في تحليل مؤسسة الأبحاث والتطويرRAND الأمريكية عن الأزمة الأوكرانية، بعنوان تجنب حرب طويلة Avoiding a Long War، هناك نصائح للإدارة الأمريكية، بإنهاء الصراع، حتى وإن كان على حساب أوكرانيا، وهذا يختلف مع موقف تلك الإدارة الذي عبر عنه وزير الخارجية ” أوكراني الأصل” أنتوني بلينكن عندما قال: إن الهدف من السياسة الأمريكية هو تمكين أوكرانيا من “استعادة الأراضي التي أخذت منها بعد 24 فبراير 2022. في حين أن راند، ترى أن السيطرة على الأراضي مهمة للغاية، إلا أنها ليست الجانب الأكثر أهمية في الصراع بالنسبة للولايات المتحدة.
وبغض النظر عمن هو المحق والمخطئ في تقديره: مؤسسة راند أم بلينكن، فإن هذا التباين يعكس الاختلاف بين مراكز الفكر نفسها. إذا أن ما قاله بلينكن، هو أيضاً انعكاس لوجهات نظر مراكز فكر أخرى ترى غير ما تراه راند. ولذلك، جاء تحليل هذه الأخيرة، وكما لو أنه محاولة لدحض فرضيات مراكز الفكر المنافسة لها والتي ترى إن إرسال الدبابات إلى أوكرانيا هو الذي سوف يجبر روسيا للجلوس على طاولة المفاوضات.
من ناحية أخرى، فإن الاختلاف بين مؤسسات الفكر في المركز يؤثر على تطور الأحداث في العالم. فإذا ما اقتنع المسؤولون في واشنطن بتحليل راند، فإن ذلك سوف يؤدي إلى إنهاء الأزمة الأوكرانية خلال هذا العام. وبالعكس، فإذا نجحت المراكز التي عبر وزير الخارجية الأمريكية عن وجهات نظرها، فإن الأزمة الأوكرانية سوف تطول، مع كل ما تحمله في طياتها من أخطار على الأمن والسلم العالميين.
ولذلك، فإنه يبدو للوهلة الأولى، إن تصور راند والنهاية القريبة للأزمة الأوكرانية لا يصب في مصلحة أوبك ونحن من ضمنهم، نتيجة لتأثيره على أسعار النفط بالسالب، وربما يكون هذا أحد الأسباب التي أثرت على تقديرات أسعار النفط لهذا العام المنشورة على موقع أوبك.
من ناحية أخرى، فإن استمرار هذه الأزمة، سوف يؤدي إلى ظهور سماسرة لبيع النفط الروسي، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تغير كبير في خريطة وخطوط إمدادات الطاقة العالمية، فروسيا لا تستطيع إيقاف بعض آبارها حتى لو أرادت، كي لا تتجمد في فصل الشتاء وتخرج من الخدمة. وبالتالي، فإنها سوف تكون مضطرة لبيع النفط الذي لا تشتريه أوروبا إلى بلدان أخرى مثل الهند وغيرها بسعر تفضيلي. وهذه الأخيرة، سوف تصبح مصدرة للنفط الروسي، ولكن بلا اتفاق مع أوبك.
ومثلما نعرف، فإن أوبك، وبدعم من المملكة تعمل دائما على استقرار أسواق الطاقة العالمية. ولذلك، فإن تغير خريطة إمدادات الطاقة وظهور خطوط أخرى جديدة دونما تنسق مع أوبك، من شأنه الإخلال بتوازن سوق النفط، وآلية العرض والطلب- الأمر الذي سوف يؤدي إلى إلحاق الضرر بمصالح البلدان المصدرة للنفط.
*نقلا عن صحيفة “الرياض”.