مستقبل النمو العالمي والطلب على النفط

أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يوم 22 نوفمبر تقريرها الخاص باستشراف آفاق الاقتصاد العالمي حيث أشارت فيه إلى توقعاتها بشأن النمو الاقتصادي العالمي. ويشير التقرير إلى أنه خلال العامين الماضيين، كانت توقعات ونتائج النمو الاقتصادي العالمي تتدهور بشكل منتظم، وسط حالة من عدم اليقين بشأن السياسة وتدفقات تجارية واستثمارية ضعيفة. ولذلك تتوقع منظمة التعاون التجاري والتنمية أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي نحو 2.9% خلال هذا العام وأن يبقى هذا المعدل في حدود 3% خلال العامين القادمين 2020 و2021، وهذا مقابل توقع المنظمة خلال العام الماضي أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي العالمي خلال العام الحالي 3.5%. ويعد معدل النمو للعام الحالي هو أضعف معدل نمو سنوي منذ تفجر الأزمة المالية العالمية في عام 2008. هذا وتتفاوت معدلات النمو الاقتصادي في المدى القصير لبلدان العالم وفقا لأهمية التجارة لكل بلد.

من المهم الإشارة إلى أن كل من الصين والهند تتوليان بمفردهما نحو نصف النمو في الطلب العالمي على النفط، لذا فانخفاض النمو المنتظر في الصين وعدم تعويض الهند للدور الصيني في مجال الصناعات التقليدية ربما تعني انخفاضا في إجمالي نمو طلب البلدين على النفط.
وتشير المنظمة في تقريرها إلى عدم التوازن القائم في المزج بين السياسات المالية والنقدية. فالبنوك المركزية قامت بإجراءات التيسير النقدي بشكل متوالي وفي التوقيت المناسب، وهو ما عمل جزئيا على مواجهة الآثار السلبية للنزاعات التجارية، كما ساعدت هذه السياسة على الحيلولة دون المزيد من التدهور الاقتصادي. ومهدت هذه السياسة الطريق لإصلاحات هيكلية ولاستثمارات عامة جريئة لرفع معدل النمو في الأجل الطويل، مثل الإنفاق على البنية التحتية. ولكن حتى الآن، فإنه باستثناء حفنة قليلة من البلدان، كانت السياسة المالية تقدم دعما هامشيا، وبخاصة للاستثمارات.

وفيما يتعلق بتوقعاتها للأداء الاقتصادي في بعض بلدان العالم نشير فيما يلي إلى بعض أهم بلدان العالم المستهلكة للطاقة في العالم لما لها من تأثير كبير على العوامل الأساسية من عرض وطلب وبالتالي لما لها من تأثير على أسعار النفط. وفي هذا الشأن نجد أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد توقعت أن يسجل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مستهلك عالمي للنفط نسبة 2.3% فقط خلال العام الحالي بعد أن كانت حتى سبتمبر الماضي تتوقع نموا بنسبة 2.4%. وتتوقع المنظمة أن ينخفض معدل النمو الأمريكي خلال العامين القادمين 2020 و2021 إلى 2% فقط.

وتوقعت المنظمة أن يسجل الاقتصاد الصيني معدلا للنمو يبلغ 6.2% خلال العام الحالي، لكن المنظمة أشارت إلى استمرار فقدان ثاني أكبر اقتصاد في العالم وثاني أكبر مستهلك عالمي للنفط لقوة الدفع الاقتصادية، حيث من المتوقع أن تسجل الصين معدلا للنمو يبلغ 5.7% خلال العام المقبل، و5.5% خلال عام 2021.

ويشير تقرير منظمة التعاون الاقتصادي إلى أن الاقتصاد الصيني يتغير هيكليا، حيث يقوم بعملية إعادة توازن بعيدا عن الصادرات والصناعة التحويلية ويتحول لكي يصبح معتمدا أكثر على الاستهلاك وقطاعات الخدمات. كما يعمل الصينيون على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المكونات الأساسية لبعض القطاعات الصناعية بما يعكس رغبتهم في التحرك بعيدا عن الاعتماد على استيراد التكنولوجيا لصالح إنتاج تكنولوجي محلي. كما أن التحول في استخدام الطاقة والاهتمام بقضية التلوث، وكذا ارتفاع إنتاج الخدمات ساهمت في التأثير على طلب الصين على الواردات. ومن المنتظر أن تنخفض مساهمة الصين التقليدية في نمو التجارة العالمية كما ستتغير طبيعة هذه المساهمة الصينية. يمكن الاستنتاج إذا من تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه من المنتظر انخفاض معدل نمو الطلب الصيني على النفط، نتيجة للتغيرات الهيكلية التي يمر بها هذا الاقتصاد وكذا نتيجة للاهتمام بقضية التلوث.

وبينما يرى التقرير أنه من المنتظر أن تنمو الهند بمعدلات سريعة وهي ثالث أكبر بلد مستهلك للنفط في العالم فإن نموذجها للنمو يعد مختلفا عن النموذج الصيني ومساهمتها في نمو التجارة العالمية لن تكون كافية لكي تحل محل الصين كقاطرة للاقتصاد العالمي في مجال الصناعة التقليدية. ومن المهم الإشارة إلى أن كل من الصين والهند تتوليان بمفردهما نحو نصف النمو في الطلب العالمي على النفط، لذا فانخفاض النمو المنتظر في الصين وعدم تعويض الهند للدور الصيني في مجال الصناعات التقليدية ربما تعني انخفاضا في إجمالي نمو طلب البلدين على النفط.

وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تسجل منطقة اليورو التي تضم 19 بلدا أوروبيا نموا يبلغ 1.2% خلال العام الحالي، ثم ينخفض خلال العام المقبل ليسجل 1.1%، ثم يعود ليسجل 1.2% خلال عام 2021.

ومن بين هذه البلدان التسعة عشر يعد الاقتصاد الألماني هو الأكبر أوروبيا وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي أن ينخفض معدل النمو في هذا البلد خلال العام القادم إلى نحو 0.4%.

وتتوقع المنظمة تحقيق بريطانيا لمعدل نمو اقتصادي يبلغ خلال العام الحالي 1.2%، ثم ينخفض ليسجل 1% فقط خلال العام القادم.

وقد خفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توقعها لمعدل النمو في كوريا الجنوبية هذا العام إلى 2% بسبب تباطؤ التجارة العالمية. وذكرت المنظمة أنه من المتوقع أن يرتفع نمو الاقتصاد الكوري الجنوبي في عام 2020 ليسجل 2.3%، لكن هذه المعدلات من النمو تعد تاريخيا منخفضة بالنسبة لاقتصاد كوريا الجنوبية حيث يؤدي التباطؤ العالمي والتوترات التجارية إلى خفض مستوى الصادرات في اقتصاد يعتمد بكثافة على هذه الصادرات كوسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وبشأن أوضاع سوق النفط خلال العام المقبل تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن العرض العالمي خارج أوبك سيرتفع بنحو 2.3 مليون برميل يوميا، مقارنة بارتفاع يتوقع أن يبلغ نحو 1.8 مليون برميل يوميا فقط خلال العام الحالي. ويرجع ارتفاع الإنتاج في أغلبه إلى عدد محدود من الدول يأتي على رأسها الولايات المتحدة والبرازيل والنرويج وجيانا.

ووفقا للوكالة فإن نمو الطلب على النفط خلال العام الحالي يقدر بنحو مليون برميل يوميا، ومن المقدر أن يرتفع نمو الطلب بنحو 1.2 مليون برميل يوميا خلال العام المقبل.

وتختلف توقعات منظمة الأوبك للطلب والعرض خلال العام المقبل عن توقعات وكالة الطاقة الدولية، فانطلاقا من توقع معدل نمو للاقتصاد العالمي في عام 2020 يبلغ 3% تماما مثل توقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يتوقع التقرير الشهري لمنظمة الأوبك لشهر نوفمبر أن يبلغ معدل نمو الطلب العالمي على النفط خلال العام القادم 1.08 مليون برميل يوميا. أما في مجال العرض فقد توقع التقرير أن ينمو خلال العام المقبل بمقدار 2.17 مليون برميل يوميا.