الكويت تتحول من منافس للنفط إلى مشروع اقتصادي بعوائد مالية

اثمرت جهود جبارة بذلتها جهات كويتية عدة تحقيق تطلعات القيادة السياسية بادخال الطاقة المتجددة في انتاج الطاقة الكهربائية اذ باتت الكهرباء المنتجة من الشمس والرياح واقعا ملموسا بعد ان تم ربط مشروع مجمع منطقة (الشقايا) للطاقة المتجددة بالشبكة الوطنية للكهرباء وتزويد البلاد بنحو 23 مليون كيلواط / ساعة في ستة اشهر.

وترجع تجربة الكويت مع الطاقة المتجددة الى ثمانينات القرن الماضي قبل ان يتم ادراج مشاريع في هذا القطاع ضمن الخطة التنموية للبلاد في عام 2010 تطبيقا لرؤية سمو امير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح بتأمين 15 بالمئة من الطلب المحلي على الكهرباء باستخدام الطاقة المتجددة بحلول العام 2030 ما من شأنه توفير 5ر2 مليار دولار سنويا على اساس سعر برميل نفط قدره 45 دولارا.
وتمكنت دراسات معهد الكويت للابحاث العلمية وتطبيقات مؤسسة البترول الكويتية وجهود وزارة الكهرباء من تحويل الطاقة المتجددة بما تمثله من منافس للنفط (مصدر الدخل الاساسي للكويت) الى فرصة للاستثمار ومشروع اقتصادي بعائد مادي وبيئي اذ من المتوقع ان يفتح مجمع (مشروع الشقايا) بغرب البلاد المجال واسعا امام القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال في المراحل المقبلة ما يضمن تشجيع الابتكار والاختراع.
وقال مدير مشروع (مجمع الشقايا) في معهد الكويت للابحاث العلمية الدكتور سالم الحجرف ان هذا المجمع يضم محطتين لانتاج الطاقة المتجددة الاولى محطة الشقايا للطاقة الشمسية الكهروضوئية والاخرى محطة الشقايا لطاقة الرياح.
واضاف انه بعد مرور ستة اشهر على انتاج المحطتين فان مجموع ما تم تصديره من الطاقة الكهربائية النظيفة يساوي 23 مليون كيلواط / ساعة تكفي لتوفير التيار الكهربائي لنحو 130 منزلا شهريا بشكل كامل ما ساهم في هذه الفترة في توفير 40 الف برميل نفط تبلغ قيمتها في السوق العالمية 600 الف دينار كويتي (نحو 9ر1 مليون دولار امريكي).
ويبلغ عدد سكان الكويت نحو 4ر4 مليون نسمة بحسب آخر ارقام الادارة المركزية للاحصاء فيما يتم استهلاك نحو 350 الف برميل يوميا من النفط لاغراض توليد الكهرباء وتحلية المياه اي ما قيمته نحو 7ر15 مليون دولار (على اساس سعري يبلغ 45 دولار لبرميل النفط) في حين تشير توقعات وزارة النفط الى زيادة الطلب على الطاقة الى مليون برميل نفط يوميا بحلول عام 2035 مع بلوغ عدد سكان الكويت الى خمسة ملايين ونصف المليون نسمة.
واوضح الحجرف ان كلفة إنتاج الكهرباء من مصادر متجددة باتت منافسة لإنتاجها بالطرق التقليدية حيث ان اجمالي تكلفة انتاج الطاقة من مجمع الشقايا في الاشهر الستة الماضية بلغ 400 الف دينار كويتي (نحو 3ر1 مليون دولار) بوفرة مالية تصل الى 160 الف دينار (نحو 500 الف دولار) فيما لو تم إنتاج نفس الكمية من الطاقة بالطرق التقليدية.
وقال انه في هذه الاشهر الستة من انتاج المجمع تمت حماية البيئة الجوية من انبعاث 15 الف طن من غاز ثاني اكسيد الكربون فيما لو تم حرق الوقود الأحفوري لإنتاج هذه الكمية من الطاقة الكهربائية الأمر الذي يضع تقنيات إنتاج الطاقة من مصادر متجددة في موقع المنافسة الحقيقية للطرق التقليدية.
وذكر أن (مشروع الشقايا) من أوائل المشاريع الكويتية المهمة في مجال الطاقة المتجددة الذي نفذه معهد الكويت للأبحاث العلمية وبدأ العمل به عام 2013 على ان يوفر نحو 5ر12 مليون برميل نفط سنويا عند اكتمال مراحله الثلاث عام 2030 اذ سيوفر هذا المشروع بحلول ذلك التاريخ نحو 3 الى 4 بالمئة من الاستهلاك السنوي للطاقة في الكويت.
وتستقبل شبكة وزارة الكهرباء في الكويت حاليا نحو 20 ميغاواط من المشروع منها 10 ميغاواط من طاقة الرياح ومثلها من الطاقة الشمسية الكهرضوئية ومن المنتظر ان يصل انتاج الطاقة الشمسية من المشروع الى 50 ميغاواط بحلول 2018.
ويعمل معهد الكويت للابحاث العلمية بالتنسيق مع وزارة الكهرباء ومؤسسة البترول الكويتية على انجاز المرحلة الثانية للمشروع التي ستنتج 1000 ميغاواط بحلول عام 2020.
وكان وزير الكهرباء والماء الكويتي السابق أحمد الجسار اكد في تصريحات له ان ربط الجزء الثاني من المرحلة الاولى التي تبلغ 50 ميغاواط من الطاقة الشمسية بالشبكة سيتم نهاية العام 2017 وبذلك تكون الوزارة قد حققت نسبة واحد بالمئة من الطاقة المتجددة قبل العام 2018 ثم الى 3 بالمئة قبل العام 2020 لينضم المشروع الى بقية مشروعات الطاقة المتجددة التي تهتم بها الوزارة.
وكانت الدراسة الخاصة بمجمع (الشقايا) قد خلصت إلى وضع أنجع السيناريوهات المتاحة لتوطين تقنيات توليد الطاقة المتجددة للفترة من عام 2015 وحتى عام 2025 لاستيعاب قدرة إنتاجية تصل إلى 2000 ميغاواط يتم تنفيذها على ثلاث مراحل.
من جهته قال وكيل وزارة الكهرباء والماء الكويتية المهندس “محمد بوشهري” ان تزايد معدلات استهلاك الكهرباء في الكويت تفرض على الجميع وضع حلول عملية للتقليل من الاعتماد على النفط كمصدر لتوليد الطاقة مشيرا الى ان اهم هذه الحلول والبدائل هو الاعتماد على انواع الطاقات المتجددة.
واضاف بوشهري ان قدرة البلاد فى انتاج الكهرباء تصل الى 16700 ميغاواط في وقت بلغت اعلى احمال الاستهلاك للطاقة الكهربائية خلال فصل الصيف الحالي 13800 ميغاواط الامر الذي افسح المجال امام ايجاد فائض في الانتاج يتم احيانا توجيه هذا الفائض لدعم الاشقاء في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عبر شبكة الربط الكهربائي الخليجي.
وافاد بوشهري ان من الضرورة الاشارة الى ان الكويت تحتل المرتبة الاولى بين دول مجلس التعاون الخليجي في انتاج الطاقة الكهربائية من الرياح المولدة من (مشروع الشقايا) مشيرا الى وجود زيارات من دول شقيقة لبحث نقل التجربة اليها.

من جهة اخرى يبرز دول القطاع النفطي في الابتكارات والتجارب واستخدام الطاقة البديلة اذ ان من اوائل المشاريع في مجال الطاقة المتجددة في الكويت مشروع (سدرة 500) في منطقة (أم قدير) غرب البلاد الذي نفذته شركة نفط الكويت وبدأ عمله بالفعل في أكتوبر الماضي ويعمل على توليد 10 ميغاواط من الكهرباء من الطاقة الشمسية يدخل نصفها في شبكة الكهرباء العامة فيما يستخدم النصف الاخر في الرفع الصناعي من الآبار داخل (ام قدير).
وسمى المشروع باسم (سدرة 500) لانه يقلل من انبعاثات الكربون بما يعادل 500 ألف شجرة على مدى 25 عاما هي العمر الافتراضي للمشروع الذي بلغت كلفته حوالى 30 مليون دينار (نحو 90 مليون دولار) كما سيوفر للشركة ما يصل الى 500 ألف برميل من النفط على مدى 20 عاما.
ومن أكبر المشاريع التي تنتظرها الكويت وفقا لما أعلنته مؤسسة البترول الكويتية هو مشروع (الدبدبة) للطاقة الشمسية بسعة ألف ميغاواط وهو مبادرة أعلنتها المؤسسة للاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة وذلك بإنشاء محطة للطاقة الشمسية قادرة على تأمين 15 بالمئة من حاجة القطاع النفطي بالكويت للطاقة الكهربائية بحلول عام 2020.
ومشروع (الدبدبة) للطاقة الشمسية سيتم تشييده داخل مجمع (الشقايا) للطاقات المتجددة التابع لمعهد الكويت للأبحاث العلمية ويقع على مساحة تقديرية تصل إلى 32 كيلومترا مربعا ومن المتوقع ان ينتج ما يعادل 450ر2 مليون ميغاواط / ساعة بالعام علاوة على مساهمته في الحد بما يعادل 3ر1 مليون طن سنويا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على ان يتم تشغيل المحطة في الربع الثالث من السنة المالية 2020 – 2021.
وتستمر مؤسسة الكويت للتقدم العلمي من جانبها في طرح مشاريع نموذجية مختلفة في مجال الطاقة البديلة في عدد من المرافق والمنازل من خلال استخدام خلايا كهروضوئية في عدد من الجمعيات التعاونية وباشرت بتنفيذ مشروع نظم الطاقة الشمسية الكهروضوئية في 150 منزلا تم تركيب الدفعة الأولى ل50 منزلا تم اختيارها في عام 2016 على أن يتم الانتهاء منها جميعا نهاية العام الحالي.
وتعد الطاقة الشمسية الأكثر جدوى بين أنواع الطاقات المتجددة في الكويت وفقا لطبيعة البلاد المناخية لاسيما ان زيادة استهلاك الطاقة الكهربائية في البلاد يتزامن مع ذروة الاشعاع الشمسي لذا فقد توجهت اغلب المشاريع داخل الدولة للاستثمار في هذا النوع من الطاقة الذي يحقق تقدما تكنولوجيا كبيرا بالإضافة الى انخفاض تكاليف إنشاء المشاريع الخاصة به.
واجرى باحثو معهد الكويت للابحاث العلمية دراسة لتحديد فاعلية ثلاثة تطبيقات للطاقة المتجددة على نطاق ضيق وصممت تلك الدراسة من أجل تقييم الجدوى الاقتصادية ومزايا إنشاء تطبيقات للطاقة المتجددة على نطاق واسع وتتضن ثلاثة مشاريع رئيسية الاول هو مزرعة رياح بطاقة 260 كيلوواط من أجل اختبار وقياس أداء توربينات الرياح صغيرة الحجم شمال غرب الكويت وتعمل هذه التوربينات داخل وخارج الشبكات الكهربائية وتخدم أبراج الاتصالات أيضا في المناطق البعيدة.
ويتضمن المشروع الثاني محطة تعمل بالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح وتزود المحطات بالهيدروجين باستخدام ألواح الخلايا الضوئية (بطاقة 10 كيلوواط) وتوربينات الرياح (بطاقة 6 كيلوواط) وذلك من أجل إنتاج وتخزين الهيدروجين كناقل للطاقة واستخدامه كخلايا وقود لتوفير الكهرباء.
ويبحث المشروع الثالث وحدة لتحلية المياه تستخدم الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتفعيل أداة لتنقية المياه بواسطة (التناضح العكسي) حيث تقوم بسحب المياه قليلة الملوحة من بئر يصل عمقه إلى 80 مترا ومازالت التعديلات على هذه المرافق قائمة لتحقيق اكبر فاعلية لها.
وقام المعهد ايضا بتقييم الآثار المحتملة لمصادر الطاقة المتجددة على كل من القطاع الاقتصادي والطاقة والبيئة في الكويت وحددت الدراسة مختلف اختيارات الطاقة المتجددة من الطاقة الشمسية المركزة والطاقة الضوئية وتقنيات طاقة الرياح وذلك من أجل تشجيع التنمية المستدامة لنصيب كبير من الطاقة المتجددة في البلاد بحلول عام 2030.
وأظهرت الدراسة أن تقنيات طاقة الرياح تعتبر أكثر تقنية تنافسية من حيث السعر في الكويت لإنتاج الكهرباء مقارنة بحرق الوقود الأحفوري وبناء على نتائج استبيان لسبع مناطق مختلفة حدد الباحثون أن منطقة السالمي (غرب الكويت) تعتبر مناسبة لجميع التقنيات الثلاث التي أجري بشأنها الاستبيان.