بقلم: ليون برخو
بين الفينة والأخرى تطالعنا الدول الغربية بتجارب تقول إنها رائدة وستقودها في نهاية المطاف إلى الاستغناء عن مصادر الطاقة الأحفورية أو الهيدروكربونية.
ولايات في أمريكا تشرع قوانين تمنع استخدام الغاز في البنايات متعددة الطوابق. علماء يتوقعون أن تساعد مصادر الطاقة البديلة العالم على التخلي عن النفط ومشتقاته. وقرى ومدن صغيرة في شمال أوروبا تحاول البرهنة على أنه في إمكان الحياة الاستمرار والازدهار والنمو والتطور في غياب الطاقة الهيدروكربونية.
وقلما يمر يوم إلا ونقرأ في الصحافة العالمية تقارير وأخبارا عن الطاقة المتجددة ونسب النمو فيها وكيف أنها صارت تحتل مرتبة بارزة في بعض الدول من حيث نسبتها في مجمل استهلاك الطاقة.
أن يهتم العالم بشؤون الطاقة شيء، ولكن أن يخرج لنا باحثون وكتاب يقولون إننا وصلنا الذروة في إنتاج النفط، وإننا مقبلون على ضمور في الإنتاج، وإن أيام النفط صارت معدودة، فهذا لعمري ما لا أستطيع هضمه.
كل المصادر في الطبيعة محدودة وليست لا متناهية. قبل أربعة عقود قرأت بحثا مفاده أن المحيطات فيها ثروة سمكية لن تنضب وتشكل سلة غذاء غير متناهية للبشرية. اليوم يجمع الباحثون على أن هذه الثروة ستنضب قريبا.
كان أكثر الناس قلقا على الحياة البحرية هم الذين يقطنون شمال أوروبا حيث كانت تشكل البحار والبحيرات فيها مصدرا غذائيا مهما لتوافر كميات هائلة من سمك السالمون الشهير. ولكن قبل عقدين أو ثلاثة تقلص الصيد البحري بشكل ملحوظ والسالمون البحري صار نادرا بعض الشيء.
بيد أن السالمون لا يزال متوافرا بكميات هائلة، والشكر هنا يعود إلى مزارع السمك الشاسعة ولا سيما في النرويج التي يشكل فيها اليوم تصدير السالمون فقرة مهمة في ميزانيتها.
وقبل أربعة عقود تقريبا كنت أقرأ مقالات تنبئ بأن آخر آبار النفط واحتياطياته قد تنفد بحلول الألفية الثالثة. وكانت في حينه أغلب التوقعات تستند إلى نظرية كنج هيوبرت عالم فيزياء الأرض الذائع الصيت، التي تشبه إنتاج النفط في العالم بمنحنى جرسي، الذي يبدأ من الصفر، قبل إنتاج أول برميل في العالم، ومن ثم يصل إلى الذروة، وبعدها يبدأ في الانحدار التدريجي حتى نفاد الكميات المتاحة، أي إلى نقطة الصفر مرة أخرى.
أدار البعض ظهرهم لهذه النظرية، ولكن عندما حقق إنتاج الولايات المتحدة من النفط الذروة في مستهل السبعينيات من القرن المنصرم وبدأ بعدها في التضاؤل التدريجي، زادت مكانة هيوبرت ونظريته وتصور كثيرون أننا مقبلون أو منحدرون صوب نقطة الصفر في إنتاج النفط في أمريكا.
بيد أن النظرية لم تصمد بعد بروز الولايات المتحدة كمنتج رئيس للنفط مرة أخرى، وهي الآن في طريقها إلى ذروة ثانية في الإنتاج بحلول عام 2025.
ودفاعا عن هيوبرت، يردد البعض أن العالم لم يقصد أن نظرية المنحنى الجرسي تحدث مرة واحدة وحسب بل قد تتكرر. وهنا يزداد المرء شكوكا لأن هيوبرت أقام نظريته، وهو عالم يشار إليه بالبنان، على أساس أن المصادر الطبيعية – وأخذ النفط نموذجا – تصل الذروة في الإنتاج ومن ثم تنكمش حتى تنتهي.
مع كل ما ينتاب نظرية هيوبرت من غموض، فإنها لا تزال أفضل ما هو متوافر من النظريات التي تحذر البشر من أن المصادر الطبيعية ليست غير متناهية، وعليهم دائما التفكير مليا في البدائل.
واليوم، واستنادا إلى نظرية هيوبرت، نتوقع قدوم الذروة في الإنتاج الأمريكي مرة أخرى بعد نحو خمسة أعوام ومن ثم يبدأ المنحنى الجرسي في الهبوط.
وهناك من طبق نظرية الذروة على الاحتياطيات النفطية وكانت التقديرات أن هذه الاحتياطيات ستتقلص بعد أن يصل العالم إلى أقصى ما يمكن استكشافه.
ولم تصمد النظرية في حالة الاحتياطيات أيضا رغم المنطق السليم والتوثيق العلمي الذي تستند إليه. والحديث عن الاحتياطيات النفطية ذو شجون، لأن هناك أكثر من تصنيف لها.
أغلب التصنيفات تقسم الاحتياطيات النفطية إلى ثلاث خانات: المثبتة، والمرجحة، والمحتملة. ولقد حدث أننا كلما اقتربنا من الذروة في الخانة الأولى، ظهرت دراسات تمدد الوقت ليس بأعوام بل بعقود. فمثلا، لو أخذنا الإنتاج الحالي في عين الاعتبار وهو نحو 100 مليون برميل في اليوم، فإن النفط سيصل إلى القعر من حيث الإنتاج وحسب المنحنى الجرسي في نحو نصف عقد من الزمان، استنادا إلى الاحتياطيات المثبتة والبالغة نحو 1.74 ترليون برميل.
حسابيا ونظريا، المعادلة منطقية استنادا إلى نظرية الذروة، ولكن يجب دائما أن نتذكر أن هناك إمكانية كبيرة لتحويل الاحتياطيات المرجحة والممكنة إلى احتياطيات مثبتة.
والأعوام الأخيرة أظهرت دخول الرمال النفطية والقار معترك الإنتاج الواسع ما أدى إلى زيادة كبيرة في الاحتياطيات بخاناتها الثلاث.
وهكذا، نرجئ تطبيق نظرية الذروة التي أتى بها هيوبرت أحيانا لعدة أعوام وأخرى لعقود حال نكون أمام تطورات تكنولوجية تمكننا من تحويل الاحتياطيات المرجحة والمحتملة إلى ثابتة.
وفي الختام، في رأيي أن كل هذه التطورات تسهم في تمديد حياة وعمر النفط التقليدي ليس لأعوام وعقود مقبلة بل ربما لقرن أو حتى قرنين مقبلين.
هذا الاستنتاج أراه منطقيا وأراه كذلك في مصلحة الدول المنتجة لأنه سيمكنها، إن سعت إلى ذلك، من اللحاق بناصية التطور والتنمية وتنويع مصادر الدخل إن لم تكن الفرصة قد سنحت لها بذلك حتى الآن.