الهيدروجين الأزرق.. نافذة لدعم الطلب على الغاز وتقليل انبعاثات الكربون

حاز موضوع استخدام الهيدروجين كبديل للطاقة على اهتمام بالغ في الآونة الأخيرة، وذلك في ضوء التشريعات والإجراءات الدولية الرامية نحو نزع الكربون من منظومة الطاقة العالمية لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والحد من ظاهرة تغير المناخ. حيث يمكن استخدام الهيدروجين كوقود في قطاع النقل وفي القطاع السكني والقطاع الصناعي، علاوة على إمكانية استخدامه في قطاع توليد الطاقة الكهربائية.

ولا يوجد الهيدروجين في الطبيعة كعنصر حر، بل يلزم انتاجه من مصادر أخرى ومن ثم نقله وتخزينه قبل تحويله إلى كهرباء أو طاقة حرارية أو استخدامه كمادة خام في الصناعة. ولا يعد انتاج واستخدام الهيدروجين أمراً جديداً، بل على العكس فقد تم إنتاج الهيدروجين واستخدامه بكميات ضخمة منذ عدة سنوات، إلا أن تناول موضوع الهيدروجين من منظور استخدامه “كمصدر للطاقة” هو قضية حديثة اكتسبت زخماً متزايداً في الآونة الأخيرة.

وهناك عدة طرق لإنتاج الهيدروجين، يستخدم فيها الغاز الطبيعي، إلا أن هذه الطرق يصاحبها إطلاق انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون، ولذا يطلق على الهيدروجين المنتج بهذه الطريقة “الهيدروجين الرمادي”. ويمكن التخلص من تلك الانبعاثات عبر تطبيق تقنية اصطياد واحتجاز الكربون (CCS) ويطلق عليه في هذه الحالة اسم “الهيدروجين الأزرق”. كما يمكن إنتاج الهيدروجين من عملية التحليل الكهربائي للماء، وإذا كانت الكهرباء المستخدمة في تلك العملية مولدة من مصادر طاقة متجددة كالرياح والطاقة الشمسية، فيعد الهيدروجين في تلك الحالة ” هيدروجين أخضر” ولا ينتج عنه بطبيعة الحال أية انبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون.

ويعد الغاز الطبيعي المصدر المهيمن لإنتاج الهيدروجين عالمياً، حيث يشكل وحده نحو 95% من إنتاجه في الوقت الراهن. ويستخدم الإنتاج الحالي من الهيدروجين في صناعة الأسمدة والكيماويات بشكل أساسي، وفي داخل مصافي التكرير.

من جهتها تتابع الأمانة العامة لمنظمة أوابك وباهتمام بالغ التطورات الدولية نحو التحول لاستخدام الهيدروجين كوقود للمستقبل، والمبادرات والسياسات التي أعلنتها عدة دول وهيئات دولية التي تتناول الرؤى حول الدور المستقبلي الذي سيساهم فيه الهيدروجين في خلق منظومة طاقة منخفضة الكربون. حيث تحرص الأمانة العامة على المشاركة في الندوات الإقليمية، وفي اجتماعات خبراء الغاز في الأمم المتحدة المثارة حول هذا الموضوع الهام لرصد تلك التطورات عن كثب، حيث قامت مؤخراً بإعداد تقرير تناول أحدث التطورات الدولية في مجال الهيدروجين من خلال مشاركتها في الدورة السابعة لمجموعة خبراء الغاز في الأمم المتحدة في جنيف 22-25 أيلول/سبتمبر 2020، أبرزها الاستراتيجية الأوروبية للهيدروجين التي أعلنتها المفوضية الأوروبية في تموز/يوليو 2020، والوثيقة الصادرة عن الأمم المتحدة بعنوان ” الهيدروجين-حل مبتكر لحياد الكربون” والتي تدعو إلى استغلال البنية التحتية القائمة للغاز الطبيعي في اقتصاد الهيدروجين، وقد تم نشر التقرير على الموقع الرسمي للمنظمة على شبكة الانترنت.

وتولي الأمانة العامة لمنظمة أوابك اهتماماً باستخدام الهيدروجين الأزرق الذي يعتمد على الغاز الطبيعي مع تطبيق تقنية اصطياد وتخزين الكربون بما يحقق مصالح الدول الأعضاء، وتبرز مزاياه في مقابل الاستراتيجيات التي تدعم استخدام الهيدروجين الأخضر المعتمد على الطاقة المتجددة. ومن تلك المزايا على سبيل المثال لا الحصر، انخفاض التكلفة التي تبلغ في المتوسط 1.5 يورو لكل كجم، وإذا ما تم تطبيق تقنية اصطياد وتخزين الكربون للتخلص من الانبعاثات الناتجة أثناء إنتاج الهيدروجين من الغاز، قد تصل التكلفة الإجمالية إلى 3.5-5 يورو لكل كجم، وهي أقل بالمقارنة مع تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر الذي تصل تكلفته إنتاجه إلى أعلى من 6 يورو لكل كجم. ولا شك أن توافر الغاز الطبيعي عالمياً بأسعار معقولة في ضوء الوفرة الحالية من الإمدادات يعطي له ميزة تنافسية مقارنة بأنواع الهيدروجين الأخرى، ويشجع الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي. كما أن استمرار تطوير تقنية اصطياد وتخزين الكربون من خلال دعم وتمويل البحث والتطوير، قد يسهم أيضاً في خفض تكلفتها، ومن ثم يمكن بناء سوق تجاري للهيدروجين بأسعار تنافسية.

ولاشك أن الهيدروجين الأزرق سيحقق متطلبات المبادرات الدولية الرامية نحو خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وبتكلفة اقتصادية أقل من الهيدروجين الأخضر الذي تدعمه السياسات الأوروبية بوضوح.

إن الأمانة العامة لمنظمة أوابك تسعى دوماً نحو الوقوف على أبرز التطورات التي يشهدها قطاع الطاقة العالمي، والخطط والاستراتيجيات التي تتبناها الدول والمؤسسات الدولية للتوسع في مصادر الطاقة المتجددة، وما لهذه الخطط من تداعيات على صناعة النفط والغاز، ومن ثم طرح رؤيتها التي من شأنها دعم مصالح الدول الأعضاء لتحقيق المنفعة المشتركة بين جميع أصحاب المصلحة والمساهمة في بناء مستقبل مستدام للطاقة.