دور مخزونات النفط وقت الأزمات

بقلم: مجدي صبحي

أصيبت الأسواق بحالة من الذعر بعد الهجوم على منشأتي نفط سعوديتين في بقيق وخريص يوم السبت الماضي، وكان من الطبيعي أن ترتفع الأسعار ارتفاعا هائلا مع تقدير أن أكثر من نصف الإنتاج السعودي وبالتحديد 5.7 مليون برميل أصبحت خارج نطاق الإنتاج، وهو ما يعادل أكثر من 5% من الإنتاج العالمي. وقد ارتفعت الأسعار عند فتح الأسواق يوم الإثنين بنحو 20% خلال جلسة التداول، وأغلقت الأسواق على ارتفاع في سعر برميل برنت الخام بنحو 15%، وهو أكبر ارتفاع نسبي في يوم واحد منذ عام 1988.

خلاصة الأمر.. إذا إنه حتى لو كانت فترة انقطاع الكمية المفقودة من النفط السعودي قد طالت لما وصلنا للأسعار المرتفعة التي تنبأ بها البعض؛ إذ إن العالم سواء في دوله المنتجة أو المستهلكة كان لديه من المخزونات ما يكفي للتعويض عن كمية الإنتاج المفقودة ومواجهة هذه الأزمةوكان السؤال المحوري الذي شغل الأسواق هو: إلى متى سيستمر غياب هذه الكمية الكبيرة من الإنتاج؟ فقد ذكر البعض أن الأمر قد يستغرق أسابيع، وهنا أعلن بنك “جولدمان ساكس” أن تعطل إنتاج السعودية النفطي لمدة تتجاوز 6 أسابيع قد يدفع سعر “برنت” لتجاوز 75 دولارا للبرميل. وذكر آخرون أن الأمر قد يستغرق شهورا لإعادة هذه الكمية للإنتاج السعودي مرة أخرى، وهنا تحدث البعض عن أسعار تتجاوز 80 دولارا للبرميل، بينما ذهب البعض الآخر إلى حد القول أن أسعار تبلغ 100 دولار أو أكثر هي أمر ممكن، مع استطالة فترة توقف هذه الكمية من الإنتاج السعودي.

وكانت المفاجأة في يوم الثلاثاء ما ذكرته وكالة رويترز أولا فيما قالت إنه استنادا إلى مصادر عليمة بأن إصلاح الأضرار واستعادة طاقة المملكة السعودية الكاملة على الإنتاج لن تستغرق سوى ما يترواح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وقيل إن المملكة استعادت 70% من طاقتها الإنتاجية المفقودة، وهنا هبطت الأسعار بنسبة تبلغ نحو 3%، ثم عقد وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان مؤتمرا صحفيا أعلن فيه استعادة القدرة الإنتاجية للمملكة، مما أدى إلى انخفاض سعر برميل النفط من نوع برنت الخام بنحو 6.5%.

والواقع أنه حتى لو كان أمر إصلاح الأضرار يحتاج لوقت أطول لما ظلت الأسعار على ارتفاعها الذي شهدته يوم الإثنين، لسبب رئيسي هو توفر كمية كبيرة من المخزونات التجارية والاستراتيجية لدى البلدان المنتجة والبلدان المستهلكة على السواء.

ولنبدأ أولا من المملكة العربية السعودية ذاتها؛ حيث أظهرت بيانات من مبادرة البيانات المشتركة الشهر الماضي أن مخزونات السعودية من الخام ارتفعت إلى 187.9 مليون برميل في يونيو من 187.723 مليون في مايو. ومن ثم كان بإمكان السعودية سحب جزء من مخزونها للوفاء بجزء من تعاقداتها مع الدول المشترية، ومن الطبيعي أن كمية السحب ستتناسب عكسيا مع المدة التي ستستغرقها حتى تستعيد طاقتها الإنتاجية المفقودة؛ أي كلما طالت المدة كانت ستضطر لسحب كميات أقل، أما أن الوصول لهذه القدرة بدا أنه قريب جدا فمن الآمن سحب كميات كبيرة لتعويض الكميات المفقودة، وقد بدا هذا في التزام المملكة بإعلان وفائها بعقودها وعدم إعلانها لحالة القوة القاهرة لوقف تنفيذ هذه التعاقدات.

هناك ثانيا القدرة الإنتاجية الفائضة لدى بعض أعضاء منظمة الأوبك، وهو ما أشار إليه وزير الطاقة والصناعة الإماراتي؛ إذ هناك ما يقدر بنحو 950 ألف برميل من طاقة الإنتاج اليومي تعد طاقة فائضة منها نحو 620 ألف برميل يوميا في كل من الإمارات والكويت. كما أن هناك طاقة إنتاجية فائضة أيضا لدى بعض أعضاء اتفاق أوبك+ من غير دول الأوبك، وإن كانت في حدود أقل مما يتوفر للأوبك.

وكان من اللافت تعامل الرئيس الأمريكي مع الوضع بهدوء، حيث هوّن من أثر طفرة في أسعار النفط عقب الهجمات، قائلا إن الأسعار لم ترتفع كثيرا وإن بوسع الولايات المتحدة ودول أخرى تخفيف الزيادة بالإفراج عن مزيد من المعروض، وكان الرئيس سمح فعلا ببدء السحب من المخزون الاستراتيجي عند الحاجة لذلك.

والمخزون الاستراتيجي هو المخزون الذي يتم تكوينه بأموال حكومية بهدف التغلب على أزمات انقطاع الإمدادات النفطية مثل الأزمة التي نشهدها، وقد تم التوصية ببناء هذا المخزون من قبل وكالة الطاقة الدولية التي تضم كبار المستهلكين (ما عدا الهند والصين)، بعد أزمة حظر النفط العربي في عام 1974. وينص القرار على تكوين مخزون في كل دولة من الدول الأعضاء يبلغ مقداره ثلاثة أشهر من صافي الواردات، ويبلغ هذا المخزون الآن في الولايات المتحدة نحو 644.8 مليون برميل، وهو ما يزيد على ضعف صافي الواردات من النفط الخام في ثلاثة أشهر، وعموما فكان من المتوقع أن تسحب الولايات المتحدة من هذا المخزون نحو مليون برميل يوميا كما فعلت إبان أزمات سابقة، مثل الحالة إبان حرب تحرير الكويت في فترة رئاسة جورج بوش الأب، وأيضا أيام إعصار كاترينا في فترة رئاسة جورج بوش الابن.

كما أنه لدى الولايات المتحدة 416.1 مليون برميل أيضا من المخزون التجاري وفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة، وتحتفظ شركات إنتاج النفط والمصافي بهذه الكمية.

وينطبق الأمر نفسه فيما يتعلق بالاحتياطي الاستراتيجي على باقي البلدان المستهلكة أعضاء وكالة الطاقة الدولية، وهنا أشارت دولة مثل ألمانيا إلى أنها ستتجه لاستخدام الاحتياطي الاستراتيجي وفقا لما توصي به الوكالة، حيث يتم تداول هذا الاحتياطي بين البلدان الأعضاء في وقت الأزمات.

أضف إلى هذا أن الصين أكبر بلد مستورد للنفط في العالم وثاني أكبر مستهلك بعد الولايات المتحدة تمتلك حاليا نحو 325 مليون برميل من النفط في احتياطيها الاستراتيجي، بما يكفي واردات نحو 33 يوما، حسب تقديرات الصناعة، وكان بمقدور الصين أيضا السحب من هذا المخزون الذي يتم تكوينه خصيصا للسحب منه وقت أزمات الإمدادات.

كما تملك كوريا الجنوبية، خامس أكبر مستورد للنفط في العالم، نحو 96 مليون برميل من النفط الخام والمنتجات المكررة كمخزونات استراتيجية؛ حيث تحتفظ البلاد بنفط خام قدره 82 مليون برمل والباقي منتجات مكررة مثل البنزين والديزل والنفتا.

خلاصة الأمر.. إذا أنه حتى لو كانت فترة انقطاع الكمية المفقودة من النفط السعودي قد طالت لما وصلنا للأسعار المرتفعة التي تنبأ بها البعض؛ إذ إن العالم سواء في دوله المنتجة أو المستهلكة كان لديه من المخزونات ما يكفي للتعويض عن كمية الإنتاج المفقودة، ومواجهة هذه الأزمة حتى عودة المملكة السعودية لطاقتها الإنتاجية الطبيعية.