فيروس كورونا والانهيار التاريخي لأسعار النفط الأميركي

ألقى انتشار فيروس كورونا بظلاله على جميع مناحي الحياة، وخاصة الاقتصادية، إذ انهارت العقود الآجلة للنفط الأميركي، في ظل زيادة المعروض، وتراجع الطلب، بسبب انخفاض استهلاك الوقود جرّاء الحجر الصحي ومنع السفر، إضافة إلى قيام العديد من الدول بتخزين كميات كبيرة من النفط خلال المرحلة الماضية. ووصلت الأسعار إلى أدنى مستوياتها منذ بدء عمليات البيع المستقبلية للنفط في العام 1983.

وتتالت الانخفاضات في أسعار النفط رغم اتفاق تحالف الدول المنتجة للنفط (أوبك بلس) بتاريخ 12/4/2020، على خفض الإنتاج، إلا أن هذا الأمر غير كافٍ لوقف الانحفاض في الأسعار، وسط تقديرات المحللين الاقتصاديين باستمرار الانخفاض.

تحاول الورقة فهم الأسباب الدقيقة لتراجع أسعار النفط، والتوقعات الاقتصادية المرافقة له، لا سيما في ظل انتشار كورونا، واستمرار حالة الطوارئ، التي من شأنها تقليل استهلاك النفط.

أسعار النفط … تراجعات تاريخية

شهد يوم 20/4/2020 تراجعات وصفت بالتاريخية في أسعار النفط لدى الأسواق العالمية بشكل عام، والأسواق الأميركية بشكل خاص، إذ وصل سعر برميل النفط في القراءة الأولية لأقل من دولار، ووصل قيمة برميل النفط غرب تكساس الأميركي المزمع تسليمه في شهر أيار/مايو 2020 في وقت سابق إلى (–37) دولارًا ، وذلك بالرغم من اتفاق مجموعة الدول المنتجة للنفط “أوبك بلس”، الذي جاء حلًا لكبح تراجع أسعار النفط بين الدول المصدرة.

وأصدرت منظمة “أوبك”، بتاريخ 12/4/2020، بيان الاتفاق الذي تضمن خفض الإنتاج العالمي للنفط بنسبة 10 %، أي 9.7 مليون برميل في اليوم ، بدءًا من 1/5/2020، ولمدة شهرين كمرحلة أولية، وذلك بعد انخفاض في الطلب العام الناجم عن تفشي فيروس كورونا، إلى جانب تسابق الأطراف المنتجة للنفط إلى رفع نسبة الإنتاج العام، وبالتالي هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية كبداية “لحرب أسعار” بين المنتجين الرئيسيين. وشمل الاتفاق كلًا من السعودية وروسيا كطرفَيْن مباشرَيْن للنزاع، بضغط أميركي، حيث جاء هذا الاتفاق كمخرج من المواجهة بين الطرفين، التي انعكست سلبًا النفط الأميركي، إذ سجل أسوأ ربع له على الإطلاق.

انخفضت أسعار النفط حول العالم بمقدار الثلثين في الربع الأول من العام 2020، مسببة زلزالًا في قطاع الطاقة، بعدما خفضت روسيا والسعودية الأسعار وزادت الإنتاج، في صراع على حصصهما في السوق، لتعود الأسعار لارتفاع مطلع شهر نيسان/أبريل 2020، بعد توقّع الرئيس الأميركي دونالد بانتهاء الخلاف السعودي الروسي، إذ غرد على موقع تويتر بالقول “أتوقّع وآمل أن يتوصّل الطرفان إلى اتفاق على خفض الإمدادات بمقدار 10 ملايين برميل، وربما أكثر من ذلك بكثير”.

في المقابل، تباينت آراء كثير من المراقبين والمحللين حول نجاعة الاتفاق واستمراريته، في الوقت الذي أشادت به وسائل الإعلام السعودية بالاتفاق، ووصفته بأنه “يعكس تعاونًا بين المملكة وروسيا وأميركا، وأنه سيحوّل حرب الأسعار الناتجة عن إغراق الأسواق بالنفط إلى تعاون عالمي”.

المواقف من الأزمة

وصف الرئيس ترامب انهيار أسعار النفط بأنه قصير الأجل، وناجم عن “ضغوط مالية”، مضيفًا أن إدارته ستدرس وقف شحنات النفط القادمة من السعودية، وأن بلاده ستستغل انهيار الأسعار لشراء 75 مليون برميل لملء مخزونها الإستراتيجي من النفط، فيما أشار السيناتور الجمهوري جيم إنهوف إلى “أن تصرفات روسيا والسعودية تهدد الاقتصاد والأمن القومي الأميركيَّين”، بسبب مواصلتهما في إغراق السوق العالمي بالنفط للنيل من المنتجات النفطية الأميركية

أما السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة، فتتجه إلى انكماش بنسبة 2.3%، إذ أغلق سوق “تداول” السعودي (السوق الرئيسي لتداول الأسهم) تعاملاته يوم 21/4/2020 على انخفاض بنسبة 1.6%، وخسر سهم أرامكو (أكبر شركة نفطية في العالم) 2% من قيمته ليبقى تحت سعر طرحه الرئيسي، في ظل أنباء عن إغلاق بعض حقول الشركة بسبب عدم وجود مشترين بحسب ما جاء في صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وعمدت السعودية منذ بداية أزمة “حرب الأسعار ” في الربع الأول من العام 2020 إلى رفع نسبة الإنتاج والتخزين، بالرغم من عدم جهوزيتها لتخزين كميات كبيرة، ما اضطرها إلى استئجار ناقلات نفط لتخزين النفط في مستودعاتها.