الصين تستثمر90مليار دولار سنويا وتقود ثورة الطاقة النظيفة في العالم

اكد خبراء فى مجال الطاقة النظيفة ان انسحاب الولايات المتحدة الامريكية  من اتفاق المناخ في باريس كان دافعا مهما للهيمنة الصينية المتزايدة على سوق الطاقة المتجددة عالميا”.

وبحسب التقرير الذى نشره موقع صحيفة “الاقتصادية “السعودية تكشف قيمة الاستثمارات السنوية التي رصدتها السلطات الصينية لزيادة إنتاجها من الطاقة النظيفة المتجددة عن عمق القلق الذي ينتاب المعنيين بملف الطاقة وتعقيداته، حيث رصدت الحكومة الصينية أكثر من 90 مليار دولار سنويا من الآن حتى عام 2020 لتطوير قطاع الطاقة النظيفة المتجددة وزيادة إنتاجيتها، وإذ يسهم هذا الاستثمار الضخم في توليد قرابة 13 مليون وظيفة عمل، فإنه بلا شك سيسهم في تمتع الصين بدرجة أعلى من الاستقلالية في سوق الطاقة، وخفض اعتمادها على الواردات.
وأوضح الخبراء أن نبرة تأييد واشنطن لاستثمارات الطاقة المتجددة أخذت في التراجع مع إقرار استراتيجية للطاقة تأخذ في عين الاعتبار زيادة الإنتاج من المصادر التقليدية كالنفط الأحفوري والصخري، حيث شكل الانسحاب من اتفاق المناخ للحد من الانبعاثات الحرارية نقطة مفصلية في التوجه الأمريكي المقبل فيما يخص استخدامات الطاقة.

ومن المتوقع أن يساعد هذا الاستثمار الكثيف، على أن تبلغ مساهمة المصادر المختلفة للطاقة النظيفة المتجددة “الطاقة الشمسية والمائية والرياح والطاقة النووية” نحو 50 في المائة من إجمالي الطاقة الكهربائية في البلاد على الأمد الطويل، وسط تعهد رسمي بأن تبلغ نسبة الطاقة المتجددة من إجمالي الاستهلاك نحو 15 في المائة بحلول عام 2020، و20 في المائة بحلول عام 2030.
ويعتبر الدكتور ديفيد جامون المختص في الاقتصاد الصيني، أن تحرك بكين في اتجاه خفض اعتمادها على الطاقة المتولدة من الوقود الأحفوري، والتوجه إلى الطاقة النظيفة المتجددة، يعود إلى مجموعة متنوعة من الأسباب.
وقال لـ “الاقتصادية”، أن “جزءا كبيرا من نجاح الصين في تحقيق معدلات نمو مرتفعة، يعود إلى اعتمادها على توليد الطاقة من الفحم، إلا أن ذلك تسبب في مشكلة تلوث بات تهديدها يتجاوز قضية النمو الاقتصادي إلى تهديد حياة المواطنين الصينيين في عديد من كبريات المدن مثل بكين وشنغهاي، ولهذا كان على السلطات أن تبحث عن مسارات أخرى تضمن توفير طاقة نظيفة بأسعار منخفضة، لضمان مواصلة تحقيق معدلات نمو مرتفعة بعيدا عن التلوث”.
ويشير جامون إلى أن أن الضغوط الغربية، خاصة الأمريكية على الصين في قضية تلوث البيئة، وما تضمنته من تهديدات بالحد من الصادرات الصينية، دفع بكين إلى تغيير أنماط استخدامها للطاقة، أضف إلى ذلك البعد السياسي للقضية، وهو أن الصين تستورد الفحم من كوريا الشمالية، وهو ما تنظر إليه واشنطن باعتباره شكلا من أشكال الدعم الصيني لبيونج يانج وبرنامجها النووي.
وتخطط الصين لبناء ألف محطة للطاقة الشمسية خلال خمسة أعوام، يساعدها على ذلك انخفاض تكلفة بناء محطات الطاقة الشمسية العملاقة بنحو 40 في المائة منذ عام 2010، وقد أسهم ذلك في أن تصبح الصين أكبر مولد للطاقة الشمسة في عام 2016.
ويعتقد بن بينتج المختص في مجال الطاقة الشمسية، أن “الحكومة الصينية يمكن أن تتجاوز المخطط لها في مجال توليد الطاقة النظيفة المتجددة، وتحديدا الطاقة الشمسية في ضوء الجاذبية التي تمثلها سوق الطاقة الصينية للاستثمارات الدولية، لكن هذا لا يعني أن السوق الصينية ستتخلص من اعتمادها على الوقود الأحفوري، إذ سيظل نصف الطاقة المولدة في الصين في عام 2020 مصدره الفحم”.
ولا يبدو أن خطة الصين الطموحة قد تؤثر في استهلاك النفط لديها إذ إن من سيتضرر في المقام الأول هو الفحم وليس النفط الذي تذهب أغلبيته لقطاع النقل، وتنتج الصين نحو خمسة ملايين برميل من النفط، لكنها تستورد ما بين أربعة إلى خمسة ملايين من الخارج من بينها نحو 1.1 مليون برميل يوميا من النفط السعودي.
ويضيف لـ “الاقتصادية”، أن “مستويات الاستهلاك المرتفعة وتحسن مستوى الطبقة المتوسطة الصينية، ومساعي التحديث الجارية في قطاع الطاقة الشمسية، ساعد على تعزيز الاستثمار العالمي في مجمل قطاع تكنولوجيا الطاقة النظيفة إلى مستويات غير مسبوقة، فقد عززت الصين العام الماضي قدرتها من الطاقة الشمسية بنحو 20 ميجاواط على نحو فاق التوقعات”.
وبالفعل، فإن الأرقام الرسمية المعلنة تظهر تطورا إيجابيا في القيمة الإجمالية للاستثمار في مجال الطاقة النظيفة في الصين، حيث قفزت الاستثمارات من 32 مليار دولار عام 2016 إلى 44 مليار دولار في 2017.
ويقول لـ “الاقتصادية”، تيم بيكلي رئيس وحدة دراسات الطاقة في كلية الهندسة في جامعة ويلز، “إن قرار انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق المناخ في باريس، مثل حافزا مهما للهيمنة الصينية المتزايدة على سوق الطاقة المتجددة عالميا، خاصة أن الانسحاب الأمريكي ترافق مع تراجع في نبرة التأييد الأمريكية بشأن فكرة الطاقة المتجددة عامة، وسط توقعات بأن نشهد أيضا تراجعا في الاستثمارات الأمريكية في هذا المجال خلال السنوات الثلاث الماضية”.
ويعتقد بيكلي أن الصينيين سيسعون خلال السنوات الخمس المقبلة إلى ملء الفراغ الذي خلفة الانسحاب الأمريكي من اتفاقية المناخ، واحتلال موقع القيادة، فتلك الوضعية ستكون مريحة جدا لبكين، إذ ستتبوأ مركز القيادة التكنولوجية، مترافقة مع قدرات مالية هائلة، للسيطرة على قطاعات سريعة في مجال النمو الاقتصادي مثل الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية وصناعة البطاريات.
ويكشف هذا التحليل أن الصين ستكون محور التحول العالمي في مجال الطاقة مستقبلا، يدفعها في ذلك التطور التكنولوجي، وانخفاض تكلفة إنتاج الطاقة المتجددة، كما أن حصتها من الطلب العالمي على الطاقة في تزايد، وإذا نجحت خططها في تحويل أنماط نموها الاقتصادي من الاعتماد على الأسواق الخارجية، إلى نمو اقتصادي يعتمد على قطاع الخدمات الداخلي ورفع معدلات الاستهلاك المحلي، فإن ارتفاع الطلب المحلي على مصادر الطاقة سيكون كفيلا بإعادة تشكيل قطاع الطاقة في العالم برمته.

Print Friendly, PDF & Email