ ذي بدء؛ تتوجب الإشارة إلى أن الصناعة النفطية في مختلف أقطار العالم تواجه تحديات جيواستراتيجية أو صناعية في وقت من الأوقات، وأن هذه التحديات لا تنحصر في منطقة واحدة فقط؛ بل يواجهها معظم التجارب النفطية المختلفة في العالم.
من الملاحظ حالياً، في شرق المتوسط، أن الصناعة الغازية تواجه تحديات جيوسياسية تتمثل في محاولات توسيع تركيا نفوذها الإقليمي، كما أن هناك السياسة الإسرائيلية لضمّ الضفة الغربية. وهناك أيضاً الآثار السلبية لانهيار أسعار النفط والغاز والآثار المترتبة على ذلك من تقليص الموازنات الاستثمارية للشركات النفطية العالمية في فترة المرحلة الاستكشافية نفسها لشرق المتوسط.
حاولت تركيا بشتى الطرق إيجاد موطئ قدم لها في الصناعة الغازية في شرق المتوسط. فقد بدأت هذه المحاولات أولاً بإرسال طائراتها النفاثة العسكرية على مستوى منخفض فوق منصات الشركات الدولية العاملة في المياه القبرصية لتخويف الشركات وثنيها عن العمل. لكن هذه التهديدات لم تُثْنِ قبرص والشركات عن الاستمرار في الاستكشاف. من ثم، وبعد إخفاق هذه التجربة، هددت تركيا الشركات النفطية العاملة في المياه القبرصية بمقاطعة العمل النفطي كلياً في تركيا. ولم تذعن الشركات لهذا التهديد. كما أن محكمة العدل الأوروبية رفضت سياسة المقاطعة هذه. وعلى أثر ذلك، ادّعت تركيا أن منطقتها الاقتصادية الخالصة تمتد إلى الحدود البحرية المرسومة والمتفق عليها بين القاهرة ونيقوسيا. رفضت قبرص هذا الادّعاء، وأجابت مصر بمذكّرة شديدة اللهجة على هذا التدخل في شؤونها السيادية. وفي خضم هذه المحاولات الكثيرة استعملت قبرص ورقة دور القبارصة الأتراك في شمال الجزيرة الواقع تحت الاحتلال التركي منذ عام 1974 أثناء المحادثات المزمنة مع قبرص لتوحيد الجزيرة، ولكن أيضاً دون جدوى.
وأخيراً؛ وقّعت أنقرة اتفاقاً مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس للتنقيب عن النفط في المياه الليبية، حيث عدّت أنقرة الاتفاق النفطي ثمناً لمساندتها العسكرية من قوات وميليشيات. رفض البرلمان الليبي في بنغازي الاتفاق. لكن تركيا غضّت النظر عن هذا الرفض وعن تجاوزها حدود المنطقة العسكرية الخالصة التي تمر عبر جزيرة كريت اليونانية. وقد ارتأت الحصول على الامتيازات النفطية عن طريق معاهدة عسكرية بدلاً من أن تشارك «مؤسسة البترول التركية (تباو)» في جولة تراخيص حالها كحال بقية الشركات النفطية العالمية.
هناك أزمة ثانية تلوح في الأفق. فالسياسة الإسرائيلية الحالية تعمل على ضمّ الضفة الغربية. هذه السياسة، التي يعارضها كل من فلسطين والأردن، ستلقي ظلالها على صادرات إسرائيل الغازية من الحقول البحرية إلى شركة الكهرباء الأردنية، هذه الصادرات التي بدأت فعلاً منذ أوائل عام 2020 والتي عارضها البرلمان الأردني بالإجماع وكذلك الرأي العام الداخلي الأردني.
وصرح عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني في مقابلة أجراها مؤخراً مع دورية «دير شبيغل» الألمانية، بأنه إذا ما ضمّت إسرائيل أجزاءً من الضفة الغربية فـ«سيؤدي ذلك إلى صدام كبير مع الأردن». وأضاف: «لا أريد أن أطلق التهديدات أو أن أهيئ جواً للخلاف والمشاحنات. ولكننا ندرس جميع الخيارات إذا جرى الضم».
وتواجه إسرائيل معضلة أخرى؛ فقد اتفقت مع قبرص واليونان وإيطاليا على إنشاء خط أنابيب غاز يمتد عبر هذه الدول لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى السوق الأوروبية المشتركة. إلا إن هذا الخط الذي تبلغ تكلفة إنشائه نحو 8 مليارات دولار يفتقد حتى الآن مشترياً للغاز. ومن المعروف أنه من الصعب جداً إنشاء خط للغاز دون الحصول على اتفاق مسبقاً مع شركة لتوزيع الغاز داخل السوق الأوروبية أو مع محطة كهرباء. من ثم؛ يبقى مصير هذا الخط ضبابياً لحين التوقيع مع مشترٍ أوروبي مستهلك للغاز.
كما تواجه إسرائيل معضلة ذات علاقة بطاقتها الغازية؛ فقد فشلت إسرائيل في استقطاب شركات نفطية عالمية كبرى للاستكشاف في مياهها، رغم المحاولات التي بذلها كل من وزير الطاقة ورئيس الوزراء شخصياً في حثّ كبرى الشركات الأميركية والأوروبية على الاستثمار في الصناعة الغازية الإسرائيلية. من غير المعروف السبب الرئيسي لهذا الإخفاق: هل هو القوانين الإسرائيلية التي تسمح بتغيير العقود مع الشركات بعد التوقيع عليها، أم جيولوجيا المنطقة البحرية الإسرائيلية؟