استثمار 7.5 % من مساحة السعودية فى الطاقة الشمسية يسد احتياج العالم

قال الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، أن المملكة السعودية حباها الله – تعالى – بمساحات شاسعة يمكن استثمارها لبناء محطات إنتاج طاقة شمسية ضخمة، واستخدام 7.5 في المائة من مساحة المملكة لمشروعات الطاقة الشمسية يكفي لسد احتياج العالم من الطاقة.

وكان اطلاق  “مشروع خطة الطاقة الشمسية 2030” قد أثار اهتمام عدد من خبراء الطاقة في العالم، خاصة بعد الإعلان عن عزم المملكة إنتاج 200 جيجا واط من الطاقة الشمسية عام 2030م، مؤكدين أن هذا المشروع سينقل المملكة من دولة متقدمة في تصدير النفط إلى دولة لتصدير الطاقة المستدامة، نظير ما تمتلكه من مقومات طبيعية تؤهلها لتأسيس صناعات صديقة للبيئة من خلال طاقات الشمس، والرياح، وحبّات الرمال الغنية بمادة السليكا.

ووفقا لـ “واس”، تتوافق أهداف هذا المشروع العالمي مع توقعات وكالة الطاقة الدولية أن تكون الطاقة الشمسية أكبر مصدر للطاقة في العالم بحلول 2050م، وكذلك مع استراتيجية “رؤية المملكة 2030” الرامية إلى تنويع الاقتصاد الوطني، وتحفيز الاستثمارات والصناعات غير النفطية، فضلا عن تقليل سعر تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية، وإيجاد مزيد من الفرص الوظيفية لأبناء وبنات الوطن منها 100 ألف وظيفة في مشروعات الطاقة الشمسية وحدها.
ومما يؤكد نجاح هذا التوجه الاقتصادي أن الشمس التي تطل على الأرض من على بعد 150 مليون كيلو متر، ويصل ضوؤها إليها بعد نحو ثماني دقائق، تتعرض لها المملكة نتيجة موقعها الجغرافي بمعدل إسقاط إشعاعي يومي يصل إلى نحو 8300 واط لكل متر مربع في الساعة، وهو من أعلى المعدلات الإشعاعية في العالم.
وليس بجديد الاهتمام بدراسات الشمس، فالمملكة منضمة إلى مشروع علمي مع “اليابان”، و”البيرو” لرصد حركة شروق الشمس وغروبها يوميًا على الأرض تنفذه جامعة الملك سعود من الرياض باستخدام التلسكوب الشمسي The
Flare Monitoring Telescope – FMT مع جامعتي “كيوتو” اليابانية، و”وأيوا” في البيرو في أمريكا الجنوبية، من أجل رصد أي تغيرات قد تحدث على سطح الشمس، ولها تأثير في الأرض، لا سمح الله.
أما بالنسبة إلى استفادة المملكة من طاقة الشمس فإن قصتها تعود إلى قبل 38 عامًا مضت، حينما دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عام 1980م – عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض- محطة أبحاث مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في العيينة التي تعد أولى المحطات العلمية والإنتاجية للمملكة المعروفة باسم “مشروع القرية الشمسية” لتوفير الكهرباء بقدرة 350 كيلو واط إلى كل من: العيينة، والجبيلة، والهجرة المحاذية للرياض.
وعدّت القرية الشمسية أول محطة طاقة شمسية في المملكة نشأت بشراكة سعودية أمريكية لإنتاج 350 كيلو واط من خلال استخدام المجمعات الكهروضوئية المركزة، ما جعلها تصبح نواة لجهود وطنية بحثية متطورة في تقنيات الطاقة المتجددة، خاصة أبحاث الطاقة الشمسية.
وعقب هذه التجربة تحوّل الاهتمام الوطني بالطاقة الشمسية عبر سنوات متعاقبة إلى منظور اقتصادي تمثّل في إطلاق مبادرة خادم الحرمين الشريفين لتحلية المياه بالطاقة الشمسية عام 2010م التي وصفت بأنها أكبر مشروع لتحلية المياه في العالم تم على ثلاث مراحل في مدينة الخفجي أقصى شمال شرق المملكة، وتُشرف عليه مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بمشاركة عدة جهات حكومية وخاصة، بوصف تحلية المياه المالحة تعد الخيار الاستراتيجي لتأمين مياه الشرب للمملكة التي تنتج أكثر من 18 في المائة من الإنتاج العالمي للمياه المحلاة.
ولم يكن التوجه الاستثماري للطاقة الشمسية في المملكة يسير على نطاق واسع، حيث أكدت “رؤية 2030” أن المملكة لا تمتلك قطاعًا منافسًا في مجال الطاقة المتجددّة في ظل توقع ارتفاع مستوى الاستهلاك المحلي للطاقة ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030م، وهو ما حدا بالأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة إلى فتح هذا الملف التنموي، إيمانًا منه بأهميته النوعية للاقتصاد الوطني.
ووفقًا لتقديرات حكومية أعلنتها مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في وقت سابق، فإن الطلب المتوقع على الكهرباء في المملكة سيتجاوز 120 جيجا واط بحلول عام 2030، ما لم يتم إنتاج طاقة بديلة، وتطبيق أنظمة للحفاظ على مصادر الطاقة، مبينة أن طاقة الهيدروكربونات ستظل عنصرًا رئيسًا في مزيج الطاقة المستهدف في المملكة حتى عام 2030، تدعمها الطاقات: الذرية، الشمسية، الرياح، الحرارية الأرضية، والمحولة من النفايات.
من هنا ذهبت استراتيجية رؤية المملكة في فكرتها لتنويع مصادر الاقتصاد الوطني إلى التنقيب في اقتصادات الثروات الطبيعية للمملكة مع الحفاظ على مكوناتها البيئية، مستهدفة إضافة 9.5 جيجا واط من الطاقة المتجددة إلى الإنتاج المحلّي بحلول عام 2023م كمرحلة أولى، علاوة على توطين نسبة كبيرة من العاملين في الطاقة المتجددة في مجالات: البحث، والتطوير، والتصنيع، وغيرها.
وفي سياق التوجه الوطني نحو استثمار الثروات الطبيعية أعلن المهندس خالد بن عبدالعزيز الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية في 17 أبريل 2017 عن إطلاق مبادرة خادم الحرمين الشريفين للطاقة المتجددة، مع إطلاق وثائق مناقصات مشروع سكاكا للطاقة الشمسية بطاقة قدرها 300 ميجا واط، ومناقصة مشروع لطاقة الرياح طاقته 400 ميجا واط.
لكن قصة التحول في هذا التوجه كانت تدور رحاها ما بين الرياض ونيويورك، حيث صاغ ولي العهد مفردات تحوّل المملكة إلى عهد “مملكة الطاقة المستدامة” في غضون خمسة أشهر احتضنت خلالها الرياض في 23 أكتوبر 2017م بداية وضع استراتيجية “مشروع خطة الطاقة الشمسية 2030” ما بين صندوق الاستثمارات العامة ورؤية سوفت بنك، بينما في 28 مارس 2018م وقع ولي العهد في نيويورك مع صندوق رؤية سوفت بنك مذكرة تفاهم لإنشاء خطة المشروع، في خطوة تعقبها أخرى لإنجاز المشروع في مطلع 2019م، والبدء الأولي في إنتاج الطاقة الشمسية.
ويعد هذا المشروع إحدى خطوات ولي العهد الطموحة نحو تطبيق رؤية المملكة التي أكدت أنها ستضع إطارًا قانونيًا وتنظيميًا يسمح للقطاع الخاص بالملكية والاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، وتوفير التمويل اللازم من خلال عقد شراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال الصناعة لتحقيق التقدّم في هذه الصناعة، وتكوين قاعدة من المهارات التي تحتاج إليها مع ضمان تنافسية سوق الطاقة المتجددة من خلال تحرير سوق المحروقات تدريجيًا.
ويمكن لهذا المشروع العالمي أن يُسهم في زيادة توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية التي من شأنها أيضًا أن تفتح قنوات اقتصادية واستثمارية جديدة في المملكة، إضافة إلي توفير عديد من فرص التوظيف، والتدريب، والاستثمار للأفراد والشركات.
وفي ذلك الصدد، نوّه الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد؛ رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بجهود ولي العهد في توقيع مذكرة التفاهم لإنشاء خطة الطاقة الشمسية 2030 كخطوة أولى نحو إنتاج 200 جيجا واط عام 2030، مبينًا أنها تأتي في إطار اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده بتنمية الوطن والاستفادة من ثرواته الطبيعية بما يعود خيرها لمصلحة أبناء وبنات الوطن.
وقال “إن احتياجات السعودية من الطاقة حاليًا تعادل 75 جيجا واط، ومشروع خطة الطاقة الشمسية 2030 سيمكن المملكة من تصدير الفائض منها عبر الشبكات الكهربائية المترابطة، وتعد بذلك طاقة بديلة لطاقة النفط في المملكة”.
وأضاف أن “خطة الطاقة الشمسية 2030 لها عديد من الجوانب الإيجابية أجلّها تخفيض تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية للإسهام في استخدامات تحلية المياه المالحة لأغراض الزراعة، وستعمل هذه الخطوة على سد احتياج المملكة من الطاقة في الزراعة الذي يقدر بنحو 20 جيجا واط”.
ولفت إلى أن من المقومات الأساسية التي تتمتع بها المملكة، الكميات الهائلة من الرمال الغنية بمادة السليكا التي يمكن تحويلها إلى سيليكون عالي النقاوة، وهو المادة الأساسية في إنتاج الخلايا الشمسية، والتكامل مع مجال التعدين وذلك باستخدام مخلفات الفوسفات في المناجم، لإنتاج كيلو متريات أخرى من مادة السيليكون.