
أسعار النفط تتراجع على وقع طبول الحرب التجارية أسعار النفط تتراجع على وقع طبول الحرب التجارية إنشر على الفيسبوك إنشر على تويتر
فقدت أسعار النفط زخمها الصعودي في نهاية تعاملات الأسبوع بعد تأزم المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين بشكل مفاجئ، الأمر الذي أجج المخاوف من تباطؤ الطلب العالمي على الطاقة خلال الشهور القادمة.
وحافظ سعر النفط اليوم على نطاقه العرضي أعلى المستوى 70$ مع ترقب الأسواق لنتائج زيارة الوفد الصيني المكلف بمتابعة محادثات التجارة لواشنطن.
وكانت أسعار النفط قد قفزت في نهاية أبريل إلى أعلى مستوياتها في ستة أشهر، حيث لامس خام برنت المستوى 75.57$ للمرة الأولى منذ نهاية أكتوبر الماضي، وذلك بعد إعلان الولايات المتحدة إلغاء الحوافز الممنوحة لمشتري النفط الإيراني. وكانت الإدارة الأمريكية قد سمحت للصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وبعض البلدان الأخرى باستيراد النفط الإيراني، حتى بعد قرارها بإلغاء الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إدارة أوباما مع طهران.
وفي ظل رفض الجمهورية الإسلامية إعادة التفاوض حول برنامجها النووي، أو التخلي عن طموحاتها في امتلاك صواريخ بالستية، أو حتى تخفيف دعمها لبعض الدول والمليشيات المسلحة في الشرق الأوسط، قررت الإدارة الأمريكية تفعيل خطتها الرامية للوصول بصادرات إيران النفطية إلى مستوى الصفر، مقارنة مع مليون برميل يومياً في الوقت الحالي.
وأدت هذه التطورات إلى إحداث حالة من الهلع في أسواق الطاقة خصوصاً بعد أن هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز إذا حاول الغرب إيقاف صادراتها بالقوة، وهي التهديدات التي ردت عليها الإدارة الأمريكية مؤخراً بإرسال حاملة طائرات وقاذفات استراتيجية إلى منطقة الخليج.
وتزامن تصاعد التوترات الجيوسياسية مع عقوبات أخرى تفرضها الإدارة الأمريكية على صادرات النفط الفنزويلية في مسعى لإجبار الرئيس الحالي نيكولاس مادورو على التخلي عن السلطة وتسليمها لزعيم المعارضة الذي يحظى بدعم من الغرب خوان غوايدو.
ورفعت بنوك الاستثمار من تقديراتها لأسعار النفط خلال الربع الثالث من العام، حيث يتوقع بنك باركليز حالياً أن يسجل الخام الأمريكي 67$ وخام برنت 74$ خلال الأشهر الثلاثة القادمة.
برغم ذلك، بدأ المتداولون في تقليص رهاناتهم الصعودية، بل وسعى البعض إلى جني أرباح الارتفاعات الأخيرة في ظل سلبية المؤشرات الاقتصادية التي صدرت في مناطق عديدة، خصوصاً في أوروبا وآسيا.
وأتت أسعار النفط تحت وقع ضغوط إضافية منتصف هذا الأسبوع بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل مفاجئ أن بلاده تنوي زيادة الرسوم الجمركية على سلع صينية بقيمة 200 مليار دولار من 10% إلى 25%، كما هدد ترامب باستهداف شريحة جديدة من السلع الصينية تصل قيمتها إلى 325 مليار دولار. وجاءت تهديدات ترامب بعد أن اتهم الجانب الصيني بالتخلي عن تعهداته التي قطعها خلال جولات المفاوضات السابقة، والسعي إلى إعادة التفاوض على بعض النقاط الخلافية مثل حقوق الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا. وأكد الممثل التجاري الأمريكي روبرت لايتهايزر على جدية تهديدات ترامب حيث أعلن أن الإدارة الأمريكية تنوي بالفعل تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة.
وأبدت الأسواق تفاؤل حذر بعد تأكيد بكين على حضور الوفد الصيني إلى واشنطن لاستئناف المفاوضات التجارية، وفي كل الأحوال ستكون الساعات القادمة حاسمة في معرفة حقيقة نوايا كلا الطرفين، وما إذا كانت التهديدات الأمريكية الأخيرة تصب في خانة التكتيكات التفاوضية لإجبار الصينيين على تقديم مزيد من التنازلات.
ولكن بشكل عام لا نتوقع أن تشهد أسعار النفط فورة شرائية جديدة أو تتمكن من الدفع باتجاه اختبار القمة السنوية أعلى المستوى 75$ في ظل حالة عدم اليقين الراهنة. وعلاوةً على ذلك، من المحتمل أن نشهد قفزة هبوطية إذا ما تم الإعلان رسمياً عن فشل المفاوضات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم وبدأ كل طرف في اتخاذ إجراءات انتقامية.
وبحسب تقديرات المحللين، فإن بلوغ الحرب التجارية ذروتها بين واشنطن وبكين سيؤدي إلى خفض النمو العالمي بنسبة تتراوح بين 0.4% و0.6%، فيما من المتوقع أن يخسر الاقتصاد الصيني ما بين 1.2% إلى 1.7% جراء العقوبات الأمريكية. وتعتبر الصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم حيث بلغت وارداتها في أبريل مستوى قياسي عند 10.64 مليون برميل يومياً.
النظر على الرسم البياني سيعطينا صورة أكثر وضوحاً لترجمة التوقعات السابقة حيث يوفر النطاق 68$ – 70$ الدعم في المدى القريب والذي يضم سلسلة قيعان مايو مع خط المتوسط المتحرك 200 وحاجز 50% فيبوناتشي لتصحيح ترند الهبوط بين قمة العام الماضي 86.71 وقاع 2018 عند 50.05.
جهود أوبك ونقص العروض العالمي يدعمان النفط
وتلقت أسعار النفط دعماً محدوداً يوم الأربعاء الماضي بعد أن أظهر تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية انخفاض مفاجئ في مخزونات النفط بنحو 4 مليون برميل خلال الأسبوع الماضي، مقارنة مع التوقعات التي رجحت زيادة بنحو 1.2 مليون برميل. كما انخفضت مخزونات البنزين بنحو 600 ألف برميل والديزل بـ 160 ألف برميل.
وبرغم المناخ التشاؤمي الذي يسيطر على أسواق الطاقة، وغيرها من الأصول المرتبطة بالمخاطر، إلا أن أسعار النفط لاتزال تحظى بدعم قوي في المدى القريب من التزام دول أوبك وحلفائها باتفاقية خفض الإنتاج، والتي ساهمت في رفع أسعار النفط بأكثر من 50% منذ بداية 2019.
وأظهرت البيانات الأخيرة أن الدول الموقعة على اتفاقية خفض الإنتاج، والمعروفة باسم أوبك+، قد التزمت بحصص الإنتاج خلال الأشهر الماضية، والتي استهدفت خفض المعروض العالمي بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً. وبرغم التقارير التي تحدثت عن تململ بعض الدول من تمديد العمل باتفاقية خفض الإنتاج حتى النصف الثاني من 2019، ورغبة البعض في الاستفادة من الارتفاعات الأخيرة في الأسعار لدعم موازناتها العامة، ولكن تظل جميع هذه الأخبار في خانة التكهنات.
وجاءت أبرز التطورات في هذا الصدد بعد إعلان وزير النفط في أذربيجان أنه قد تلقى تطمينات من المملكة العربية السعودية بأنها لن تتخذ قراراً منفرداً بزيادة الإنتاج دون التشاور مع باقي أعضاء أوبك خلال اجتماعهم في يونيو القادم. وينظر البعض بعين الريبة إلى التعهدات السعودية خصوصاً في ظل الضغوط التي يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الرياض وباقي دول الخليج لتعويض نقص المعروض العالمي بسبب تلاشي الصادرات الإيرانية.
الجدير بالذكر أن ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة وتراكم المخزونات كان أحد المكابح الرئيسية لارتفاعات النفط خلال الفترة الماضية. ونجحت الولايات المتحدة في زيادة إنتاجها النفطي بمعدلات غير مسبوقة على مدار العامين الماضيين حتى أنها تمكنت من انتزاع لقب أكبر منتج في العالم بعد أن تجاوز إنتاجها في بداية هذا العام 12 مليون برميل يومياً، متفوقة على القادة التاريخيين لسوق النفط مثل السعودية وروسيا.