واصلت أسعار النفط ارتفاعها أمس، بعد أن قالت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، “إنها ستخفض صادرات الخام وتجري تقليصا أعمق للإنتاج، بينما زادت العقود الآجلة الأمريكية بفعل تراجع في مخزونات النفط المحلية”.
وبحسب “رويترز”، زادت العقود الآجلة لخام برنت 88 سنتا إلى 63.30 دولار للبرميل، في حين زادت عقود الخام الأمريكي 66 سنتا إلى 53.76 دولار للبرميل.
ووفقا ل”الاقتصادية”قال ستيفن برينوك من “بي.في.إم أويل أسوسيتس”، “إن عامل المعنويات الجيدة يعود، لكن المراهنين على صعود الدولار لم يجتازوا الأزمة تماما بعد. من المعلوم تماما أن الاقتصاد العالمي يفقد قوة الدفع في ظل مخاطر شتى مثل التوترات التجارية الأمريكية الصينية والضبابية الجيوسياسية”.
ويرجع معظم الخفض إلى السعودية، وكان المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية أبلغ صحيفة “فاينانشيال تايمز” يوم الثلاثاء أن الإنتاج سينزل عن عشرة ملايين برميل يوميا في آذار (مارس)، وهو ما يقل أكثر من نصف مليون برميل يوميا عن الهدف المتفق عليه للمملكة في إطار اتفاق خفض المعروض العالمي.
وقال بنك جولدمان ساكس “إن تخفيضات الإنتاج التي تزيد على التوقعات من جانب بعض المنتجين الكبار وتراجع مخزونات الخام الموسمية بسبب زيادة الطلب ستدفع أسعار النفط إلى الصعود”.
وتوقع البنك الأمريكي أن يرتفع سعر خام القياس العالمي برنت إلى 67.50 دولار للبرميل في الربع الثاني من 2019.
وذكر “جولدمان ساكس” في مذكرة بحثية بتاريخ 12 شباط (فبراير) أن “خسائر الإنتاج التي تبدأ في 2019 أكبر من المتوقع بالفعل. المنتجون يتبنون استراتيجية الصدمة والرعب ويتجاوزون التزامات الخفض”.
وأضاف بنك الاستثمار أن “العقوبات الأمريكية التي بدأ تطبيقها الشهر الماضي على صادرات فنزويلا من النفط تعطل إمدادات الخام”، مشيرا إلى أن تحسن العوامل الأساسية للنفط يتجلى بالفعل في تراجع المخزونات بما يفوق الأنماط الموسمية.
غير أن “جولدمان” حذر من توقعات الأسعار للنصف الثاني من 2019، مع زيادة المنتجين ذوي التكلفة المنخفضة للإنتاج.
وقالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن مخزونات النفط الخام والبنزين ونواتج التقطير في الولايات المتحدة ارتفعت الأسبوع الماضي.
وزادت مخزونات النفط 3.6 مليون برميل الأسبوع الماضي، مسجلة أعلى مستوياتها منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، مقارنة بتوقعات محللين لارتفاع قدره 2.7 مليون برميل.
وأفادت الإدارة أن مخزونات الخام في مركز التسليم في كاشينج في أوكلاهوما هبطت 1.016 مليون برميل، مضيفة أن استهلاك مصافي التكرير من النفط الخام تراجع 865 ألف برميل يوميا، بينما هبط معدل تشغيل المصافي 4.8 نقطة مئوية.
وارتفعت مخزونات البنزين 408 آلاف برميل، مقابل توقعات محللين في استطلاع لـ”رويترز” لزيادة قدرها 826 ألف برميل.
وأظهرت البيانات أن مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، ارتفعت على غير المتوقع 1.2 مليون برميل، مقابل توقعات بانخفاض قدره 1.1 مليون برميل.
وتراجع صافي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام الأسبوع الماضي 430 ألف برميل يوميا إلى 3.8 مليون برميل يوميا، وهو أدنى مستوى مسجل.
من جهته، يرى “بنك أوف أميركا ميريل لينش” أن منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” حققت نجاحا جيدا في استعادة كثير من الاستقرار في الأسواق النفطية والفاعلية في وقف تدهور الأسعار، وتواصل حاليا مواجهة تحديات أكبر خاصة على المدى المتوسط.
وأكد تقرير حديث للبنك الأمريكي أن توقعات نمو الإنتاج على المدى المتوسط ما زالت غير واضحة بسبب العقوبات المستمرة على إيران وفنزويلا والمخاطر الجيوسياسية بشكل عام وتصاعد تنافسية العرض من خارج “أوبك” وبقاء أسعار الخام منخفضة نسبيا إلى جانب تنامي مخاوف الطلب في ضوء النزاعات التجارية القائمة.
وأشار إلى ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة بشكل كبير على مدى نصف العقد الماضي، كما أنه من المتوقع الاستمرار في الارتفاع خلال العام الجاري، لافتا إلى أن زيادة الإنتاج من حقول النفط الصخري الأمريكي استدعت من دول “أوبك” خفض الإنتاج لتجنب تراجع الأسعار بسبب تخمة المعروض من النفط الخام.
ورجح التقرير الدولي أن يزداد دور منظمة أوبك في ضبط إيقاع السوق خلال السنوات المقبلة، خاصة فيما يتعلق بالحد من وفرة المعروض في الأسواق، مشيرا إلى أن تحالف المنتجين سيساعد كثيرا على الحد من المعروض في السنوات المقبلة وتعزيز حالة التوازن المستدام بين العرض والطلب.
وبحسب التقرير، فقد أضاف أعضاء “أوبك” نحو سبعة ملايين برميل يوميا إلى القدرات الإنتاجية بين عامي 2013 و2018، وجاءت المشاريع في مجموعة متنوعة من الدول المنتجة على رأسها دول الخليج والعراق وإيران ودول غرب إفريقيا.
ونبه التقرير إلى أن العراق على وجه الخصوص أضاف كميات ضخمة من الإمدادات الجديدة التي تعافت بعد سنوات من الحرب، وزاد الناتج النفطي في العراق بأكثر من الضعف منذ عام 2010 وتجاوز 4.7 مليون برميل يوميا حاليا.
وتوقع أنه على مدى السنوات الست المقبلة من المحتمل أن تكون الإضافات الجديدة في الطاقة الإنتاجية لدول المنظمة أصغر مما سبق وستتركز على الأرجح في عدد أقل من دول أوبك، وقد لا تتجاوز أربعة ملايين برميل يوميا.
إلى ذلك، قال لـ “الاقتصادية”، ديفيد لديسما المحلل في شركة ساوث كورت لاستشارات الطاقة، “إن منظمة أوبك تقوم بدور مميز في دعم استقرار وتوازن السوق”، مضيفا أنه “على الرغم من أنها تمتلك احتياطيات هائلة وقدرات إنتاجية واسعة إلا أنها تتمسك بقيود الإنتاج لدعم هذا التوازن ومنع تهاوي الأسعار، وهو الأمر الذي لا يخدم مصلحة الدول المنتجة فقط، بل مصلحة الاقتصاد العالمي بشكل أشمل”.
وأشار لديسما إلى أن 75 في المائة من الاحتياطيات النفطية العالمية موجودة في دول أوبك وعلى رأسها السعودية وفنزويلا، لكن “أوبك” لديها قراءة جيدة للسوق حيث تأخذ في الحسبان الإنتاج الأمريكي المتنامي بشكل سريع واحتمالية التباطؤ الاقتصادي ومن ثم انكماش مستويات الطلب النفطي.
من جانبه، أوضح لـ “الاقتصادية”، رينهولد جوتير مدير قطاع النفط والغاز في شركة “سيمنس” العالمية، أن التخفيضات الإنتاجية المتواصلة داعمة على نحو كبير لتعافي الأسعار وتقليل الفجوة بين العرض والطلب وامتصاص تأثير الإمدادات الأمريكية المتسارعة في النمو.
وأضاف جوتير أن “العقوبات الأمريكية على فنزويلا تعد من أبرز تحديات المرحلة الراهنة بسبب تأثيرها الواسع في المعروض في السوق، خاصة من النفط الثقيل”، مشيرا إلى أن إعادة بناء القطاع النفطي في فنزويلا سيحتاج إلى سنوات عديدة وتكلفة باهظة لإصلاح التدهور الحالي الحاد”.
من ناحيته، يقول لـ “الاقتصادية”، أندريه يانييف المحلل البلغاري والمختص في شؤون الطاقة، “إن دول أوبك تتمتع بمزايا نسبية هائلة، أبرزها رخص تكلفة البرميل، التي تعد الأرخص في العالم، بينما تصل تكلفة إنتاج البرميل خارج أوبك في بعض مناطق الولايات المتحدة وبحر الشمال نحو 40 دولارا للبرميل”.
ولفت يانييف إلى أن بعض المنتجين يواجهون صعوبات كبيرة أخرى مثل نقص الاستثمارات والمخاطر الجيوسياسية والعقوبات الاقتصادية التي طالت فنزويلا وإيران، ومن المتوقع أن يمتد تأثيرها لسنوات مقبلة، ما يضعف القطاع النفطي في الدولتين.
الرئيسية أهم الأخبار