مع توالي الأزمات العالمية الكبرى في الأعوام الأخيرة منذ ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في نهاية العام 2019 وانتهاء بالحرب الروسية الأوكرانية التي بدأها الرئيس بوتين بغزو أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي وما تمثله الدولتين من قوى اقتصادية تأثرت أسعار النفط تأثرا شديدا صعودا وهبوطا وبشكل حاد مما جعل دولا تدخل في مرحلة الشح وأخرى تصل لمرحلة الثراء والغنى الفاحش.
ليس هذا وحسب بل أن الدول التي عانت في البدايات وصلت لمرحلة الرفاهية في النهايات ومن كان يعاني أزمات مالية ونقص حاد في الموارد وعجز الموازنة العامة هو من أصبح لديه الفائض المضاعف في حين أصبح المضاربين في النفط من المستثمرين والسماسرة أشبه بمن يمارسون لعبة الروليت أو القمار الذي يلعب الحظ فيه دور البطولة فلا يمكن التوقع الطويل الأجل ولا حتى المتوسط والقصير للأسعار ولا يمكن أن تقول أنك رابح في المستقبل أو حتى في الأيام القليلة المقبلة.. وربما في نفس الجلسة.
الجديد اليوم في الأحداث المؤثرة على الساحة العالمية والذي حتما سيؤثر على أسعار النفط وهو السلعة شديدة الحساسية والتأثر بالأحداث العالمية هو المظاهرات المندلعة في إيران حاليا والتي إذا ما استمرت ربما تؤثر بشكل كبير على الأسعار إذا ما توقف انتاج النفط الإيراني أو تعطل أو قل.. وهو الذي استعاد حجمه كما قبل فرض العقوبات الأمريكية على طهران البالغ أقل بقليل من 4 مليون برميل يوميا.
فالنفط الإيراني والذي كان تراجع بعد فرض العقوبات وبداية الغزو الروسي بحسب التقديرات المختلفة إلى نحو 2 مليون برميل يوميا يباع معظمه خلسة وبشكل غير معلن أصبح اليوم ينظر إليه وإلى إيران بأنها المعوض بشكل كبير لما يفقده السوق العالمي من النفط الروسي الذي بات محظورا في دول عدة والغاز أيضا.. وهو ما يؤثر على الأسعار والصناعة العالمية وفي مجالات شتى مهمة تلبي احتياجات البشرية.
وباتت إيران مع هذه الأوضاع هي واحد من البدائل للتحرر عبودية النفط الروسي لدول أوروبا إلى حد بعيد وينظر إليها بعين العطف والتسامح بعد أن كانت الدولة العدو الأول وربما الوحيد لدول غربية كبرى على رأسها الولايات المتحدة.
ورغم أن منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) خفضت توقعاتها للطلب العالمي على النفط في 2022 في الشهرين الأخيرين بسبب العملية العسكرية الروسية وزيادة التضخم وانتشار السلالة أوميكرون من فيروس كورونا في الصين.. فإن الأسعار لم تهدأ ولم تتراجع تراجعا مؤثرا في الوقت الحالي بل ربما تزداد اشتعالا مع التهديدات للانتاج الإيراني وتراجع الليبي أيضا بفعل حالة عدم الاستقرار في الدولة التي تنتج أحد أفضل أنواع النفوط في العالم (الحلو – الخفيف).
وكانت منظمة أوبك ذكرت في تقريرها بداية الشهر الحالي إن الطلب العالمي على النفط سيزيد بمقدار 3.36 مليون برميل يوميا في العام الحالي بانخفاض 310 آلاف برميل نفط يوميا عن توقعاتها السابقة.
ورغم كل هذا لازالت اوبك تتوقع أن يتجاوز الاستهلاك العالمي مستوى 100 مليون برميل يوميا في الربع الثالث من هذا العام وأن يتجاوز المتوسط السنوي المستويات السابقة على الجائحة.
وألمحت أوبك في تقريها إلى تأثر الطلب بقيود احتواء جائحة كورونا وبالتطورات السياسية الجارية والحرب في شرق أوروبا التي دفعت الأسعار إلى الارتفاع متجاوزة مستوى 139 دولار للبرميل لفترة وجيزة في شهرمارس الماضي وهو أعلى مستوى منذ 2008 ما زاد من الضغوط التضخمية في كل دول العالم.. وهو السبب في اندلاع الاحتجاجات الإيرانية هذه الايام.
ونقلت الوكالة الإيرانية عن النائب أحمد آوائي أن شخصا من مدينة أنديمشك سقط خلال التجمعات الأخيرة في دزفول.. وشهدت عدة مدن إيرانية خلال الايام الأخيرة احتجاجات شارك فيها المئات رفضا لقرار الحكومة رفع أسعار العديد من المواد الغذائية الأساسية وفق ما أفاد به الإعلام الرسمي.
وإذا ما نظرنا للاستهلاك العالمي للنفط نجد أنه لم يتجاوز حتى الآن 100 مليون برميل يوميا فهو بحسب الاحصاات المتوفرة يبلغ أقل من 100 مليون برميل بنحو 400 ألف برميل فقط.
قائمة بأكبر 10 دول حسب الاستهلاك:
مرتبة | البلد / المنطقة | استهلاك النفط ( برميل / يوم) |
سنة |
– | World | 99,558,000 | 2018 |
1 | الولايات المتحدة | 20٬000٬000 | 2018 |
– | الاتحاد الأوروبي | 15٬000٬000 | 2017 |
2 | الصين | 13٬500٬000 | 2018 |
3 | الهند | 4٬990٬000 | 2018 |
4 | اليابان | 3٬988٬000 | 2017 |
5 | السعودية | 3٬918٬000 | 2017 |
6 | روسيا | 3٬224٬000 | 2017 |
7 | البرازيل | 3٬017٬000 | 2017 |
8 | كوريا الجنوبية | 2٬796٬000 | 2017 |
9 | ألمانيا | 2٬447٬000 | 2017 |
10 | كندا | 2٬428٬000 | 2017 |
المصدر: ويكيبديا
وأما إذا ما نظرنا إلى انتاج دول منظمة أوبك فقد كشفت المنظمة عن حصص الدول الأعضاء من إنتاج النفط خلال شهر مايو الجاري بإجمالي 42.126 مليون برميل يوميا حيث تمت زيادة الإنتاج 432 ألف برميل إضافي يوميا بداية من مايو الجاري.
وهكذا فإن تجمع أوبك بلس الذي تقوده السعودية وروسيا تمسك بزيادة الإنتاج على الرغم من الحرب في أوكرانيا.
حصص دول أوبك+ من إنتاج النفط في مايو الجاري:
- إنتاج السعودية بنحو 10.549 مليون برميل يوميا.
- وروسيا 10.549 وهي تعادل تقريبا حصة السعودية في الإنتاج اليومي.
- والعراق 4.461 مليون برميل.
- والإمارات 3.040 مليون برميل يوميا.
- والكويت 2.694 مليون برميل.
- والمكسيك 1.753.
- ونيجيريا 1.753.
- وقازاخستان 1.638.
- وأنجولا 1.465.
- والجزائر 1.013.
- وعمان 0.846.
- أذربيجان 0.688.
- وماليزيا 0.571.
- والكونغو 0.312.
- والبحرين 0.197.
- والجابون 0.179.
- وغينيا الاستوائية 0.122.
- وجنوب السودان 0.124.
- وبروناي 0.098.
- والسودان 0.072.
ويقدر إنتاج دول أوبك بنحو 25.589 مليون برميل يوميا، وإجمالي إنتاج دول أوبك+ قدر بنحو 42.126 مليون برميل يوميا، بحسب بيانات منظمة الدول المصدرة للنفط.. وأوبك+ هي مجموعة من 23 دولة مصدرة للنفط تجتمع كل شهر في فيينا لتحديد كمية النفط الخام التي ستُطرح في الأسواق العالمية.. وتضم هذه المجموعة 13 من الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وهي دول شرق أوسطية وأفريقية بشكل رئيسي.
ويذكر.. وتأسست أوبك في عام 1960 بهدف تحديد المعروض العالمي من النفط وسعره.. وفي الوقت الحالي تنتج دول أوبك نحو 30 في المئة من النفط الخام في العالم أو ما يصل لحوالى 28 مليون برميل يوميا.. وتعد السعودية أكبر منتج للنفط داخل منظمة أوبك.
وفي عام 2016، عندما انخفضت أسعار النفط بشكل كبير.. انضمت أوبك إلى 10 من منتجي النفط من خارجها لإنشاء (أوبك بلس+) وكان من بين الدول العشرة الجديدة روسيا التي تنتج أيضًا أكثر من 10 ملايين برميل يوميا.. وتنتج هذه الدول معا حوالى 40 في المئة من إجمالي النفط الخام في العالم.
قائمة بأكبر 10 دول منتجة للنفط في 2019 وفقا لبيانات بي بي:
الولايات المتحدة: 17.072 مليون برميل يوميًا
السعودية: 11.832 مليون برميل يوميًا
روسيا: 11.679 مليون برميل يوميًا
كندا: 5.372 مليون برميل يوميًا
العراق: 4.779 مليون برميل يوميًا
الإمارات: 3.999 مليون برميل يوميًا
إيران: 3.399 مليون برميل يوميًا
الصين: 3.836 مليون برميل يوميًا
الكويت: 2.976 مليون برميل يوميًا
البرازيل: 2.876 مليون برميل يوميًا
وفي عام 2020، لم تختلف خريطة النفط كثيرًا من حيث الدول الأكثر إنتاجًا للخام -كما تشير بيانات بي بي- مع صدارة الولايات المتحدة بإنتاج 16.476 مليون برميل يوميًا.
وبالنسبة لعام 2021 تقدر مجلة أويل آند غاز أن إجمالي إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام والمكثفات وسوائل الغاز الطبيعي والرمال النفطية يقارب 16.5 مليون برميل يوميا لتتصدر أميركا مرة أخرى قائمة أكبر الدول المنتجة للنفط.
قائمة بأكبر 10 دول منتجة للنفط الخام والمكثفات وسوائل الغاز الطبيعي والرمال النفطية خلال عام 2021وفقا لبيانات مجلة أويل آند غاز.
- الولايات المتحدة: 16.5 مليون برميل يوميًا
- روسيا: 10.68 مليون برميل يوميًا
- السعودية: 10.6 مليون برميل يوميًا
- كندا: 5.4 مليون برميل يوميًا
- الصين: 4.070 مليون برميل يوميًا
- العراق: 4.020 مليون برميل يوميًا
- الإمارات: 3.66 مليون برميل يوميًا
- إيران: 3.1 مليون برميل يوميًا
- البرازيل: 3.03 مليون برميل يوميًا
- الكويت: 2.76 مليون برميل يوميًا
ويالها من مفارقة تؤكد أن المضاربة في أسعار النفط حاليا أشبه بلعبة الروليت ففي ربيع عام 2020 ومع انتشار فيروس كورونا حول العالم ودخول الدول في حالة إغلاق انهار سعر النفط الخام بسبب نقص المشترين.. حيث كان المنتجون يدفعون أموالا للناس مقابل منحهم النفط لأنه لم يكن لديهم مساحة كافية لتخزينه بالكامل.
وفي يونيو 2021 ومع بدء تعافي الطلب على النفط الخام بدأت أوبك+ في زيادة المعروض تدريجيا.. وعندما غزت روسيا أوكرانيا ارتفع سعر النفط الخام إلى أكثر من 100 دولار للبرميل.
ويركز الاتحاد الأوروبي منذ أسابيع على كيفية التوقف عن الاعتماد على النفط والغاز الروسيين.. وتعهد الاتحاد بالفعل بخفض واردات الغاز بمقدار الثلثين بحلول نهاية عام 2022 ويخطط الآن للتخلص التدريجي من النفط الخام على مدى ستة أشهر والمنتجات المكررة بحلول نهاية عام 2022.
السؤال الآن.. ما هو الحل إذا ما انكمش الانتاج في إيران وليبيا ودول أخرى واستمرت الحرب الروسية الأوكرانية وزادت حدة جائحة كوفيد هل ستظل أسعار النفط عند مستوياتها أم سترتفع ارتفاعا جنونيا بسبب الشح والحرب.. أم ستنخفض بجنون إذا ما ضربت الجائحة بأوزارها مرة أخرى واضطرت دول إلى إعلاق المصانع وفرض الحظر.