التنبؤ بالزلازل وعلاقتها بالكواكب في المجموعة الشمسية.. حقيقة علمية أم محض خيال؟!

*بقلم: أستاذ دكتور/ عبد العزيز خيري عبدالعال*
*أستاذ الزلازل وديناميكا الأرض*
*معهد الكويت للأبحاث العلمية*

على الرغم من أن علماء الزلازل منذ بدايات القرن الماضي قد احتدم بينهم سجال حول تأثير كواكب المجموعة الشمسية عندما تكون في وضع معين (وضع الاصطفاف أو المحاذاة الكوكبية) مع كوكب الأرض وهل تتسبب في كوارث وعلى الأخص زلازل، إلا أن علماء الزلازل دحضوا بالدليل العلمي فكرة تأثير الكواكب وتسببها في حدوث الزلازل على الأرض؛ ولذلك خلت أسباب حدوث الزلازل من تأثير الكواكب في المجموعة الشمسية ((solar system على كوكب الارض. وسوف أستعرض بالدليل العلمي هذا الموضوع.

تقوم فرضية المهتمين بعلم الكسمولوجي (Cosmology) وعلم المسح الهندسي للكواكب في النظام الشمسي؛ ومنهم فرانك هوجربتس الذي تنبأ بزلزال تركيا، وصالح محمد عوض من جامعة بغداد، ومنصور باشا من البوسنة وغيرهم؛ على أن جاذبية كواكب المجموعة الشمسية في حالة وضع معين (وضع الاصطفاف أو المحاذاة الكوكبية) بإمكانها تغيير سرعة دوران الأرض، الأمر الذي يؤدّي إلى تغييرات في سرعة الصفائح التكتونية في القشرة الخارجية للأرض الحاملة للقارات، وبالتالي اصطدامها أو ابتعادها أو اندساسها، وبالتالي حدوث الزلازل. ودائما ما تلاقي هذه الفرضيات كثيراً من الاعتراضات، خاصة من علماء الفلك والزلازل؛ إذ يقول علماء الزلازل إنه لا أساس علمي لتنبؤات الزلازل، فدائماً توجد فرصة لحدوث زلازل في الأماكن ذات الصدوع النشطة، وأن فرضية “المحاذاة الكوكبية” وعلاقتها بالزلازل قد دحضها المجتمع العلمي. إذ فشلت الفرضية في تفسير لماذا تحدث الزلازل يوميا في أنحاء الكرة الأرضية بدون حدوث ظواهر كونية، وعلى النقيض أيضا حدوث ظواهر كونية كثيرة بدون حدوث الزلازل المتوقعة منها، بالإضافة إلى عدم استنادها الي حقيقية علمية مثبتة يمكن الاعتماد عليها.

ويستند أصحاب فرضية المحاذاة الكوكبية (فرانك هوجربتس وآخرون…) بصورة أساسية إلى ورقة علمية نُشرت في المجلة العلمية “نيتشر” عام 1959 تحت عنوان “علاقة ملحوظة بين مواقع أورانوس ولحظة الزلازل الكبرى”. العنوان باللغة الانجليزية
(Great Earthquakes and the Astronomical Positions of Uranus)
Nature 184, by R. TOMASCHEK

ويعتمدون أيضا على نشر بعض الأبحاث في مجلات غير متخصصة. وعلى سبيل المثال في سنة 2022 تم نشر بحث بواسطة باحث روسي في مجلة:
International Journal of Geosciences, volume 13 no 9 by author Alexander N. Safronov.
وكان البحث تحت عنوان:
“Astronomical Triggers as a Cause of Strong Earthquakes”.

وأيضا يعتمدون على بحث نُشر في سنة 2021 بواسطة الباحث صالح محمد عوض (باحث عراقي) في المجلة:
Journal of coastal conservation 2021 v.25 no.2 pp. 30
تحت عنوان
“Solar system planetary alignment triggers tides and earthquakes”

ويعتمدون على مقالات وأبحاث تم نشرها من هنا وهناك في مجلات وصحف غير مفهرسة عالميا وليست لها مكانة علمية يعتد بها.

لكن معظم علماء الزلازل يعارضون هذه الفرضية بشدة من منطلق أن قوة جاذبية الكواكب أضعف بكثير من القوى التكتونية التي تسبّب الزلازل، وتنتج هذه القوى عن حركة الصفائح التكتونية في القشرة الأرضية وتصادمها أو انزلاقها على خطوط الصدع المتشكلة على حافات الصفائح من الحركة الذاتية داخل الكرة الأرضية نفسها. علاوة على حدوث الكثير من ظواهر اصطفاف الكواكب والأرض ولم تحدث أي زلازل كبيرة أو مدمرة في ذات وقت الاصطفاف.

رد علماء من وكالة ناسا الأمريكية للفضاء وعلماء من هيئة المسح الجيولوجي الأمريكي على سؤال مهم هو: “هل يمكن أن يؤثر موقع القمر أو الكواكب في الزلازل؟ هل يوجد المزيد من الزلازل في الصباح / في المساء / أو في وقت معين من الشهر؟”. وكانت الاجابة أن الدراسات الموثقة نفت وجود مثل هذة العلاقة. إلا أن هناك دراسات حديثة وقليلة جدا تم نشرها توضح وجود ثمة علاقة في بعض الحالات سنتطرق إليها في آخر هذا المقال.

*• إخفاقات أصحاب نظرية فرضية المحاذاة الكوكبية:*

1- عام 1974، توقع جون جريبين وستيفن بلاجمان في كتابهما “تأثير المشتري (The Jupiter Effect) أن محاذاة كواكب النظام الشمسي ستخلق عدداً من الكوارث، بما في ذلك زلزال كبير في صدع سان أندرياس بولاية كاليفورنيا الأمريكية، في العاشر من مارس 1982، وأصبح الكتاب من أكثر الكتب مبيعاً، لكن لم يحدث الزلزال المتوقع. وكان علماء الفلك على علم منذ زمن طويل بأن محاذاة للكواكب ستحدث في العاشر من مارس 1982 عندما يكون كل من كوكب عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشتري وزحل وأورانوس ونبتون وبلوتو على نفس الجانب من الشمس، لكنهم نفوا أن يكون لهذا الاصطفاف أي تأثير على كوكب الأرض، لأن قوى المدّ للكواكب الأخرى التي تؤثّر في قشرة الأرض لا تُذكر حتى في أدنى حالة اقتراب للكواكب.

2- في غضون عام 2011 توقع أصحاب نظرية المحاذاة الكوكبية نهاية الكون بسبب الظواهر الكونية ومدى تأثيرها في كوكب الأرض ولكن لم يحدث شيء.

3- في عام 2012 توقع أيضا أصحاب نظرية اصطفاف الكواكب نهاية العالم ونهاية الحياة على كوكب الأرض وحدوث زلازل مدمرة على سطح الكرة الأرضية، وحدوث تسونامي عملاق وانخلاع القشرة الأرضية بأكملها ولكن لم يحدث شيء.

4- في غضون عام 2015 توقع أصحاب نظرية السوبر مون والقمر الدامي نهاية العالم ونهاية الحياة وحدوث كوارث على كوكب الأرض بسبب الظاهرة تلك ولم يحدث شيء.

ويرفض علماء الزلازل والجيولوجيا وأيضا علماء الفلك، النظرية والفرضية العلمية التي قام عليها كتاب “تأثير المشتري”، وهو أنه في عام 1982 ستصطفّ جميع الكواكب اصطفافا متناهي الدقة وهذا ليس حقيقياً، إذ إن أصغر مسافة زاويّة للكواكب الأربعة الرئيسية (المشتري، زحل، أورانوس، ونبتون)، ستكون أكبر من 60 درجة، كما رأى العلماء كثيراً من نقاط الضعف الأخرى في “النظرية”، فتَمدُّد المد والجزر الصغير الناتج عن الشمس سيكون أصغر بملايين المرات من ذلك الناتج على الأرض بواسطة القمر، كما لا توجد روابط مثبتة بين النشاط الشمسي ومعدل دوران الأرض، ولم تخرج هذه الفرضية في نظر معظم العلماء عن التنجيم المبطن بالعلم، واعتُبرت محض خيال.

يتفق علماء الفلك وأيضا علماء الجيوفيزياء على أن تأثير جاذبية الكواكب في الأرض وعلاقتها بالزلازل غير ممكنة، وينصّ قانون نيوتن للجاذبية الكونية على أن الجاذبية بين جسمين تتناسب طرديّاً مع كتلتيهما وتتناسب عكسيّاً مع مربع المسافة بين الجسمين، لذلك، كلما زادت كتلة الجسمين وتقاربا، زادت قوة الجاذبية بينهما، وهذا ما يجعل القمر بسبب قربه من الأرض، والشمس بسبب كتلتها الكبيرة، أكثر الأجرام السماوية تأثيراً بقوة الجاذبية على كوكب الأرض. والثابت علميا كما يقول العلماء وخاصة علماء من هيئة المسح الجيولوجية الأمريكية أن القمر والشمس والكواكب الأخرى لها تأثير في الأرض في شكل اضطرابات (تغييرات صغيرة) في مجال الجاذبية. إذ يتناسب مقدار التأثير النسبي مع كتلة الأجسام ويتناسب عكسًا مع الأُس التكعيبي للمسافة (r ^ 3) عن بعدها عن الأرض. وتتناسب الضغوط التي تسببها كتلة من خارج الأرض مع تدرج مجال الجاذبية dg (r) / dr وليس مع مجال الجاذبية g (r)
. g (r) = GMm / r ^ 2 وبالتالي: dg (r) / dr = -2 * g (r) / r = -2GMm / r ^ 3

*• علاقة المد والجزر البحري والمد والجزر الأرضي بحدوث الزلازل:*

أشارت بعض الأبحاث والدراسات الحديثة كما تم ذكرها بواسطة هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (هي أبحاث ودراسات وتقارير غير موثقة من المجتمع العلمي ولا ترقى لمستوى الدليل العلمي كما أشارت الهيئة) إلى وجود ثمة علاقة بين المد والجزر وبعض أنواع الزلازل، وأشارت إلى أنه خلال أوقات ارتفاع المدّ والجزر في الأرض والمحيطات، مثل أوقات اكتمال القمر أو القمر الجديد، تكون الزلازل أكثر احتمالاً على الفوالق وصدوع الدفع الضحلة بالقرب من حافات القارات وفي مناطق الاندساس والغطس بين الصفائح التكتونية.

ويعتمد الباحثون في هذه الأبحاث و الدراسات على الملاحظة لا السببية، بين حدوث الزلازل وتَشكُّل القمر الجديد أو البدر عند اصطفاف الشمس والقمر والأرض، إذ ترى هذه الدراسات والأبحاث أن وضع القمر الذي يتسبب في حدوث المد والجزر على سطح البحر، وتغيُّر توزيع كتلة الماء في المحيطات، يمكن أن يضع ضغطا على الصدوع الزلزالية المتشكّلة على حافات الصفائح التكتونية القارية وإطلاق طاقة أو إجهاد قد يتسبب في حدوث الزلازل، لكن تبقى هذه النظرية أو الفرضية في حدود الملاحظة العلمية فقط؛ إذ لا تفسّر لماذا تحدث الزلازل في حالات أخرى للقمر مثل المحاق والهلال، وأيضا تفشل في تفسير لماذا تحدث الزلازل داخل القارات و ليس على حدود الصفائح التكتونية داخل القشرة الارضية.

كذلك تشير بعض الأبحاث والدراسات المنشورة حديثا إلى وجود علاقة بين المد والجزر الأرضي وأوقات حدوث الزلازل في حالات معينة وأماكن معينة، ويحدث المد والجزر الأرضي نتيجة لجاذبية الشمس والقمر، وهي نفس القوى التي تُحدِث المد والجزر المحيطي، ويحدث المد والجزر الأرضي (وهو أقل وضوحاً من المد والجزر المحيطي) حين يرتفع السطح الصلب وينخفض من الأرض مرتين يومياً بمقدار بضعة سنتيمترات، يؤدي ذلك إلى رفع وخفض الضغط المحاصر على الصدوع بالقرب من الحافات القارية وفي مناطق الانزلاق. لكن هذا الاحتمال منخفض جداً، ويمكن القول إن زيادة الزلازل تزامناً مع الحد الأقصى للمد والجزر على الأرض لم تُثبَت بوضوح على نطاق عالمي ولجميع آليات الزلازل.

تبقى فرضية المحاذاة الكوكبية وتأثيرها وتسببها في حدوث الزلازل دون الحقيقة العلمية الفعالة التي يعتمد ويعتد بها في التنبؤ بالزلازل، وإن صدقت توقعات أصحابها في مرة أو مرتين، ولكن فشلت توقعاتهم في غالبية الحالات. ولا تزال الزلازل وخاصة الزلازل الكبيرة والمدمرة منها بعيدة عن التنبؤات الدقيقة للعلماء حتى الآن، كما أن الفرضيات والنظريات التي تربط الزلازل بظواهر كونية أخرى مثل حركة الكواكب والأجرام السماوية واصطفافها، لا تزال في إطار الملاحظات العلمية التي لا تصل إلى مرحلة اليقين العلمي، وإن صدقت بعض حالات التنبؤ إلا أن معظمها قد فشل، كما أن تَحقُّق بعض التنبؤات بحدوث زلازل فعليّاً لا يعني أنها حقائق مُثبَتة؛ فالتنبؤ الدقيق بالزمان والمكان الفعليَّين لا يزال بعيد المنال، كما أن كثيراً من الزلازل يحدث بلا أي روابط مع ظواهر كونية أخرى.

Print Friendly, PDF & Email