تلتزم البلدان الموقعة على اتفاق خفض الإنتاج النفطي بهذا الاتفاق بمستويات عالية، لكن لا تزال هناك بعض الدول التي تقوم بعمليات التفافية بصورة أو بأخرى على هذا الاتفاق، وتبعد نفسها عن الالتزام الصادق به. غير أن مستوى الالتزام المرتفع أسهم إلى حد بعيد في تماسك الأسعار (وليس ارتفاعها)، خصوصا أن الفوائض النفطية العالمية لا تزال كبيرة وتصل إلى أكثر من 250 مليون برميل. وكأي فوائض يتطلب الأمر مزيدا من الوقت لتصريفها. وكما هو معروف، فإن هذه الفوائض هي التي تسهم مباشرة في تأخر النتائج المرجوة لاتفاق خفض الإنتاج النفطي، وفي مقدمتها بالطبع أن تعود أسعار النفط إلى مستويات مقبولة وعادلة لجميع الأطراف المعنية بهذا القطاع الاستراتيجي الهائل. ورغم الجوانب السلبية في تنفيذ اتفاق خفض الإنتاج، واصلت المملكة التزامها به إلى أبعد الحدود، بل إنها تجاوزت مستويات التزاماتها، منطلقة من مبادئها التي تستند إلى ضرورة الالتزام بتعهداتها بصرف النظر عن سلوكيات الآخرين. وقرار السعودية خفض مليون برميل من صادراتها النفطية يعطي دفعة قوية لمسيرة تنفيذ الاتفاق، لكنها (أي المملكة) في الوقت نفسه، تتحرك من أجل جعل كل البلدان الموقعة على الخفض ملتزمة بأعلى معايير الشفافية والنزاهة فيه. وقد عبر المهندس خالد الفالح وزير الطاقة في أكثر من مناسبة عن قلق الرياض من تسيب بعض الموقعين على اتفاق الخفض، بل وصف هذه السلوكيات بـ “المقلقة” التي ينبغي أن تعالج بأسرع وقت ممكن. اتفاق الخفض جاء أساسا لرفع سعر برميل النفط بصورة عادلة، كما يستهدف في خطوته الأولى التخلص نهائيا من الفوائض النفطية باعتبارها مسببا سلبيا لتراجع الأسعار. فإذا قامت هذه الدولة أو تلك بزيادة ولو طفيفة في إنتاجها، فإن منظومة تنفيذ الاتفاق تتأثر بشكل سلبي، وربما تصل إلى مستوى المُعطل للاتفاق. غير أن المملكة لا يمكن أن تسمح بهذه الممارسات. فالمسألة لا تخص دولة أو اثنتين أو حتى مجموعة دول، بل ترتبط بالعالم أجمع بما يمثله النفط من مصدر أساس للطاقة. وفي الواقع يمكن القول، إن السعودية تقوم بمسؤولياتها النفطية ذات الأبعاد العالمية، ومن هنا فإنها لن تقبل بأقل من التزام واضح من جانب البلدان الموقعة على اتفاق الخفض. في الفترة التي سبقت توقيع المرحلة الأولى من اتفاق الخفض، حاولت بعض البلدان (وفي مقدمتها إيران) أن تعطل أي اتفاق من هذا النوع إذا ما كانت مجبرة على الالتزام به. ولكن لم تصمد ألاعيب المسؤولين في هذا البلد أمام المنهجية الاستراتيجية السعودية في الوصول إلى الاتفاق المشار إليه، ما شجع على توقيع المرحلة الثانية منه. ليس هناك مجال أمام البلدان التي تحاول تخريب الاتفاق أو القفز فوقه أو عدم الالتزام به. وهي بذلك تحمي في الواقع الإمدادات النفطية بصورة استراتيجية مستدامة، في سياق الوصول إلى المستوى المأمول على صعيد الأسعار. فالجميع يعلم أن انخفاض أسعار النفط الخام كان كبيرا وانعكس بأشكال سلبية (وأحيانا خطيرة) على اقتصادات بعض البلدان النفطية. المملكة تتحرك، والحقيقة أنها لم تتوقف، ليس فقط من أجل إعادة التوازن إلى السوق النفطية على صعيد المعروض والأسعار، بل أيضا من جانب الالتزام الحقيقي للبلدان التي دخلت اتفاق الخفض، وقبلت به في مرحلتيه الأولى والثانية.
الرئيسية مقالات