من: أسامة جلال –
(الهيدروجين يعيد رسم خريطة الطاقة العالمية.. والعرب حاضرون بقوة)..
في الوقت الذي ترتفع فيه وتيرة المخاوف من التلوث البيئي بسبب ممارسات بشرية بحتة ومتعددة أبرزها صناعة الطاقة المستمرة في تدمير الكوكب الذي نعتمره منذ أكثر من قرن.. أصبح من الضروري العمل على تغيير خريطة الطاقة في العالم وتعديلها وتنقيحها والبحث عن مصادر أخرى لها أقل تلوثا وجهدا وانفاقا.
(الهيدروجين الأخضر).. اللاعب النظيف الأحدث والمصدر الأقل بل المنعدم الإيذاء للبيئة.. ضيف جديد على صناعة الطاقة يحقق بعضا من الأهداف المنشودة وإن كان أكثر كلفة حتى الآن بحكم حداثته وقلة التجارب المتعاملة معه.
انه أحدث أنواع مصادر الطاقة المكتشفة والذي لا يتسبب انتاجه أو التعامل معه في انتاج أخطر الغازات الملوثة لكوكبنا (ثاني أكسيد الكربون).. بعكس المصادر الأخرى التي أبرزها الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز).. والأخضر ليس وصفا للون الغاز الذي قد يصبح مسالا.. لكنه يعني أن إنتاجه لن يؤدي إلى تلويث البيئة بالانبعاثات الضارة.
هذا الاكتشاف والمتوقع أن يغير مستقبل خريطة الطاقة العالمية المسمى بالهيدروجين الأخضر بات المشروع الأهم لدى العديد من الدول التي تضع نصب عينيها ضرورة التحول إليه ليكون المصدر الرئيس للطاقة ومصدرا مهما للدخل خلال السنوات المقبلة.
ما هو الهيدروجين الأخضر؟!
توجد عدة أدوات وطرق لفصل الهيدروجين عن الاكسجين من الماء ما ينتج عدة أنواع من الهيدروجين سميت بألوان لا علاقة لها باللون الفعلي للهيدروجين المستخرج.. وإنما بتأثيره على البيئة عند الاستخدام منها الهيدروجين الأزرق والوردي أو الرمادي في حين أن أفضلها الهيدروجين الأخضر.
والهيدروجين الأخضر يتم إنتاجه من خلال التحليل الكهربائي للماء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة (الشمس – الرياح – الماء) وناتج الانبعاثات هو أكسجين نظيف يتم إطلاقه في الجو دون انبعاثات لثاني أكسيد الكربون التي تتسبب في الاحتباس الحراري بالغلاف الجوي.
واما الهيدروجين الرمادي فيتم استخدام الوقود الأحفوري لاستخلاصه من الغاز الطبيعي وحاصل الانبعاثات أو ثاني أكسيد الكربون يتم إطلاقه في الجو وهذه العملية مضرة للبيئة وهي الأكثر شيوعا حاليا.
وبالنسبة للهيدروجين الأزرق فاستخلاصه مشابه للهيدروجين الرمادي ولكن يتم تخزين ثاني أكسيد الكربون في باطن الأرض وهذه العملية لها اضرار قليلة على البيئة ولكنها أكثر فعالية من الهيدروجين الرمادي.
لهذا يعد الهيدروجين الأخضر هو سفينة الإنقاذ لكوكب الأرض وتسعى الكثير من الدول لترحب به كعضو جديد في أسرة الطاقة المتجددة وبدأ استخدامه على نطاق محدود في مناطق عدة من العالم كبديل عن الوقود الأحفوري.
الإنتاج العالمي من الهيدروجين:
يحتوي الهيدروجين على ما يقرب من ثلاثة أضعاف الطاقة التي يحتويها الوقود الأحفوري مما يجعله أكثر كفاءة وفقا لما نشرته كلية كولومبيا للمناخ.. وعالميا يتم إنتاج نحو 120 مليون طن من الهيدروجين سنويا منها نحو 95 في المئة باستخدام الغاز والفحم الأحفوري وفقا لتقرير إمدادات الهيدروجين العالمي في العام 2021 الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.
ووفقا للإحصاءات فقد تم استخدام نحو 60 في المئة من سوق الهيدروجين العالمية البالغة 150 مليار دولار خلال العام 2020 في عملية إنتاج الأمونيا تلتها عملية تكرير النفط وإنتاج الميثانول.. بالإضافة لعدة استخدامات تجارية للهيدروجين كمصدر للوقود في السيارات والحافلات والمكوكات الفضائية.
وتشير الدراسات إلى أن الهيدروجين الأخضر سيلبي حوالى 25 في المئة من احتياجات العالم من الطاقة بحلول عام 2050 بحجم مبيعات سنوية تصل إلى 770 مليار دولار وفقا لتوقعات مجلس الطاقة العالمي.. وسيستخدم بشكل رئيسي في قطاعات الطاقة والصناعة والنقل والكيمياء والإنشاءات.
هذه التوقعات المستقبلية المبشرة دفعت عدد كبير من الدول إلى زيادة قدرات إنتاج الهيدروجين مثل الصين وألمانيا وكندا وفرنسا واليابان وأستراليا والنرويج وإسبانيا والبرتغال وفنلندا وتشيلي بالإضافة لعدد من الدول العربية أبرزها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والجزائر ومصر والمغرب وسلطنة عمان وقطر والكويت وبدأ الإعداد لاستراتيجيات الاستثمار في الهيدروجين أبرزها كان في 2020 وهي خطة الاتحاد الأوروبي للهيدروجين الأخضر الأمر الذي يجعله ضمن المرشحين بقوة لتغيير خريطة صناعات الطاقة في العالم.
كما أن من التوقعات المستقبلية المبشرة وبحسب بيانات مجلس الهيدروجين العالمي فأنه بحلول عام 2030 ستنخفض تكاليف إنتاج الهيدروجين بنسبة تصل إلى 50 في المئة وبالتالي سيكون الهيدروجين مستقبل الوقود والطاقة النظيفة.. علما بأن 8.8 كجم من الهيدروجين تعادل واحد مليون وحدة حرارية بريطانية.. وبرميل النفط المكافئ يساوي 30.47 كجم من الهيدروجين.
خريطة العالم الهيدروجينية:
الدراسات والأبحاث المبشرة بمستقبل الهيدروجين كمصدر أساسي للطاقة والتجارب أيضا الناجحة في استخدام هذا الوقود واحتلاله مكانة متميزة كصديق للبيئة جعلت الدول تسارع إلى وضع خطط واستراتيجيات لركوب قطار التحول في خريطة الطاقة العالمية وكالعادة سبقت الصين الجميع في هذه التقنية كما حصل في سائر التقنيات المناخية كالألواح الشمسية وتوربينات الرياح والبطاريات.
ومع بداية هذا العام أعلنت شركة (سينوبيك) النفطية المملوكة للحكومة الصينية عن بناء جهاز تحليل كهربائي للهيدروجين الأخضر بقدرة 300 ميغاواط ليكون الأكبر في العالم عند إطلاقه بينما أعلنت شركة الإنتاج الكيماوي الصينية (باوفينغ) عن بدء تشغيل مصنع للهيدروجين الأخضر بطاقة إنتاجية تصل إلى 200 ميغاواط كما انتشر الكثير من المشاريع الصغيرة المشابهة في جميع أنحاء الصين.
ولم تكتف الصين بهذا القدر من الاستثمار في الهيدروجين بل أعلنت أيضا عن اعتزامها إطلاق مليون مركبة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين بحلول عام 2030.
العديد من الدول أيضا تسارع إلى ركوب قطار التحول لامتلاك مصدر الهيدروجين كطاقة صديقة للبيئة حيث تسعى أستراليا إلى تصدير الهيدروجين المزمع إنتاجه عبر استغلال ما يتوافر لديها من طاقة شمسية وطاقة الرياح بينما تخطط تشيلي لإنتاج الهيدروجين في المناطق القاحلة الواقعة في شمال البلاد الغنية بالكهرباء المولدة باستخدام الطاقة الشمسية في حين تقوم كل من كوريا الجنوبية والنرويج بمشروعات مماثلة.
أما الولايات المتحدة الأميركية والتي تقوم بمشروعات كذلك مماثلة نجد هناك جهود حثيثة في ولاية كاليفورنيا من أجل استبعاد الحافلات التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2040.
وفي أوروبا نشرت المفوضية الأوروبية معلومات حول خطة إنتاج الهيدروجين لعام 2030 التي تدعو فيها إلى زيادة قدرات إنتاج الهيدروجين لتصل إلى 500 غيغاواط بحلول عام 2050 في حين ان القدرات الحالية لا تزيد على 0.1 غيغاواط.
من جهتها تنبأت مؤسسة الخدمات المالية العالمية (غولدمان ساكس) بأن تصل قيمة الاستثمارات السوقية في إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى 12 تريليون دولار بحلول عام 2050.
المنطقة العربية والهيدروجين:
لم تكن الدول العربية بمنأى عن ما يحدث في سوق الطاقة العالمي والذي هو أحد أهم موارد دخلها القومي فقد أعلنت منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) عن العديد من المشروعات العربية ونشرت المنظمة في تقرير رسمي لها أهم هذه المشروعات.
وتوقع تقرير (أوابك) أن تؤدي دول المنطقة دورا مهما في السوق العالمية والاستحواذ على حصة جيدة من سوق وقود المستقبل.. مشيرا إلى أن الدول العربية ستضيف إلى موقعها الريادي في أسواق الطاقة دورا جديدا بصفة مصدر للهيدروجين بجانب دورها التاريخي كمصدر مهم جدا لإمدادات النفط والغاز منذ عدة عقود.
وأكد التقرير أن مشروعات الهيدروجين العربية حاضرة بقوة في المشهد العالمي لافتا إلى أن عدة دول منها وقعت مذكرات تفاهم مع الشركاء الدوليين في مجال إنتاج واستغلال الهيدروجين.
وقد بلغ عدد مشروعات الهيدروجين العربية 38 مشروعا غالبيتها لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء بإجمالي 24 مشروعا في حين توجد 9 مشروعات لإنتاج الهيدروجين الأزرق والأمونيا الزرقاء و5 مشروعات لتطبيقات الهيدروجين في مجال النقل البري والبحري والجوي.
وخلصت عدة دراسات قدمت في ندوة أقامتها منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) في منتصف العام الماضي بعنوان الهيدروجين ودوره في عملية تحول الطاقة إلى أن هناك فرص واعدة للهيدروجين الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وذلك للآتي:
توفر المكونين الرئيسيين وهما الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة والمحللات الكهربائية.
تمتع المنطقة بميزة تنافسية عالية فيما يخص توليد كهرباء متجددة منخفضة التكلفة وبمؤشر قدرة عالية.
لا يزال المحلل الكهربائي والذي يشكل نحو 30 في المئة من حصة السوق العالمي باهظ الثمن.
ولفتت الدراسات التي قدمها عدد من الباحثين المرموقين في هيئات ومنظمات وشركات كبرى إلى أن هناك تحديات عدة قائمة لأسواق الهيدروجين في المنطقة وهي:
- ميزانيات صغيرة نسبيا في مجال البحوث والتطوير والابتكار مقارنة مع الدول المنافسة .
- حجم الطاقة المتجددة المتولدة متواضع نسبيا.
- محدودية الموارد المائية والتكلفة الإضافية لتحلية المياه.
- غياب بعض السياسات والأطر التنظيمية.
- مصادر التمويل .
الهيدروجين في الإمارات:
جاءت الإمارات العربية المتحدة في طليعة دول المنطقة اهتماما بالهيدروجين وقامت بتوقيع اتفاقيات تهدف من خلالها اعتلاء قمة الريادة العالمية في مجال الهيدروجين منخفض الكربون وذلك بإنجاز 8 مشروعات تستهدف من خلالها 25 في المئة من الحصة في أسواق التصدير الرئيسة.
فقد أعلنت الإمارات في العام 2021 خريطة وطنية للهيدروجين ووقعت وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة مذكرة للتعاون الشامل مع وزارة المالية الاتحادية في النمسا وتهدف الاتفاقية إلى تأسيس شراكة في مجال تكنولوجيا صناعة الهيدروجين عبر الاستفادة من الخبرات والمقومات المشتركة بين الجانبين.
في حين وقعت (مصدر) شركة أبوظبي لطاقة المستقبل اتفاقية تعاون ثلاثية مع شركة توتال إنرجي الفرنسية وسيمنس الألمانية هذا العام 2022 لتطوير محطة تجريبية في مدينة (مصدر) لإنتاج وقود مستدام للطائرات باستخدام تكنولوجيا الهيدروجين الأخضر.
أدنوك
أما شركة (أدنوك) الإماراتية فوقعت مذكرات تفاهم واتفاقيات لإعداد دراسات مشتركة مع شركات ألمانية لتأمين خلق أسواق لإنتاجها من الهيدروجين والأمونيا في المستقبل منها اتفاقية لتوفير الأمونيا الزرقاء من مشروع (فرتيل) في منطقة الرويس بطاقة انتاجية تبلغ مليون طن سنويا في عام 2025.
كما وقعت أدنوك مذكرة تفاهم مع مجموعة موانئ أبوظبي والشركة المشغلة لميناء هامبورغ للإسهام في أن يصبح الميناء الوجهة الرئيسة لاستيراد الهيدروجين في ألمانيا بالإضافة إلى اتفاقية دراسة مشتركة مع شركة هيدروجينيكس وشركة يونيبر وشركة جيرا لاستكشاف فرص التعاون في مجال نقل الهيدروجين من الإمارات إلى ألمانيا باستخدام السوائل العضوية الحاملة للهيدروجين.
الجدير بالذكر إن شركة النفط والغاز الإسبانية (سيبسا) المملوكة بحصة كبيرة لصندوق الاستثمار الاستراتيجي في أبوظبي (مبادلة) تقوم حاليا بمحادثات مع شركة (أدنوك) لإنتاج الطاقة المملوكة للدولة من أجل شراكة في مجال الهيدروجين الأخضر.
ومن أهم المشروعات الرائدة في الإمارات الخاصة بإنتاج الهيدروجين الأخضر مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر في مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية بالتعاون مع شركة سيمنس للطاقة.
ويعد مشروع الهيدروجين الأخضر الذي نفذته هيئة كهرباء ومياه دبي بالتعاون مع إكسبو 2020 دبي وشركة سيمنس في مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإنتاج الهيدروجين باستخدام الطاقة الشمسية.
كما تعتبر دبي هذا المشروع إحدى ركائز مستقبل مستدام يعتمد على تسريع الانتقال إلى الحياد الكربوني تحقيقا لإستراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050 واستراتيجية الحياد الكربوني 2050 لإمارة دبي لتوفير 100 في المئة من القدرة الإنتاجية للطاقة من مصادر الطاقة النظيفة بحلول عام 2050.
العام 2030
ومن المعلوم أن الاهتمام في العالم باستخدام الهيدروجين الأخضر لإنتاج الكهرباء ودفع عجلة التنمية في العديد من القطاعات الحيوية يزداد يوما بعد آخر إذ تشير الدراسات إلى أن إنتاج الهيدروجين الأخضر سيرتفع بنسبة 57 في المئة سنويا ليصل إلى 5.7 مليون طن في العام 2030.
وعند الحديث عن الهيدروجين في الإمارات يجب التأكيد هنا على أن الإمارات هي أول دولة عربيا والثانية عالميا التي أعلنت إمكان إنتاج الهيدروجين من الطاقة النووية للاستفادة من القدرات الكبيرة لمحطة (براكة) وذلك بحسب تقارير لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الهيدروجين المنتج من المحطات النووية يطلق عليه الهيدروجين الأصفر وقد أعلن الرئيس التنفيذي لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية يناير الماضي خلال مشاركته في (منتدى الإمارات للطاقة 12) أن بلاده يمكنها إنتاج مليون طن متري سنويا من الهيدروجين من الطاقة النووية بمجرد تشغيل وحدات محطة براكة بالكامل.
الهيدروجين في السعودية :
المملكة العربية السعودية من الدول أصحاب الريادة عربيا في التطلع للتحول وإنتاج الهيدروجين الأخضر بكميات تجارية وفي سبيل تحقيق هدف السعودية لإنتاج الهيدروجين (الأخضر والأزرق) بمعدل 2.9 مليون طن سنويا بحلول عام 2030 يزيد إلى 4 ملايين طن سنويا بحلول عام 2035.
وكانت البداية في العام 2015 عندما استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على 38 في المئة من أسهم شركة بوسكو الكورية الجنوبية والتي تسعى لتصبح ضمن أكبر 10 منتجين للهيدروجين عالميا بطاقة 7 ملايين طن سنويا بحلول العام 2050.
تطوير
وفي يناير الماضي وقع صندوق الاستثمارات العامة مذكرة تفاهم ثلاثية مع شركتي سامسونغ وبوسكو الكوريتين لتطوير مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر يخصص إنتاجه للتصدير بعد إعداد دراسات جدوى لتطوير المشروع وذلك بحسب تقرير لمنظمة (أوابك).
كما وقعت وزارة الطاقة السعودية 8 مذكرات تفاهم مع كيانات وطنية للتعاون في تنفيذ مشروعات تجريبية لاستخدام تطبيقات الهيدروجين في قطاع النقل عبر استخدام خلايا الوقود.. في حين أعلن التحالف المسؤول عن تطوير مشروع الهيدروجين الأخضر في مدينة (نيوم) الواقعة شمال غرب المملكة في مارس الماضي خطة البدء في تنفيذ المشروع مع توقعات بأن يبدأ تصدير الهيدروجين من المشروع في العام 2026.
وأفاد التحالف المسؤول عن مشروع نيوم بأن المشروع سيضم 4 غيغاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ستستخدم في توليد الكهرباء اللازمة لإنتاج 650 طن يوميا من الهيدروجين الأخضر ونحو 1.2 مليون طن سنويا من الأمونيا الخضراء باستثمارات تصل إلى 5 مليارات دولار.
الهيدروجين في مصر:
في جمهورية مصر العربية التي تتوافر فيها مياه البحار علي امتداد يزيد علي 3000 كيلومتر من الشواطى سواء على البحرين الأحمر أو الأبيض المتوسط بدا واضحا بشكل جلي اهتمام الدولة بالهيدروجين الأخضر.
وأعلنت الحكومة غير مرة عن توقيع مذكرات تفاهم وتعاون مع عدد من الشركات المختلفة العالمية والعربية حيث وقعت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) مذكرة تفاهم مع شركة شل وشركة شلمبرجيه في يناير الماضي 2022 لدراسة تطوير أعمال في مجال الهيدروجين والأمونيا، وتخزين الكربون.
كما وقعت كل من الهيئة الاقتصادية لقناة السويس وصندوق مصر السيادي وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة والشركة المصرية لنقل الكهرباء وشركة ميرسك العالمية في مارس الماضي مذكرة تفاهم لدراسة تطوير مشروع لإنتاج الوقود الأخضر من الهيدروجين الأخضر لتموين السفن وهو ما سيحتاج إلى توفير مواني تزويد بالوقود وعلى أن يبدأ تنفيذ المشروع قبل نهاية هذا العام 2022.
استمرار
وتستمرمصر التي تمتلك مقومات طبيعية هائلة لإنتاج الطاقة النظيفة (سطوع شمسي عالي – سرعة رياح مناسبة – مصادر مائية هائلة) في سعيها الحثيث لدخول نادي الهيدروجين الأخضر بكل قوة إذ وقعت اتفاقية إنتاج الهيدروجين الأخضر كمادة وسيطة لإنتاج الأمونيا الخضراء ممثلة في صندوق مِصر السيادي وشركة (سكاتك النرويجية) وشركة (فيرتيجلوب الهولندية).. حيث ستتولى شركة (سكاتك) إقامة وتشغيل منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بكميات تتراوح بين 50 الى 100 ميجاوات سيتم توريدها إلى (الشركة المصرية للصناعات الأساسية) المملوكة لشركة (فيرتيجلوب) والتي ستقوم باستخدام الهيدروجين الأخضر كمادة وسيطة تكميلية لإنتاج أكثر من 45 طنا متريا من الأمونيا الخضراء سنويا.
ومن المشروعات العربية المشتركة الهامة في مجال الهيدروجين الأخضر تبرز الاتفاقيتان اللتان وقعتهما شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر) وشركة (حسن علام للمرافق) مع الجهات المصرية المعنية للتعاون في تطوير محطات لإنتاج الهيدروجين الأخضر في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط.
مراحل
وتوضح الاتفاقية أن شركة حسن علام ستقوم خلال المرحلة الأولى من المشروع بإنشاء محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر على أن تدخل حيز التنفيذ في العام 2026 وعلى أن يصدر كامل الإنتاج لأوروبا ويستخدم جزء من الإنتاج لتموين السفن في منطقة قناة السويس.. ومن المتوقع أن تنتج المحطة 100 ألف طن من الميثانول الأخضر سنويا لتموين سفن النقل البحري في قناة السويس.. على أن يتم زيادة محطات تصنيع المحللات الكهربائية ضمن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ويؤكد خبراء الطاقة أن مصر مرشحة بقوة لتكون دولة محورية في جنوب المتوسط وشمال أفريقيا لإنتاج الهيدروجين وتصديره لأوربا المتعطشة دائما للطاقة النظيفة وهي بالتالي تنضم في موقع متقدم الي نادي الدول التي تدخل عصر الهيدروجين في المنطقة كالسعودية والإمارات المتحدة.
يذكر أن مصر تستضيف في نوفمبر المقبل 2022 الدورة ال 27 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كوب 27.. وتقوم الكثير من الشركات بإجراء دراسات الجدوى للمشروعات تفصيليا لتوقيع العقود الفعلية وإعلانها بالتزامن مع المؤتمر.
الهيدروجين في الجزائر:
“أدرجـت الحكومـة الجزائريـة كجـزء مـن خطته للانتعاش الاقتصـادي الانتقـال نـحـو الطاقات الجديد والمتجـددة كمحور أساسي وجعلته مـن الأولويات بهدف النمو (الأخضر) من خلال استخدام تقنيات الطاقة المبتكرة والرقمية”.
هذا ما أكده وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب في تصريحات صحفية لافتا إلى أنه تم إدراج تطوير الهيدروجين ضـمن الأهداف البالغ الأهميـة للحكومة الجزائرية ولهذا يتم حاليا إعـداد استراتيجية وطنية وكذا خارطة طريـق لتطوير هذا النوع من الطاقة “خاصة وأن الجزائر لديها قدرات كبيرة في هذا المجال والتي ستسمح لنا بأن نكون من بين الدول التي سيكون لها تخصص كبير و دور في إنتاج وتسويق الهيدروجين فـي العالم”.
وأوضح الوزير الجزائري ان الهيدروجين سيسمح للجزائر بدخول سوق تصدير جديد وواعد ويدخل في اطار الرؤية المستقبلية لتطوير المورد ومواجهة التحديات والالتزامات الدولية خاصة اتفاقية باريس وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030.. والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري للانتقال بنجاح نحو مستقبل منخفض الكربون.
دور مهم
وأشار إلى ان الهيدروجين سيلعب دورا مهما في مزيج الطاقة وسيمكن الجزائـر مـن أداء دور مهم في سـوق الهيدروجين العالميـة والظفر بحصـة جيدة مـن هذه السوق الواعدة لتضيف إلى موقعها الريادي في أسـواق الطاقة دورا جديدا بصـفـة مصـدر للهيدروجين بجانب دورها التاريخي بصفة مصدر هام لإمدادات الغاز منذ عدة عقود.
وكانت الجزائر أعلنت خططها لتكون فاعلا أساسيا في مجال الهيدروجين الأخضر والقيام بدور رئيس في مسار تحول الطاقة خلال السنوات المقبلة مستندة إلى ما تملكه من إمكانات من مصادر الطاقة المتجددة وشبكات نقل الغاز الوطنية والعابرة للحدود التي تربطها مع الأسواق الأوروبية.
الهيدروجين في المغرب:
تعد المغرب من الدول العربية الرائدة أيضا في مجال الهيدروجين الأخضر حيث دخلت الحكومة المغربية في شراكة مع ألمانيا لتطوير أول مصنع هيدروجين أخضر في القارة وذلك في العام 2020 ويشمل اتفاق الشراكة قطاع الطاقة الخضراء والبنية التحتية المستدامة وتوليد الطاقة الشمسية وتوليد الطاقة من الرياح.. كما تعمل المغرب على عدد من المشروعات الأخرى في مجال الهيدروجين الأخضر.
المستثمرون وسعر الهيدروجين:
ولأن عملية انتاج الهيدروجين تعد من العمليات الصناعية الجديدة فمازالت هذه العمليات مرتفعة التكلفة كمعظم عمليات الإنتاج الصناعي في بداياتها ويرى مستثمرون وشركات وفقا لمسح أجراه بنك الاستثمار الأوروبي أن سعر الهيدروجين الأخضر هو العقبة الرئيسية لتوسع إنتاجه في أوروبا رغم أن القارة تتجه لضخ أكثر من نصف تريليون دولار في إنتاجه حتى عام 2050.
وتسعى أوروبا لتبني مصادر الطاقة النظيفة بهدف تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050 كما أنه وبعد غزو روسيا لأوكرانيا ورغبة أوروبا في الاستغناء عن الغاز الروسي زادت أهمية الهيدروجين كمصدر للطاقة.
وخلص المسح الذي أجراه البنك إلى أن إنتاج الهيدروجين الأخضر من مصادر الطاقة المتجددة يتسم بارتفاع سعره وسط نقص التشريعات المناسبة لتشجيع هذا القطاع.. وتأتي وجهة النظر هذه على الرغم من تراجع تكاليف إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى 4 دولارات لكل كيلوغرام مقارنة بنحو 14 دولارا للأزرق و 12 دولارا للرمادي.
ضمانات
وأوضح المسح إن إنتاج الهيدروجين الأخضر يحتاج إلى تدابير مثل ضمانات استهلاك الهيدروجين وحصص الاستهلاك وفرض ضريبة على الكربون إضافة إلى قواعد أكثر مرونة لتحقيق طموحات أوروبا في هذا القطاع.
وأشار تقرير بنك الاستثمار الأوروبي إلى أن الاتحاد يستهدف توليد 6 غيغاواط من الكهرباء عبر إنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة 25.8 مليار دولار بحلول 2024 و40 غيغاواط بتكلفة 46.2 مليار دولار في 2030.
وتوقع بنك الاستثمار الأوروبي أن تصل قيمة استثمارات الهيدروجين الأخضر في العام 2050 إلى نحو 517 مليار دولار أميركي.
وفي تحليل لوكالة الطاقة الدولية أوضحت أن تكلفة إنتاج الهيدروجين من الكهرباء المتجددة يمكن أن تنخفض بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2030 نتيجة لانخفاض تكاليف استخراج مصادر الطاقة المتجددة وزيادة إنتاج الهيدروجين.
السعر والبلدان
يذكر ان سعر كيلو الهيدروجين يختلف باختلاف البلدان ومصادر إنتاجه حيث يبلغ ثمن الكيلو في بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي بين أربعة إلى ستة دولارات ونصف وفقا للمفوضية الأوروبية في حين يبلغ سعر الكيلو في الولايات المتحدة بين 10 و15 دولارا.
على أي حال من المؤكد أن استخدام الهيدروجين الأخضر سيكون ضروري وملح أياً كان سعره الذي يتوقع أن ينخفض مع تطور الصناعة وبالمقارنة مستقبلا مع أسعار الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز).
فالحاجة إلى الوقود في ازدياد مع زيادة عدد سكان المعمورة وزيادة احتياجاتهم واستهلاكهم للطاقة ولكن التلوث أصبح جد خطير ولم يعد الأمر يتحمل الاعتماد على الوقود الأحفوري ولا حتى النظيف فقط وإنما الأخضر منعدم الانبعاثات الكربونية حتى لا يتعرض الكوكب لمشاكل بيئية كبيرة ويعرض طبقات الأرض لمخاطر الزلازل وسماء الكوكب للتغير في المناخ وهو ما ينعكس على حياة البشرية جمعاء.
وإن كان الماضي شاهد على أهمية الوقود الأحفوري والحاضر يدعو لاستخدام الوقود النظيف فإن المستقبل حتما سيكون فيه للوقود الأخضر أهميته وضرورته القصوى في ظل مناخ ملوث وأجواء تؤثر سلبا على حياة البشر ودرجة حرارة ارتفعت لدرجتين في المتوسط العالمي غيرت الثابت وأرعبت الأحياء بكل صنوفهم.(النهاية)
الكاتب – أسامة جلال:
osamaegkw@gmail.com