شركات النفط الوطنية تحتاج الى تغيير نموذجها

بقلم -وائل مهدى
لقد عملت صحافياً متخصصاً في النفط لسنوات طويلة. وخلال هذه السنوات كنت أنظر إلى التطورات في أنظمة ونماذج شركات الطاقة الوطنية في دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بحكم ارتباطي الجغرافي بها.
باستثناء شركة أو شركتين، فأنا لم أر شركات النفط الوطنية في أوبك على اطلاع بالتحولات الكبرى في مجال الطاقة (energy transformations)؛ بل إن بعضها يسير بلا هدى ولا سراج منير ولا خطة تحول استراتيجية، على عكس ما يحدث في شركات النفط الدولية والتي أصبحت شركات طاقة متكاملة تتعدد أنشطتها من استخراج النفط والغاز والمتاجرة فيه وتكريره إلى بيع الكهرباء وإنشاء محطات شحن للسيارات الكهربائية.
إن الطاقة مفهوم واسع جداً، وبدأ مفهوم في الظهور في الولايات المتحدة، وهو قياس الشركات بما تنتجه من طاقة بناء على وحدة القياس الحرارية (British thermal unit) وليس على أساس برميل النفط المكافئ (oil barrel equivalent) لأن إنتاج الطاقة أصبح من مصادر متعددة.
إننا لا نفهم كثيراً في عالم أوبك عما يحدث خارجه، وإن كانت كل شركات نفط أوبك والكثير من العاملين فيها على اطلاع كبير بما يحدث، إلا أن عدم الفهم سببه عدم الاهتمام، لأن النموذج التجاري (business model) لهذه الشركات لم ولن يتغير بسهولة، وهذا أمر ليس في يد الكثير من العاملين والإدارة العليا والوسطى فيها. وحتى لا نظلم هذه الشركات فهناك الكثير فيها ممن يفكرون في التحولات ويعونها جيداً، ولكن هذا لا يجعلهم قادرين على إحداث التغيير.
وكيف يتغير النموذج التجاري والجميع يفكر فقط في استخراج النفط والغاز وبيعهما وأخذ هذه الأرباح وإرجاعها للملاك (الدولة)؟ ويساعدهم في ذلك وجود احتكار لموارد ضخمة من قبل هذه الشركات.
إن شركات النفط الدولية مثل إكسون موبيل ورويال دتش شل وبريتيش بتروليوم وغيرها، لم يعد لديها الموارد النفطية كما كانت في السابق في عصر الامتيازات النفطية الكبرى، وأصبحت مطالبة بالبقاء والربحية وإسعاد المساهمين والملاك (كبار المساهمين من مستثمرين أفراد ومؤسسات).
كم هو مؤسف أن نرى الأمور راكدة في شركات النفط الوطنية في أوبك في الوقت الذي تسعى فيه شركة مثل رويال دتش شل إلى أن تصبح منتجاً كبيراً للكهرباء للتخفيض من انبعاثاتها الكربونية، وليس هذا وحسب، بل بطريقة تضمن استمراريتها لمزيد من العقود.
إن ما تفعله هذه الشركات من تحديث نموذجها التجاري وتقنياتها والاستثمار في البحث والتطوير يستحق الاحترام وكافة التقدير. أقول كل هذا بعدما قرأت تصريحات مارتن ويتسلار رئيس قطاع الغاز والطاقة الجديدة في رويال دتش شل لصحيفة «فايننشال تايمز» خلال أكبر تجمع نفطي وهو مؤتمر «سيرا ويك» في هيوستن؛ حيث أوضح أن شركته تسعى الآن لأن تصبح أكبر منتج للكهرباء بحلول عام 2030، وهو ما يتطلب منها أن تنفق 1 إلى 2 مليار دولار سنوياً.
ليس هذا ما جذبني، بل تصريحاته بأن مستقبل الكهرباء سيتغير، لأن الإنتاج لن يكون بنفس الطريقة الحالية، بل إن المشتركين في البيوت سينتجون بأنفسهم وسيصبح في كل بيت بطارية. والأهم من كل هذا هو أن تحقيق هذا الحلم لن يتم إلا إذا كان العائد على رأس المال في حدود 8 إلى 12 في المائة. هذه هي العقلية التي تفتقدها دول أوبك، فالربحية والعوائد ليست واضحة في كل ما تفعله شركاتها الوطنية، كما أن تفكيرها في المستقبل محدود جداً.
هناك محاولات ملموسة من قبل شركة أرامكو السعودية وشركة النفط الإماراتية أدنوك لمواكبة التحولات. وهناك خطة استراتيجية طويلة الأجل للشركات الأخرى مثل مؤسسة البترول الكويتية، ولكنها لا تزال خطة نفطية أكثر منها خطة تحول في مجال الطاقة. ومشكلة هذه الخطة أنها وضعت قبل أكثر من 15 عاماً ولم تخضع للكثير من التحديث، ورغم أنه جرى تحديثها وتغيرت الأرقام المستهدفة فيها؛ ولكن التغييرات لا تعكس تغييرات جذرية.
ونعود لتصريحات مسؤول «شل»، والذي وصف منافسيه في قطاع الكهرباء بـ«عديمي الفائدة» الذين يعانون من نماذج تجارية قديمة ومتهالكة. وقال إن إحدى نقاط ضعفهم هي اعتمادهم على إنتاج الكهرباء من الفحم والطاقة النووية والفلسفة المركزية في فكرهم. وقال إن إنتاج الطاقة المستقبلي لن يكون فيه مركزية، لأن الكل سيمتلك طرق تخزين وإنتاج في المنازل، وسيلجأون لـ«شل» من أجل مساعدتهم على تحسين أدائهم. أنا لا أستطيع في هذا المقال أن أعطي وصفات في كيفية التعامل مع مستقبل الطاقة، ولكن ما أريد أن أقوله هو أن علينا تغير الفكر بصورة كبيرة لدينا حتى يصبح فكرنا مستقبليا وليس آنيا. ففي الوقت الذي يتجه فيه العالم إلى اللامركزية ما زلنا «مركزيين»، وما زلنا نبحث عن إنشاء محطات طاقة نووية لإنتاج الكهرباء في الكثير من دول أوبك.
عندما استفاقت دول أوبك وبدأت في التطوير كان العالم يسبقها بأشواط في أمور أخرى. وهذا الأمر ليس حكرا على قطاع الطاقة، بل في قطاعات كثيرة. والبداية يجب أن تكون في التحول إلى التفكير الربحي والبحث عن العوائد، وهذا يجب أن يكون أساس كل عمل تجاري ومشروع من دون تدخلات ودعم حكومي. فالأزمة أزمة عقليات وليست أزمة موارد في عالم أوبك العجيب والفريد.