لا خوف على إمدادات النفط العالمية

انتهت الإعفاءات الأمريكية لمشتري النفط الإيراني. إنه القرار الأمريكي النهائي الذي تتبعه عقوبات أو محاسبة لأي دولة تواصل استيراد هذا النفط. فلا استثناءات بعد الآن، ولا بد من أن يصل مستوى الصادرات الإيرانية إلى الصفر. وهذا القرار الأمريكي المتوقع اتخذ بعد سلسلة طويلة من الاتصالات والمباحثات، فضلا عن دراسة معمقة لإدارة الرئيس دونالد ترمب. والحق، أن دولا تستورد النفط الإيراني منذ سنوات، توقفت عن ذلك حتى قبل صدور القرار الأمريكي. فهذه الدول تعرف تماما أنه لا يمكنها تحدي هذا القرار الذي يهدف أساسا إلى خنق النظام الإرهابي في إيران نفطيا وماليا. وإجباره على وقف تمويله للمنظمات والعصابات الإرهابية هنا وهناك، فضلا عن وقف تدخلاته التخريبية في عدد من بلدان المنطقة.
بالطبع سيعمد نظام علي خامنئي إلى التحايل على القرار الأمريكي، كما اعتاد أن يفعل مع كل القرارات الثنائية والدولية، إلا أن الأمر مختلف الآن عما كان عليه سابقا، والمساحة التي يتحرك فيها هذا النظام باتت ضيقة إلى درجة أنه يعجز حاليا حتى عن تزويد النظام غير الشرعي في سورية بالوقود. كما أن البلدان التي تتعامل مع طهران نفطيا منذ عقود، عرفت مسبقا أنه لا مجال لمواصلة التعامل مع إيران بأي صيغة كانت. فالعقوبات الأمريكية المختلفة باتت تحدد مسار العلاقات الإيرانية الخارجية، وهذا المسار يصل إلى نقطة واحدة الآن وهي وقف كامل للتعاون النفطي والمالي مع هذا النظام الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء الدولية، ويصر على تحدي المجتمع الدولي عبر استراتيجية الخراب التي يعتمدها منذ وصوله إلى السلطة.
لا خوف على نقص الإمدادات العالمية من النفط. فالمسألة لا تستحق حتى النقاش، لماذا؟ لأن الوضع النفطي على الساحة العالمية ليس مضطربا بصورة مقلقة، حتى في ظل التوتر الراهن على الساحة الفنزويلية، وكذلك الأمر بالنسبة لليبيا. والنقطة الأهم هنا، تكمن في أن المملكة قادرة على ضخ 500 مليون برميل إضافي يوميا، دون الإخلال باتفاق خفض الإنتاج النفطي الذي جمع بلدان منظمة الأقطار المصدرة للنفط “أوبك” والدول النفطية خارجها. كما أن السعودية قادرة عمليا على زيادة الإنتاج بمعدلات كبيرة، بفعل إمكاناتها الكبيرة في هذا المجال. فلا خوف على نقص الإمدادات على الإطلاق. ومن هنا، فإن خروج إيران من السوق النفطية، لن يسبب أي اضطراب في السوق.
وفي كل الأحوال، لن تكون هناك ضربة بأي شكل من الأشكال. فالمملكة ودول “أوبك” حريصة على توازن السوق، كما أنها تحرص بصورة واضحة على العدالة السعرية للنفط. ولذلك فإن هناك إرادة عند البلدان النفطية بشكل عام، للإبقاء على هذا التوازن مهما كانت الظروف السلبية حاضرة على الساحة. والحق، أن هبوط الصادرات النفطية الإيرانية لن يخصم كثيرا من المعروض النفطي العالمي، أي أن المعروض جيد ومتوازن، ولا مجال للقلق. والأهم من هذا كله، أن البلدان المؤثرة عازمة على ألا تتأثر السوق بأي آثار سلبية على وقف الصادرات الإيرانية. ستدخل إيران الآن مرحلة جديدة عليها تماما، ولن تنفع معها السياسات الأوروبية الهلامية التي وصلت كلها إلى طرق مسدودة.
فالهدف الأهم يبقى وقف التمويل الإيراني لعمليات الإرهاب والتدخلات التخريبية في هذا البلد أو ذاك، والمجتمع الدولي مستعد للمساهمة في ذلك، لأنه يحمي نفسه من عدو لم تنفع معه السياسة الهادئة.